من كتاب (حرب العصيد.. جنايات يحيى حميد الدين على اليمنيين)،
غادرت القوات الإمامية مدينة بدر بأوامر من الإمام يحيى لا السيف أحمد، وذلك بعد أنْ جعلتها – كما أفاد المُؤرخ فتوح عبدالمحسن الخترش – كومة من الأنقاض. وهذا وإنْ دل فإنَّما يدل على أن أمل بقائها في تلك المدينة وضواحيها كان ضعيفًا؛ كون أهاليها لا يرغبون بوجودها أصلًا، وخوفًا – وهو الأهم – من القوات السعودية المُرابطة في الجانب الآخر، التي بدأت بالفعل في القيام ببعض التحرشات.
وأضاف المُؤرخ سلطان ناجي سببين بارزين لذلك الانسحاب وما تبعه من انسحابات، تمثل بفشل الخطط الهجومية، وانعدام لوازم التموين والإغاثة، لافتًا أنَّ ضباط الجيش النظامي القديرين حذروا السيف أحمد من عواقب ذلك، وأنَّهم لاقوا بعد انتهاء الحرب عِقابهم جراء ما قدموه من النصيحة الصادقة!
أما الجيش الشعبي الذي استنفره الإمام يحيى للجهاد، فقد حضر – كما أفاد المُؤرخ إسماعيل الأكوع – إلى ساحات القتال بسلاحه الشخصي الذي يعود صُنع مُعظمه إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى بفترات مُختلفة، وأنَّه – أي ذلك السلاح العتيق – كان قد كساه الصدأ؛ الأمر الذي صَعَّبَ على مُستخدميه فتح خزائنه لحشوها بالرصاص.
وأشار المُؤرخ الأكوع أنَّ الإمام استورد خلال تلك الفترة أسلحة حديثة من إيطاليا، ثم من ألمانيا، وبدلًا من يقوم بتوزيعها على عساكره، كدسها في قصر صنعاء لهدفٍ غير معروف!
وأضاف ذات المُؤرخ: «وكان على كل جندي أنْ يخدم نفسه بنفسه، فيعد طعامه بيده، كما كان عليه أنْ يقطع المسافات الطويلة مشيًا على قدميه الحافيتين، إلا ما ندر منهم، ويحمل متاعه فوق ظهره، وإذا أطلق الرصاص في وجه من يحارب؛ فعليه أنْ يحتفظ بالمعابر.. ليتأكد لقادته حسب تعليمات الإمام أنَّه أطلق رصاصها في تلك الحرب، فيعطى عوضًا عنها!».
من جَانبه قال الرَحالة أحمد وصفي زكريا عن الجيش الإمامي بشكلٍ عام: «الجيش المتوكلي المظفر كان معدوم القيمة الحربية في المعارك الدولية، لا لأنَّ البسالة والجلادة تعوزانه؛ بل لأنَّه كان بغاية التقتير والشح، فراتبه ضئيل جدًا لا يُجاوز خمسة ريالات في الشهر له ولأسرته، وبطنه جائع، وجسمه غير مُكتسٍ كما ينبغي، عاري الساقين، حافي القدمين، عليه أنْ يمشي بهذا الحفاء في الجبال والأوعار مئات الكيلومترات».
ومن مُفارقات القدر أنَّ أولئك الجنود كانوا – كما أفاد المناضل زيد على عنان – يخاطبون الإمام يحيى قبل الحرب بهذا الزامل التحفيزي:
سيدي نسأل من الله تملكوا مكة
والمـدينـة وأرض الله وما فيــها
وعندما تحققت هزيمتهم الآتي نقل تفاصيلها، واجه المواطنون تلك الانتكاسة بالسخرية، وحوروا كلمات ذلك الزامل، وجعلوا منه نُكتة مضمونها: «سيدي نسأل من الله تحفظوا حدة»!
– من كتاب (حرب العصيد.. جنايات يحيى حميد الدين على اليمنيين)، ص 393 – 394.
بلال الطيب