١- تتحول الحرب في اليمن يوماً بعد يوم إلى ملهاة بعد أن أفرغت شحناتها في لوحة من الصور الانسانية المروعة ، وبعد أن توقفت عند مفترقات لم يعد يسمح بتجاوزها لأسباب ظاهرها إنساني وباطنها شيطاني .
ويتحول الحديث عن وقفها إلى أضحوكة حينما يتم التغاضي عن جذر المشكلة التي أشعلت الحرب .
٢- بتعبير آخر ، لم تعد القضية اليمنية والحرب يثيران ذلك الإهتمام القديم على الصعيد الدولي إلا في حالتين : حينما يتعلق الأمر بالجانب الانساني ، وحينما يتقدم الجيش الوطني لإستعادة المواقع الاستراتيجية من أيدي عصبة الانقلابيين ، كما حدث ويحدث مع الحديدة . في الحالتين يهب المجتمع الدولي ليتحدث عن السلام فيما يشبه صحوة متخم أوقظ من تعسيلة بعد وجبة دسمة .
٣- بسبب هذا الوضع الذي يراد فيه إدخال القضية اليمنية غرفة التبريد ، فإن توحش عصبة الانقلاب يزداد ليعمق المأساة الانسانية على أكثر من صعيد ،
٤- يتجسد جانب من هذا التوحش فيما تمارسه عصبة الانقلاب من سلوك طائش وغير مسئول تجاه عملية السلام، والتمادي في رمي اليمن إلى أحضان تاريخ من الخرافات اللاهوتية المنشئة لمنظومة فكرية وسياسية متطرفة تجعل الحكم حكراً في يد جماعة مجندة للفتنة وسفك الدم بذريعة حقها المزعوم في الحكم ، مع ما يرافق ذلك من قمع لكل إرادة تقف ضد هذا المنحى الغرائبي في الاستيلاء على السلطة .
٥- تتوسع بيئة التوحش تلك مع غياب إستراتيجية متكاملة لمقاومة الانقلاب واستعادة الدولة . ونقصد بالاستراتيجية هنا الفعل الذي يتحدد وفقاً لرؤيا منهجية شاملة ، وليس الفعل الذي يتشكل في سياقات غير متناغمة ، لا تترك مجالاً لخيارات مرنة وقادرة على ضبط إيقاعات المواجهة كلما اختل المسار بفعل تعقيدات الوضع وتداخله مع غيره من القضايا المحلية وقضايا المنطقة.
٦- ومع تزايد معاناة الناس من طول الحرب ، فإن حاصل هذا التداخل بين هذا التوحش والتراخي العام ، الذي يحيط بهذه العملية من عدة وجوه ، قد أفرز حالة من اليأس عند عامة الشعب بإنهاء الحرب ، وما تنتجه من كوارث ومآسي تزداد مع كل يوم يمر لا يحمل معه أي تباشير بالخروج من هذا المأزق .
٧- إن النتيجة الطبيعة لليأس ، في صورته السالبة ، تقود ، في نهاية المطاف ،إلى “تطبيع المأساة” ، وهذا أسوأ ما ستنتجه هذه الحرب من التشوهات التي ستلحق بالمجتمع أخطر النتائج التي قد تمتد لسنين طويلة . وهي لن تبقى عند حدود ما تفعله الحرب من تخريب مادي ، ولكنها تذهب إلى الجانب المعنوي ، حيث يتحول تطبيع المأساة إلى عنصر مثبط للفعل المقاوم لكل ما هو خاطئ في الحياة .
٧- إن “تطبيع المأساة” على هذا النحو يشل القدرة على التفاعل مع عدالة مقاومة التعدي على خيارات الشعب بالقوة العسكرية ، وينذر بمخاطر من ذلك النوع الذي شهدته كثير من الشعوب حينما أخذت الحروب فيها تنفصل عن المجتمع وتكون بؤرها ومصالحها الخاصة ، وأخذت الشعوب تتطبع بقبول القمع والحرب ومآسيها ، وتبحث عن ملاجئ تلوذ بها من جحيم الكارثة .
٨- إن هذا الوضع يَصْب لصالح العصبة الانقلابية المتشبثة بخرافتها التي أغرقت فيها اليمن وأدمته ودمرت مقدراته ، والوقوف في وجه هذه الخرافة البغيضة هي عملية متكاملة في منع “تطبيع المأساة” التي يسعى إليها التوحش الذي تمارسه عصبة الانقلاب ، وهو ما يعني أن الشق الآخر من معادلة التطبيع تلك لا بد أن يستعيد الوعي بأهمية تحريض العقل المقاوم لهذه الخرافة على أكثر من صعيد ، وأن يبادر إلى تعبئة أطراف المقاومة لصياغة استراتيجية شاملة لهذا الغرض بعيداً عما يعتمل تحت مظلتها من أرق الاختلاف .