الكاتب : سام الغباري …
في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديداً في مدينة رفح التي تحولت إلى مسرح لأحداث دراماتيكية، يجري حديث كثير، وهمسات ترقى إلى شأن معلوماتي قد يمثل رواية جديدة وصادمة في نهاية رجل قوي اسمه يحيى السنوار، أصدقاء فلسطينيون تحدثوا عن تفاصيل مثيرة حول الساعات الأخيرة في حياة يحيى السنوار. هذه التفاصيل تقدم – كما أسلفت – رواية مغايرة تماماً لما تم تداوله في وسائل الإعلام الرسمية، وتكشف عن تعقيدات سياسية وأمنية لم يتم الكشف عنها من قبل.
بدأت خيوط القصة تتكشف مع الإعلان المفاجئ للناطق العسكري الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عن “مقتل السنوار بـ طريق الصدفة”. هذا الإعلان، الذي جاء مخالفاً لكل التوقعات وللنمط المعتاد في المباهاة الإسرائيلية بانتصاراتها العسكرية، أثار تساؤلات عميقة لدى الفلسطينيين في الداخل. ويكشف الأصدقاء من غزة الذين تواصلنا معهم أن هذا التصريح كان متعارضاً بشكل صارخ مع رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في سعيه الحثيث جاهداً لتسجيل نصر استخباراتي كبير يضاف إلى سجله في مواجهة حماس..
لكن الحقيقة التي يكشفها “الأصدقاء” تشير إلى أن “مقتل الصدفة” كان ستاراً لإخفاء حقيقة أكبر وأعمق، تتعلق بدور إيران في تحديد مصير السنوار. فقد كشفت المصادر أن طهران هي من حددت مسار خروج السنوار من الأنفاق والانتقال إلى مجموعة من البيوت الآمنة في منطقة #رفح، حيث ظل يتنقل بين أبنيتها حتى اللحظة التي أدرك فيها أنه تم خداعه وبيعه للإسرائيليين في صفقة كبرى.
وتكشف مصادرنا أن الأيام السابقة شهدت مفاوضات شاقة وقاسية في #بيروت، حيث أوفدت #إيران كلاً من وزير خارجيتها ورئيس مجلس الشورى للقاء عدد من المسؤولين الإسرائيليين “بشكل غير مباشر” عبر وسيط فرنسي. وخلال هذه اللقاءات السرية، تم التوصل إلى اتفاق يقضي بتسليم السنوار مقابل تعهد إسرائيلي بالتخلي عن خطط ضرب “أهداف حساسة” في إيران، وهو ما بات فعليًا خارج التداول الإعلامي والرسمي غربيًا وصهيونيًا.
وفي تفاصيل لم تُكشف من قبل، تؤكد المصادر أن المفاوضات شهدت لحظات متوترة، حيث وجه رئيس مجلس الشورى الإيراني “عتاباً شديداً” للجانب الإسرائيلي على خلفية “مقتل حسن نصر الله”، معتبراً إياه خسارة كبيرة للنفوذ الشيعي في المنطقة العربية. الرد الإسرائيلي كان واضحاً وحاسماً: “لم يكن لدينا خيار سوى ذلك”، مع دعوة الإيرانيين لتجاوز مرحلة “حسن” والتركيز على مصالحهم الاستراتيجية.
التحول الدراماتيكي في القصة بدأ قبل ساعات قليلة من تنفيذ عملية الاغتيال، عندما انسحبت بشكل مفاجئ “سرية” الحرس الخاص المكلفة بحماية السنوار، والمكونة من عناصر تابعة مباشرة للحرس الثوري الإيراني. هذه الخطوة، وفق المصادر، تعكس استراتيجية إيرانية معروفة في التعامل مع قادة الأذرع العسكرية التابعة لها، حيث تحرص #طهران على إحاطة هؤلاء القادة بحراس إيرانيين كوسيلة للسيطرة والتحكم، مما يجعل القائد العسكري رهينة فعلية بين أيدي الحرس الثوري الإيراني.
في تلك اللحظات المصيرية، وقبل النهاية بوقت قصير، أجرى #السنوار اتصالاً هاتفياً مع أحد أقاربه، يُرجح أنه زكريا السنوار، حيث نطق عبارته القصيرة التي تكشف حجم الخيانة: “إيران اتخلت عنا”. هذه الكلمات القليلة حملت في طياتها قصة كاملة من الخذلان والغدر السياسي.
وما هي إلا دقائق معدودة حتى بدأ المشهد الأخير يتكشف. أطبق جنود الاحتلال الصهيوني على المبنى الذي كان يتواجد فيه السنوار. وتختلف الروايات حول ما إذا كان وحيداً أم برفقة اثنين من قادة #حماس غير المعروفين. لكن المصادر الوثيقة ترجح أنه كان وحيداً داخل المبنى الذي تم “تحضيره” مسبقاً للعملية.
تعرض المبنى لضربات هجومية مركزة من مدافع دبابات تابعة لوحدة إسرائيلية خاصة من الكوماندوز، أدت إلى إصابة السنوار بجروح بليغة في ساقه اليمنى، فيما تهتكت يده اليمنى بشكل واضح. وتصف المصادر مشهداً مؤثراً حيث زحف السنوار وسط الركام وجلس على أريكة، محاولاً إيقاف نزيف يده بربطها بسلك معدني، في مشهد تم توثيقه عبر كاميرات الدرونز الإسرائيلية.
لكن المفاجأة الأكبر تكمن في تفاصيل اللقطة الأخيرة التي تم تداولها إعلامياً. فما اعتُقد أنه مواجهة مع طائرة مسيّرة، حيث ظهر السنوار وهو يتحدث بصوت عالٍ “تم إخفائه – ويرمي قطعة خشب، كان في الواقع مواجهة مباشرة مع جندي إسرائيلي. فالدرونز، كما تؤكد مصادرنا، كانت مجرد أداة استطلاع أولية للتأكد من عدم وجود أي تهديد أمني للقوات المهاجمة. الحقيقة أن وحدة صهيونية مدربة كانت قد دخلت بالفعل إلى موقع السنوار، وكان أحد القناصة يحمل كاميرا على رأسه. والدليل القاطع على ذلك كان رد الفعل البشري للجندي في تفادي قطعة الخشب التي ألقاها السنوار – حركة لا يمكن لطائرة مسيّرة أن تقوم بها بتلك الطريقة التلقائية.
هكذا تكشف هذه التفاصيل عن معادلة إقليمية معقدة، حيث تتشابك المصالح وتتقاطع الأهداف على حساب القضية الفلسطينية. ورغم الجدل الكبير حول شخصية السنوار وقراراته، إلا أنه يبقى رمزاً لمرحلة فارقة في تاريخ المقاومة الفلسطينية.
رحم الله السنوار وكل شهداء المقاومة الفلسطينية من الضفة إلى غزة، الذين، وإن اختلفنا معهم أو اتفقنا، تركوا إرثاً نضالياً وبصمة موجعة في تاريخ الصراع مع الاحتلال الصهيوني. فقد أثبتت عملية طوفان الأقصى، التي قادها السنوار، قدرة المقاومة على إيلام العدو الصهيوني وكشف هشاشة منظومته الأمنية، رغم كل ما يمتلكه من قدرات عسكرية وتكنولوجية متطورة…