عادت الجماعة الحوثية إلى التلويح باستئناف الحرب، في حال لم تنصعْ الحكومة الشرعية والتحالف العربي لاشتراطاتها المتزايدة التي أدت إلى تعثر الحوار وفقا لرئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، مهدي المشاط الذي كشف قبل أيام عن توقف المشاورات بين الجماعة والسعودية عند نقطة صرف رواتب الموظفين التي قال المشاط إن جماعته اشترطت أن يتم صرفها من إيرادات النفط والغاز في المناطق المحررة.وتزامنت تصريحات المشاط مع إرسال الحوثيين رسائل تتعلق بالاستعداد لخيار المواجهة العسكرية من خلال الحشد العسكري المكثف باتجاه العديد من الجبهات والتلويح بعودة الهجمات الحوثية التي تستهدف المصالح الاقتصادية في المنطقة، في حين يبدو غير واضح ما إذا كانت تلك التهديدات جدية أم أن الهدف منها ممارسة المزيد من الضغوط لتحقيق مكاسب سياسية.وقالت مصادر عسكرية يمنية مطلعة إن الحوثيين يواصلون حشد قواتهم العسكرية باتجاه محافظات مأرب وتعز والضالع ولحج وشبوة، في مؤشر يعكس خارطة الهجمات التي تعتزم الجماعة شنها، في الوقت الذي تسعى فيه لتحييد التحالف العربي والحيلولة دون تدخله، من خلال التهديد بمهاجمة المنشآت النفطية والاقتصادية لدول التحالف.ووصفت المصادر الهجمات المتقطعة التي يشنها الحوثيون على جبهات مأرب والضالع ولحج وشبوة، باستخدام الطائرات المسيرة والقذائف المدفعية، بأنها بمثابة اختبار لقدرات القوات المناوئة للحوثيين في تلك المناطق، وتحويل الاختراقات العسكرية إلى حالة مستدامة يمكن أن يتغاضى عنها المجتمع الدولي والإقليم في سبيل الحيلولة دون انهيار الهدنة الهشة بشكل كامل.وقالت مصادر عسكرية جنوبية إن قوات دفاع شبوة أحبطت الاثنين محاولة ميليشيات الحوثي التسلل إلى مديرية مرخة العليا الفاصلة بين محافظتي البيضاء وشبوة، فيما أعلنت قوات العمالقة الجنوبية في وقت سابق التصدي لهجوم حوثي استهدف غربي مديرية حريب الفاصلة بين محافظتي مأرب وشبوة.وكثّف الحوثيون هجماتهم في الأيام الماضية على جبهات تعز والضالع، حيث قالت مصادر عسكرية إن الحوثيين شنوا هجوما على جبهات مقبنة والضباب غربي مدينة تعز، بالتوازي مع هجمات مماثلة على جبهات محافظة الضالع الجنوبية.واعتبر الباحث العسكري اليمني العقيد وضاح العوبلي أن الحوثيين يستخدمون استعراض القوة والخطابات المشحونة بالتصعيد والتهديد، التي يدلي بها قادتهم، في هذا التوقيت تحديدا للفت أنظار المجتمع الدولي إلى ضرورة الاستجابة لمطالب الحوثيين التعجيزية التي كانت سببا في توقف عملية التفاوض بينهم وبين السعودية وبعض الأطراف الإقليمية والدولية برعاية وإشراف عمانيَّيْن.وأشار العوبلي في تصريح لـ”العرب” إلى أن “الحوثيين يعتقدون أن خطاب القوة والتلويح بها يمثل ورقة رابحة في أيديهم لابتزاز المجتمع الدولي الذي يضغط بقوة لإيقاف الحرب في اليمن، وفقا للمزاج الدولي الذي يعزز هذا التوجه. وهو ما يجعل الحوثيين يعتقدون أنهم بمعاكستهم وتوجههم المضاد لهذا المزاج قد يتمكنون من انتزاع بعض المكاسب، وعلى المستوى الداخلي يعتقدون أن هذا الخطاب كاف لإسكات أفراد الشعب الذين تعالت أصواتهم مطالبة بضرورة انعكاس إيجابيات الهدنة على وضع المواطنين المعيشي والخدماتي”.ويترافق التصعيد الحوثي مع تعثر واضح خلال الفترة الماضية للتحركات الدولية وخصوصا تلك التي يقوم بها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ والمبعوث الأميركي الخاص لليمن تيم ليندركينغ، بالإضافة إلى توقف جهود الوساطة العمانية، في ظل مؤشرات على إمكانية استئناف اللقاءات المباشرة بين مسؤولين سعوديين وقيادات حوثية في مسقط ضمن جهود إحياء المسار السياسي والتوقيع على اتفاق هدنة عسكرية واقتصادية بين الحكومة الشرعية والميليشيات الحوثية.ووفقا لمصادر دبلوماسية يخيم الشعور بخيبة الأمل على أوساط المجتمع الدولي حيال التعنت الحوثي وإصرار الجماعة المدعومة من إيران على توسيع قائمة الشروط التعجيزية، في الوقت الذي بات فيه الوسطاء الدوليون مقتنعين بأن خيار ممارسة المزيد من الضغط على الحكومة الشرعية لتقديم تنازلات جديدة لن يفضى إلا إلى رفع الحوثيين لسقف مطالبهم.وطالب رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الاثنين خلال لقائه سفير الولايات المتحدة لدى اليمن ستيفن فاغن بضرورة دعم الإصلاحات الاقتصادية والخدمية الحكومية باعتبارها “الطريق الأمثل لتعزيز فرص السلام، وتخفيف المعاناة، وتحقيق تطلعات الشعب اليمني في استعادة مؤسسات الدولة والأمن والاستقرار والتنمية”.ويؤكد مراقبون أن التنازلات التي قدمتها الشرعية اليمنية طيلة العامين الماضيين على وجه الخصوص، ورد الحوثيين على تلك التنازلات بالمزيد من التصعيد والتعنت وتوسيع دائرة الانتهاكات والقمع في مناطق سيطرتهم، وضعا المجتمع الدولي أمام تحديات جسيمة باعتباره جزءا من صناعة هذا المشهد اليمني الذي بات الحوثي فيه طرفا يملي شروطه ويواصل تهديداته باستهداف مصالح العالم الاقتصادية والأمنية.وقال أسامة الشرمي، وكيل وزارة الإعلام اليمنية، إن ميليشيا الحوثي لا تؤمن بالسلام ولا تجيد التعامل مع أدواته ولا العلاقات الدبلوماسية، وبالتالي دأبت قيادات حوثية منذ بداية الإعلان عن الهدنة الأممية على التصعيد الخطابي، وقد أعلن مهدي المشاط أن هذه الهدنة قد انتهت بعد مرور شهرين من انطلاقها ومع ذلك استمرت الهدنة بفعل التزام الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي.وأضاف الشرمي في تصريح لـ”العرب” أن “ميليشيا الحوثي تعاني من حالة صراع داخلي بين الأجنحة العسكرية والسياسية جراء فوضى الفساد المستشري”، مشيرا إلى أن “واقع الحرب يخبرنا بأن الصدام مع الحوثيين حتمي ومسألة وقت، وهو إن حصل فهو في مصلحة الشعب اليمني وحكومته الشرعية، إذا ما وجدت النوايا الحقيقية لمواجهة الحوثيين وإنهاء انقلابهم الجاثم على العاصمة صنعاء”.