اعادة نشر _ ظل الديكتاتور… مثقفون يمنيون ضد الديمقراطية
الصحفي / علي سالم المعبقي
20 يونيو 2022
“الصمت عار، الخوف عار (…)، سنظل نحفر في الجدار إما فتحنا ثغرة للنور، أو متنا على وجه الجدار”. هذا ما تقوله قصيدة للشاعر اليمني عبد العزيز المقالح، نُشرت مطلع سبعينيات القرن العشرين. لكن كاتب القصيدة تماهى مع المؤسسة الرسمية وصمت عن انتهاكات كثيرة ارتكبتها بحق أبناء شعبه السلطات والجماعات المسلحة غير الرسمية.
يوم 10 كانون الثاني/ يناير 2018، عقب زيارته مركز الدراسات والبحوث اليمني، نشر صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي الأعلى لسلطة الانقلاب غير المعترف بها دولياً صورة على حسابه على تويتر يظهر فيها الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح خلف الصماد في هيئة أثارت جدلاً في أوساط المثقفين والناشطين.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يبدو فيها المقالح تابعاً للحاكم. فعلى مدى عقود، ظل “شاعر اليمن الكبير”، كما تصفه وسائل إعلامية، جزءاً من المؤسسة الرسمية، ومتوائماً مع توجهاتها.
بخلاف الطابع الحداثي والثوري الذي يسم أعمالهم الأدبية والفنية، داهن مثقفون يمنيون كثر السلطة وشاركوا في إثارة النعرات الطائفية والجهوية وإفشال تجربة التحول الديمقراطي في البلد الأفقر والأقل استقراراً في المنطقة العربية.
أحفاد الزبيري
يُعزى إلى المثقف اليمني دور ضمن الحركة الوطنية المقاومة للاستعمار البريطاني في جنوب اليمن والحكم الملكي الإمامي في شماله. وتُعَدّ مجلة الحكمة اليمانية الصادرة في صنعاء (1938-1941) وجريدة “فتاة الجزيرة” في عدن (1941-1967) من أوائل المطبوعات التي ساهمت في بلورة الوعي المقاوم. إلا أن مواقف المثقفين تذبذبت ولم تشكل تراكماً خطياً يتسق مع الدور التنويري المفترض للمثقف.
على غرار الشاعر والروائي الراحل محمد محمود الزبيري (أبو الأحرار) الذي تخلى في ستينيات القرن العشرين عن شعارات الجمهورية واتّجه إلى تمجيد القبيلة وتأسيس “حزب الله”، وفق ما لاحظ الباحث أحمد القصير، في قراءته لتجربة الزبيري، كذلك وقف مثقفون يمنيون موقفاً سلبياً إزاء مطالب التغيير الديمقراطي ودعموا الانقلابات المسلحة.
عقب مقتل 50 متظاهراً في آذار/ مارس 2011، استقال عدد من معاوني الرئيس علي عبد الله صالح، بينهم مستشاره السياسي الدكتور عبد الكريم الأرياني الموصوف بمهندس حزب المؤتمر الشعبي الحاكم، فيما بقي مستشاره الثقافي عبد العزيز المقالح صامتاً يواظب على “قراءة روايات لا علاقة لها بطبائع الاستبداد ولا بسلوك الديكتاتور، من دون أن يعكّر مزاجه مقتل معتصمين، على بعد خطوات من منزله”، حسب ما كتب حينها الروائي أحمد زين.
بدلاً من أن يعمل المثقفون على تعزيز ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ساروا على خطى الأحزاب في تبنيها للمليشيات الجهوية والمذهبية.
مقابل السياسي الأرياني الذي حذّر من خطر الحوثيين واعتبرهم جماعة طائفية ماضوية تسعى إلى السيطرة على السلطة بطرق عسكرية، حاول الشاعر المقالح تبرير محاصرة المسلحين الحوثيين صنعاء، معتبراً “الأمن أولوية لا شيء يسبقها أو يوازيها”.
