يبدو أن الاقتصاد الجنوبي يعيش في دوامة من الأزمات المتواصلة التي تؤثر على حياة المواطنين بشكل يومي، ويزيد من تعقيد الوضع تعطيل القرارات الاقتصادية الحيوية التي كان من المفترض أن تشهدها المناطق المحررة، وفي مقدمة تلك القرارات الهامة التي تأخرت إجراءات البنك المركزي في عدن، والتي كانت تهدف إلى ضبط سوق العملة ومكافحة التلاعب في الأسعار، حيث توقف تنفيذ تلك القرارات بسبب موقف سياسي من رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي – حسب المصادر – ..
حسابات سياسية على حساب الجنوب
وبحسب مصادر مطلعة، فإن رشاد العليمي قد أوقف تنفيذ بعض قرارات البنك المركزي بعدن، والتي كانت تهدف إلى ضبط التضخم والتلاعب بأسعار الصرف، وذلك بدعوى أن هذه القرارات ستؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية في الشمال، لكن المثير في هذه القضية أن العليمي لم يعطِ أي اهتمام للأوضاع الكارثية التي يواجهها الجنوب، والذي يعاني منذ فترة طويلة من تدهور العملة وارتفاع الأسعار، وانخفاض الخدمات الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين…
ومن الواضح أن السبب الحقيقي وراء موقف العليمي، الذي وصفه البعض بـ “التواطؤ”، هو حماية المصالح الاقتصادية للحوثيين في الشمال، حيث إن أي تدخل يحد من حركة الأموال المشبوهة أو يشدد الرقابة على البنوك والمصارف في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الحوثية سيكون له تأثير سلبي على تلك الجماعة…
الجنوب يغرق اقتصاديًا.. والحكومة غائبة عن المشهد و لا يبدو أن هناك أي حلول عملية في الجنوب الذي يعاني من انهيار اقتصادي غير مسبوق، لمعالجة تلك الأزمة العميقة. فمع استمرار العملة المحلية في الانخفاض المستمر، وتراكم الديون، وارتفاع أسعار المواد الغذائية و الوقود، يزداد الوضع المعيشي تدهورًا، حيث يواجه المواطنون الجنوبيون صعوبة في تأمين احتياجاتهم اليومية في ظل غياب الرقابة و ارتفاع معدلات التضخم بشكل يهدد حياة المواطنين…
وفي الوقت نفسه، تحاول الحكومة الشرعية فرض بعض السياسات الاقتصادية التي قد تساعد في استقرار العملة و تحفيز الأسواق، إلا أن تعطيل القرارات من قبل رشاد العليمي حال دون تطبيق العديد من هذه الحلول بشكل فعال، مما يجعل الحكومة في موقف لا تحسد عليه…
العليمي.. بين حسابات السياسة وأزمات الجنوب
وإن تخبط السياسات الاقتصادية في عهد العليمي، الذي يمثل الشمال في المجلس الرئاسي، قد أظهر غياب التنسيق الحقيقي ، و في وقت يترنح فيه الجنوب اقتصاديًا، يتصرف العليمي وكأن مصلحة الشمال الخاضع للميليشيا الحوثية هي الأهم، بينما مستقبل الجنوب يزداد ضبابية مع كل قرار تأخير أو تعطيل…
وإذا كان العليمي يرى أن اتخاذ قرارات ضد الأنشطة الحوثية من خلال البنك المركزي قد يفاقم الأوضاع الاقتصادية في الشمال، فإن الجنوب يدفع ثمن هذا الموقف الذي يهدد استقراره الاقتصادي. فقد أصبح الاقتصاد الجنوبي اليوم مرهونًا بحسابات سياسية تضع في الميزان مصلحة الحوثيين على حساب معاناة الشعب الجنوبي…
ومن أبرز القرارات التي تم تعطيلها هي تشديد الرقابة على البنوك و إجراءات لوقف تدهور العملة، التي كانت ستحقق بعض الاستقرار في السوق، إذ كان من المتوقع أن تسهم تلك القرارات في تقليل الفجوة بين السوق السوداء و السعر الرسمي للعملة، مما كان سيقلل من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، التي أصبحت أعباء ثقيلة على المواطنين في الجنوب…
كما كان من المنتظر أن تسهم القرارات في الحد من تهريب الأموال إلى المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الحوثية، وتوفير السيولة المالية اللازمة للقطاعات الخدمية الأساسية مثل الصحة والتعليم…
ولكن في ظل تأجيل التنفيذ و التهرب من المسؤولية، يبدو أن الجنوب سيظل في حلقة مفرغة من الأزمات الاقتصادية التي لا تنتهي، مع غياب سياسات تنموية حقيقية لمعالجة هذه القضايا…
نقلا عن النقابي الجنوبي ..