الكاتب / د. عمر العودي ..
دور النقابات المهنية في أي مجتمع يعتبر ركيزة أساسية لضمان جودة المنتجات والخدمات، سواء كانت مادية أو معنوية، بما في ذلك القرارات السياسية والاقتصادية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين. هذه النقابات تمثل صوت المهنيين والخبراء الذين يمتلكون المعرفة والمهارات اللازمة لتقييم ومراقبة جودة العمل في مختلف المجالات. وعندما يتم إهمال أو تقليص دور هذه النقابات، فإن النتيجة الحتمية هي تراجع الجودة وانتشار الرداءة، ليس فقط في المنتجات المادية، بل أيضًا في القرارات التي تتخذها السلطات.
في اليمن، كما في العديد من الدول التي تعاني من ضعف المؤسسات، أدى إهمال دور النقابات المهنية إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية. فبدلاً من الاعتماد على المهنية والحوكمة الرشيدة، تم اعتماد سياسات تعتمد على اختلاق الأزمات وإدارتها لصالح السلطة، دون مراعاة للمعايير المهنية أو الأخلاقية. هذه الممارسات أدت إلى تفكيك هياكل الدولة وتقويض قدرتها على تقديم خدمات أساسية للمواطنين.
النقابات المهنية، عندما تكون فاعلة، تلعب دورًا حاسمًا في مراقبة جودة القرارات السياسية والاقتصادية. فهي تضمن أن تكون هذه القرارات مبنية على أسس علمية ومهنية، وليس على مصالح ضيقة أو أجندات شخصية. كما أنها تساهم في تعزيز الشفافية والمساءلة، مما يحد من الفساد ويضمن أن تكون القرارات المتخذة في صالح المجتمع ككل.
غياب هذه الرقابة المهنية في اليمن أدى إلى انتشار الفساد وسوء الإدارة، مما ساهم في تفاقم الأزمات التي يعيشها البلد اليوم. فبدلاً من أن تكون القرارات السياسية والاقتصادية مبنية على تحليل دقيق وخطط استراتيجية، أصبحت تعتمد على الارتجال وإدارة الأزمات بشكل مؤقت، دون أي اعتبار للعواقب طويلة المدى.
لذلك، فإن إعادة تفعيل دور النقابات المهنية في اليمن وفي أي دولة تعاني من ضعف المؤسسات، يعتبر خطوة أساسية نحو إصلاح الهياكل الحكومية وتحسين جودة القرارات المتخذة. هذه النقابات يجب أن تكون مستقلة وقادرة على ممارسة دورها الرقابي دون أي تدخل من السلطات، مما يضمن أن تكون القرارات السياسية والاقتصادية مبنية على أسس مهنية وعلمية، وليس على مصالح ضيقة أو أجندات شخصية.
في النهاية، فإن جودة المنتجات والقرارات في أي مجتمع تعكس مدى احترام هذا المجتمع للمهنية والحوكمة الرشيدة. وإهمال دور النقابات المهنية يعني السماح بانتشار الرداءة والفساد، مما يؤدي إلى تفكيك الدولة وتقويض قدرتها على خدمة مواطنيها. اليمن اليوم هو مثال واضح على ما يمكن أن يحدث عندما يتم إهمال هذا الدور الحيوي، وما يعيشه البلد من أزمات هو نتيجة مباشرة لغياب الرقابة المهنية على التخصصات بكافة أشكالها.