بعد سيطرة الانقلابيين على مؤسسات الدولة بالقوة وحلّهم البرلمان، استمرّ المقالح في صمته. وغداة إطلاق تحالف عربي بطلب من الرئيس اليمني، كتب مقالاً بعنوان “نيران شقيقة” سخر فيه من عاصفة الحزم التي اعتبرها “مناورة عربية إسلامية لمباغتة العدو الصهيوني وشل حركته”.
تذرُّع المثقف العربي بالعدو الصهيوني لتبرير الديكتاتورية يعود إلى عقود مضت. فأثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990، تجنب مثقفون يمنيون وعرب إدانة الغزو، وعندما شُكّل تحالف دولي لتحرير الكويت أصدر 55 مثقفاً يمنياً، بينهم المقالح، بياناً يدين ما أسموه التدخل الخارجي.
عقب نشر الصماد تلك الصورة التي عدها البعض مهينة، دافع كتّاب عن المقالح بالقول إن قيادة الانقلاب أحرجته، لكن الحقيقة أن المقالح بقي متوائماً مع الانقلاب منذ بدايته. فعلاوة على قبوله منصب الرئيس الفخري لـ”الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان”، الذراع الثقافية للسلطة الانقلابية، أبقى أبواب مكتبه مفتوحة لقادة الانقلاب والتقط صوراً تذكارية معهم.
فأثناء استقباله عضو المجلس السياسي الأعلى لسلطة الانقلاب محمد علي الحوثي، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، خاطب المقالح الحوثي قائلاً: “زيارتكم لمركز الدراسات تعبّر عن عالي الشعور بالمسؤولية ومدى تقدير الدولة للأدب والعلم والعلماء ومراكز البحث العلمي”.
ما قاله المقالح يتعارض مع أفعال سلطة الانقلاب المتهمة بجرف كل ما له صلة بالعلم الحديث. فمناهج التعليم صارت طائفية ووزير التربية والتعليم بدون مؤهل ووزير الثقافة ضابط عسكري بعثي. وفي كل وزارة ومؤسسة مندوب للمخابرات. وباتت المناسبات الجهادية والطائفية مثل يوم الصرخة ويوم الولاية ويوم الشهيد ثقافة رسمية تحتفي بها الجامعات الحكومية.
قلعة العصبيات
عند تأسيسه في عام 1971، مثّل اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين المؤسسة الوحدوية الأولى التي جمعت كتّاب جنوب اليمن وشماله، ما منحه تقدير يمنيين خصوصاً لجهة انتقاده لنظامي صنعاء وعدن.
كانت الوحدة اليمنية والديمقراطية من أبرز ما طرحته في الثمانينيات مجلة “الحكمة” التي أعاد الاتحاد إصدارها من عدن، الأمر الذي أزعج النظامين الشموليين. ففي عدن، هاجم الإعلام الموالي مجلة “الحكمة” ورئيس تحريرها عمر الجاوي، وفي الشمال منعت السلطات توزيع أعدادها التي كانت تُهرَّب إلى صنعاء كمنشورات سرية.
لكن المفارقة أن الاتحاد، الذي تصفه قياداته بـ”القلعة الوحدوية” تحوّل بعد قيام الوحدة وإقرار الديمقراطية، في أيار/ مايو 1990، إلى قلعة عصبيات مذهبية وجهوية.
يشتمل النظام الأساسي لاتحاد الأدباء على 12 هدفاً ثلثها تقريباً تنص على “الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان وخلق مجتمع مدني ومواجهة النزعات الطائفية والانفصالية والقبلية وتشجيع الفكر المعبر عن قضايا الحرية والديمقراطية والتقدم”. بيد أن هذه الأهداف قلّما تجسدت في سلوك الاتحاد ومنتسبيه.
في أيار/ مايو 2010، وتحت شعار “حماية الحريات العامة تأصيل للديمقراطية والإبداع والتحديث”، عقد الاتحاد مؤتمره العام العاشر، في مدينة عدن، إلا أن أعمال المؤتمر جاءت نقيضاً للشعار حسب ما يؤكد لرصيف22 عضو الأمانة العامة للاتحاد الشاعر محمد عبد الوهاب الشيباني وآخرون.
