من كتاب (حرب العصيد.. جنايات يحيى حميد الدين على اليمنيين)
كانت العُدين واحدة من ثلاث مَناطق استباحتها قوات الإمام أحمد يحيى حميد الدين، وذلك بعد مدينتي شبام، وصنعاء، وبعد أن أخمد الأخير ثـــــورة الأحرار الدستورية مارس 1948م؛ والسبب تمرد الشيخ علي محسن باشا – المساند لتلك الثـــورة – عليه، وبعد أنْ كانت تجمعت تحت قيادة الأخير قوات كثيرة من العدين، وحُبيش، وبعدان، وجبل صبر، إلا أنَّ خبر سقوط صنعاء بيد القبائل حال دون توجه تلك القوات لإنقاذ الأخيرة، وجعل تلك القوات تعود أدراجها من مدينة إب، فيما توجه شيخ العدين إلى منطقته مُقاومًا ورافضًا – لأكثر من شهر – الإذعان لسلطات الإمام الجديد.
وقف الثائر علي عبدالله جُباَح حينها على شُرفة داره العتيق، يَرقب جَحافل الفيد الإمامي وهي تجتاح بِلاده، وتعيث فيها نَهبًا وخَرابا، وحين انحرفت مجموعة من أولئك العساكر المُتوحشين نحو أرضه، تصدى لهم ببسالة، وقتل منهم 12 فردًا، وهو غير آبه ولا مُكترث لغضب السلطات الإمامية الغاشمة.
على ظهر مَترسه القَديم، استحضر الثائر جُباَح بطولات الأمس القريب، ألقى نظرة وداع خاطفة على الأرض التي أحبها وأحبته، واحتلت قلبه، وعقله، ووجدانه. ورغم أنَّ الحزن لا يليق به، استسلم مُجبراً لأحزان الرَحيل، وانهمك في تأبين أحلامه، وحين رآه الإماميون المتفيدون على حالته تلك، لم يرحموا كهولته المتشبثة بالأرض، صبوا عليه جام حِقدهم، وأردوه شهيدًا، عن 70 عامًا، قَضى معظمها في خِدمة الأرض التي أحبها، ولسان حاله يلخصه قول الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول):
هذه الأرض الــتــــي ســــرنا على
صهــــــــوات العـــــــز فيها وأتينا
ومَلكــــنا فــوقها أقـــــدارنـــــــــا
ونــــواصيــها فـــــشـــئـــنا وأبينا
أبدًا لن تنتـــهي فيــها انتـصاراتنا
إلا إذا نحن انتـــــــــهـــيـــــــنــــا
من كتاب (حرب العصيد.. جنايات يحيى حميد الدين على اليمنيين)
بلال الطيب