يقول الشيباني: “بدأتُ أعاين تجليات الاصطفافات المناطقية والجهوية داخل اتحاد الأدباء، بدءاً من العام 2007، وخلال المؤتمر العام العاشر الذي أفضى إلى انتخاب مجلس تنفيذي بالمناصفة (شمالاً وجنوباً) كبادرة انقسامية على أساس مناطقي، صوّت أعضاء المؤتمر لقوائم مغلقة على أساس شمالي وجنوبي وليس على أساس سياسي أو إبداعي”.
أعقد من معضلة أخلاقية
ولئن نُظر إلى المواقف السلبية للمثقف العربي من ثورات العربي باعتبارها معضلة أخلاقية، فإن انتقال مثقفين من تأييد الربيع العربي إلى دعم الانقلابات المسلحة تبدو أكثر تعقيداً.
عام 2011، كانت القاصة هدى العطاس الشاعرة والأكاديمية ابتسام المتوكل ضمن المتظاهرين في ساحة التغيير في صنعاء الذين رفعوا شعار “سلمية سلمية”، لكن طريق العطاس والمتوكل تباينت لاحقاً. فبينما اتجهت الأولى لتؤسس مع الناقد والأكاديمي سعيد الجريري وآخرين “اتحاد أدباء وكتاب الجنوب” وهو إحدى مؤسسات الحركة الانفصالية، انخرطت الثانية ضمن جهاز الدعاية الثقافية للحوثيين الذين سيطروا على السلطة بقوة السلاح.
في نيسان/ أبريل 2015، أطلقت المتوكل مع مجموعة من الكتاب بينهم الشاعران عبد العزيز المقالح والحارث بن الفضل، ما أسموه “الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان” ويقصد به التحالف العسكري العربي بقيادة السعودية والإمارات.
غير المتوكل والعطاس، عدد كبير من أعضاء وعضوات اتحاد الأدباء تذبذبت مواقفهم وتأرجحت من دون أن تستقر على مبدأ أخلاقي متين.
عام 2008، سُجن الكاتب والصحافي عبد الكريم الخيواني بسبب انتقاده للنظام، لكن الخيواني الذي منحته منظمة العفو الدولية جائزة صحافيي حقوق الإنسان المعرضين للخطر، برز كقيادي في ميليشيا الحوثيين ويوم 6 شباط/ فبراير 2015 ظهر ضمن المقدمين لحفل الإعلان الدستوري الذي أصدره الانقلابيون وقضى بحل البرلمان.
شبيه من ذلك حصل مع الشاعر كريم الحنكي الذي اعتُقل مطلع عام 2009، على خلفية نشاطه ضمن الحراك الجنوبي السلمي، لكن الحنكي الذي فقد شقيقه في الصراع الدموي على السلطة الذي شهدته عدن في كانون الثاني/ يناير 1986، انحاز للانقلابيين منذ لحظة اجتياحهم صنعاء حسب ما تظهر كتاباته وتصريحاته.
ضمّت لجنة الحريات التي شكلها اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، عام 2008، عدداً من النشطاء بينهم عضو المجلس التنفيذي للاتحاد، المحامي عبد العزيز البغدادي، الذي ترافع عن كتّاب وصحافيين أمام المحاكم، إلا أن مفهوم البغدادي للحرية ظل محصوراً بالانحياز السياسي، فما أن استولت الجماعة الانقلابية على السلطة حتى عينته نائباً عاماً لجهاز النيابة العامة المتهمة باجتثاث الحريات.
باستثناء عدد قليل جداً من الكتّاب تصدوا لما يسمى بـ”الوثيقة الفكرية والثقافية للزيدية” التي أقرّها الحوثيون في شباط/ فبراير 2012، غض مثقفون كثر الطرف عن تلك الوثيقة التي تحصر الولاية (الحكم) بسلالة نبي الإسلام محمد دون سائر اليمنيين.
يقول الشيباني إن “تحوُّل المثقفين إلى عنوان لانقسام المجتمع ومتاريس للمتحاربين يرجع إلى هشاشتهم الفكرية”. وهي هشاشة تضرب مؤسسات النخبة، فالثقافة السائدة في الجامعات اليمنية “لا تختلف كثيراً عن الثقافة التقليدية للمجتمع”، وفق دراسة بعنوان “الجامعة وثقافة التغيير”.
أثناء حصار المسلحين الانقلابيين صنعاء في آب/ أغسطس 2014، سارع “بيت الشعر اليمني” إلى تسمية الانقلاب ثورة. هذا السبق يعود إلى رئيس مؤسسة بيت الشعر اليمني، الشاعر والأكاديمي عبد السلام الكبسي الذي كان سباقاً أيضاً في اقتراف أول احتساب داخل الوسط الثقافي اليمني، عندما اتّهم عام 2002 بالوشاية برواية “قوارب جبلية” وكاتبها وجدي الأهدل.
تدليس الإنتلجنسيا
درج مثقفون خصوصاً المنتمون إلى المعارضة على نقد السلطة وفسادها إلا أن “محاولات النقد القليلة التي يبديها مثقفون للسلطة تهدف إلى تحسين أوضاعهم المادية”، وفق دراسة بعنوان “العلاقة الجدلية بين المثقف والسلطة في اليمن: مقاربة سوسيولوجية ميدانية” أعدها الدكتور منذر إسحاق، المدرس في قسم علم الاجتماع في جامعة تعز. منذ نشر إسحاق دراسته في عام 2008، تعزز ارتباط المثقف بالسلطة وبالعصبيات الجهوية والمذهبية والفساد.
ويُعَدّ صندوق التراث والتنمية الثقافية واحداً من الأقنية المالية التي استُخدمت لشراء ولاء المثقفين، حسب ما أظهر تحقيق استقصائي. واللافت أن إسحاق نفسه وقف أثناء احتجاجات 2011 إلى جانب النظام ويشغل حالياً منصب مستشار في حكومة الانقلاب.
في عام 2005، انتُخبت الشاعرة هدى أبلان أمينة عامة لاتحاد الأدباء، وفي عام 2010 تم التجديد لها لفترة ثانية. إلى جانب منصب الأمين العام الذي ما زالت فيه عُيّنت أبلان في شباط/ فبراير 2011 رئيسة لمجلس إدارة المؤسسة العامة للمسرح والسينما، ثم نائبة لوزير الثقفة بالمخالفة للمادة 45 من النظام الأساسي للاتحاد التي تشترط “أن يكون الأمين العام متفرغاً، بموجب وثيقة صادرة عن جهة عمله”.
عند سؤالها عن سبب خرقها للنظام الأساسي، قالت أبلان لمعد التقرير إن الأمانة العامة للاتحاد وافقت على ذلك، إلا أن ثلاثة مصادر في الأمانة العامة نفت ذلك مشيرة إلى أن الجهة المعنية بإجراء تعديلات على النظام الأساسي هي المؤتمر العام للاتحاد وفق ما ينص النظام الأساسي نفسه.
لم تكتفِ أبلان بخرق النظام الأساسي للاتحاد، وهي المفترض أن تكون الحارسة الأمينة على تنفيذه، بل تواطأت مع ميليشيا الحوثيين التي استخدمتها أحزاب يمنية غطاء لتنفيذ انقلاب 21 أيلول /سبتمبر 2014.
عقب استقالة حكومة خالد بحاح في كانون الثاني/ يناير 2015 احتجاجاً على سيطرة الانقلابيين على مؤسسات الدولة، تولّت أبلان منصب القائمة بأعمال وزير الثقافة، ونهاية عام 2019 عيّنها رئيس المجلس السياسي لسلطة الانقلاب مهدي المشاط عضوة في مجلس الشورى.
بحسب الأمين القُطري لحزب البعث في اليمن، يُعد الشاعر عبد العزيز المقالح والمهندس الراحل عبد الله حسين الكرشمي من مؤسسي حزب البعث في شمال اليمن. علاوة على الانتماء الحزبي يلتقي المقالح مع رفيقه الكرشمي في الشغف بالمناصب والتأبد فيها بالمخالفة لقانون الخدمة المدنية وقانوني التقاعد والتدوير الوظيفي.
عند وصول المقدم علي عبد الله صالح إلى سدة السلطة في تموز/ يوليو 1978، كان المقالح رئيساً لمركز الدراسات والبحوث اليمني (حكومي). وإلى جانب وظيفته هذه التي لا زال يحتفظ بها، عُيّن عضواً في مجلس الشعب التأسيسي (1978-1988/ غير منتخب) ورئيساً لجامعة صنعاء (1982-2001)، ثم مستشاراً ثقافياً لرئيس الجمهورية (2001-2012). وعلاوة على مركز الدراسات يرأس المقالح، منذ عام 2013، المجمع العلمي اللغوي اليمني.
مديح الرجعية
غير المقالح الذي لم يعلق أو يرد على رسالة أرسلها إليه معد التقرير عبر البريد الإلكتروني، رفع مثقفون كثر من مختلف الاتجاهات والأعمار شعار التقدم والحداثة لكنهم تقهقروا إلى مواقع رجعية.
يقدم الشاعر والصحافي صلاح الدين الدكاك نفسه باعتباره شيوعياً، إلا أن الدكاك مجّد الرجعية الإسلامية وانخرط ضمن اصطفافاتها المذهبية وفق ما تبين كتاباته.
في قصيدته “جهاراً رأيت الله من جرف سيدي” يخاطب الدكاك مؤسس مليشيا الحوثيين، حسين بدر الدين الحوثي قائلاً: وتأفلُ شمسُ المكتبات ولم تزل شموسك من رحْمِ الملازمِ تولدُ.
و”الملازم”، محاضرات طائفية تحريضية هي كل ما خلّفه حسين الحوثي الذي لم ينتج أفكاراً يُعتد بها، قياساً بأسلافه رجال الدين الزيديين.
أما في مديحه لزعيم المليشيا الحالي عبد الملك الحوثي، فيعنون الدكاك مقالة له بـ “هكذا تكلم سيد الثورة”، في محاكاة سلبية لكتاب “هكذا تكلم زرادشت”، المؤلَّف الأشهر بين أعمال الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه الموصوف بمحطم أصنام اليقينيات الدينية والفلسفية.
لم يقف الأمر بالمثقفين عند تأييد الانقلابات بل سعى بعضهم إلى إحياء التراث السياسي لنظام الإمامة الذي أسقطته ثورة 26 أيلول/ سبتمبر 1962 بدعم من نظام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. وبين هؤلاء مثقفون محسوبون على الحركة الناصرية كالناقد محمد ناجي إحمد الذي تضمنت كتاباته إشادة صريحة بنظام الإمام يحيى حميد الدين وتبريراً لغزواته الطائفية.
انحياز المثقف يظهر كذلك في توصيف الأحداث واجتزاء الحقائق، فكُتّاب اليمين السياسي على سبيل المثال يعتبرون انقلاب تشرين الثاني/ نوفمبر 1967 حركة، كذلك يصف كتّاب اليسار انقلاب 13 حزيران/ يونيو 1974 بالحركة التصحيحية والعكس صحيح.
باستثناء المدرّس في قسم الفلسفة في جامعة صنعاء الدكتور أبو بكر السقاف الذي فكك أسطورة الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي وقدمه كمؤسس للحكم العسكري في شمال اليمن، “استخدم المخابرات والإعلام لإشباع نرجسيته”، يرى مثقفون كثر في الحمدي رمزاً للدولة المدنية.
لكن المفاجأة أن الأحزاب التقدمية والعلمانية التي ظلت ترفع شعار الدولة المدنية وتتباكى على دستور 1991 تلاقت مع الأحزاب الدينية على أسلمة الدولة.
وباستثناء التجمع الوحدوي اليمني (حزب يساري صغير غير ممثل في البرلمان) توافقت جميع المكونات السياسية والشبابية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني على أن تكون الشريعة الإسلامية مصدر التشريع.
وما يجمع المثقفين المؤيدين للانقلاب والمعارضين له تضليلهم الرأي العام باختزالهم قوى الانقلاب في جماعة الحوثيين (حركة أنصار الله) متغافلين عن دور الجيش والأحزاب التي استخدمت الحوثيين غطاء.
وفي وقت تهافتت صورة المثقف وباتت محل سخرية، عزز الغزو الروسي لأوكرانيا انحيازات الإنتلجنسيا العربية وزاد في حنين بعض مثقفيها اليساريين إلى الشمولية.
نقلا: عن موقع رصيف 22