ضع اعلانك هنا

تحالفات الخيانة: كيف تحولت التنازلات الإنسانية إلى فرص للهيمنة الإيرانية..

كتب / فتحي أبو النصر ..

منذ فترة ليست بالبعيدة، وفي مشهد يعكس خيانة عميقة لكل القيم والمبادئ العربية التي تشبث بها العرب عبر العصور، ورغم المؤامرات أيضا ، غادر وفد من قيادات جماعة الح..وثي مطار صنعاء، الذي تم فتحه تحت غطاء إنساني، حسب الأمم المتحدة ،في خطوة مستفزة ومستهترة وغير مسبوقة وغير مفهومة. كان الهدف المعلن هو المشاركة في مراسم تشييع جنازة حسن نصرالله، زعيم حزب الله اللبناني. لكن هذه الخطوة ليست مجرد مشاركة في عزاء لشخص غادر الحياة، بل هي تجسيد مؤلم لحقيقة مريرة: الحوثيون، الذين كانوا في الماضي جزءا من الجسم العربي، قد فقدوا كل ما يمت للهوية العربية بصلة، واندفعوا في تحالفات طائفية مريبة مع أعداء الأمة العربية .
نعم ، إنه مشهد يثير الغضب العارم في صدور كل من يحمل ولو قليلا من الغيرة على العروبة. فالحوثيون الذين نصبوا أنفسهم مدافعين عن اليمن والأمة العربية، يثبتون يوما بعد يوم أنهم ليسوا سوى أدوات طائفية في المنطقة، يعملون على تعزيز النفوذ الفارسي على حساب دماء وأرواح الأبرياء.
بل إن هذه خطوة غير إنسانية بكل المقاييس، وتكمن مأساتها في أنها تتعدى كونها مجرد مشاركة في عزاء، كونها تعبير عن استمرارية التحالفات الطائفية التي تجعل من جماعة الحوثي مجرد تابع لإيران، وتنزع عنهم كل شعور بالعروبة والمبادئ الإنسانية.
والشاهد أننا اعتدنا في تاريخنا أن نرى بعض التحالفات السياسية بين الدول العربية وبين بعض القوى الخارجية، ولكننا لم نشهد مثل هذا التوغل الطائفي في العمق العربي كما نراه اليوم. بل إن جماعة الح..وثي، التي كانت في البداية تمثل جزءا من الهوية اليمنية والعربية، أصبحت اليوم نموذجا تافها لطائفيين خائنين لدمائهم وعروبتهم، بل هم مجرد أدوات في يد الحرس الثوري الإيراني، يعملون لخدمته وتعزيز أجنداته في المنطقة العربية.
فهكذا استخدم الحوثيون، مثلهم مثل بقية وكلاء إيران في المنطقة، التسهيلات الإنسانية التي منحت لهم في إطار التنازلات التي أُجبرت عليها الحكومة الشرعية نتيجة الضغوط الغربية، كورقة لتوسيع نفوذهم وتعزيز تحالفاتهم مع طهران.
على أن هؤلاء لا يرون في التنازلات الإنسانية سوى وسيلة لتعميق شراكتهم مع القوى الطائفية التي تحاول بكل جهدها أن تزرع الفتنة والدمار في المنطقة العربية. وما يزيد من غصة الحزن والألم أن هذه التحركات لا تقتصر على اليمن فقط، بل تطال لبنان وسوريا والعراق، في شبكة متشابكة من المصالح التي تُستخدم فيها معاناة الشعوب كوسيلة لتحقيق الأهداف التوسعية لطهران.

نعم ، أين ذهبت القيم الإنسانية؟ أين ضمائرهم؟ هل تحولوا إلى مجرد دمى في يد النظام الفارسي، الذي يسعى جاهداً لزرع الفتن بين الشعوب العربية؟
طبعا كانت اليمن دائما جزءا لا يتجزأ من أمة عربية واحدة، ولم يكن في الحسبان أن يأتي يوم ترى فيه جماعة حو..ثية ترتبط ارتباطا وثيقا بمنظمة طائفية غريبة عن قيمنا، لتسهم في تصعيد النزاعات وتقويض الجهود الساعية للسلام والاستقرار في المنطقة العربية.
وأما من خلال تلك الصورة المخادعة التي لا يتخيلها الكثيرون الآن عن جماعة الح..وثي إلا أنها صورة لجماعة لا تهمها في حقيقتها سوى مصالحها الذاتية،بل ولا يعنيها سقوط المدنيين الأبرياء ولا خراب المدن والقرى في اليمن. فلقد تحولت هذه الجماعة من جهة محلية كان يفترض أن تسعى إلى حفظ الاستقرار والوحدة الوطنية، إلى قوة إقليمية مسيرة من الخارج، هدفها نشر التوترات والفتن في كل مكان. وليس من المبالغة القول إنهم أصبحوا مجرد أدوات لتنفيذ أجندة إيرانية بغيضة تهدف إلى نشر الفوضى وتوسيع الهيمنة الإيرانية في المنطقة العربية.
وهنا بلا شك يكمن الألم والحزن العميق. فيما لا يمكننا أن نغض الطرف عن هؤلاء الذين خذلوا شعبهم وعروبتهم لمصلحة أعداء الأمة. فأن تقف جماعة الح.وثي جنبا إلى جنب مع طهران وحزب الله، فهذا يعني أننا أمام حالة من الغدر التاريخي بكل ما هو عربي. كذلك يبيعون القضية اليمنية لأجل مصالحهم الضيقة، بينما يعزفون على أوتار الطائفية والدمار، متناسين أن أولى أولوياتهم يجب أن تكون إعادة بناء بلدهم، وتحقيق سلام حقيقي للشعب اليمني.
على أن الواقع يؤكد إننا نعيش اليوم لحظة تاريخية حزينة، لحظة يشهد فيها العالم تحولات مفجعة في موازين القوى في المنطقة. ومن هنا لا يمكننا السكوت أو التهاون مع هذه التجاوزات، لأنه إذا لم نصر على الوقوف ضد هؤلاء احفاد الطبريين، فإننا نفتح المجال لمزيد من التقسيم والتشرذم الذي لن ينجو منه أحد. بل ولن تكون هناك عروبة حقيقية في مواجهة التحديات الكبرى إذا استمرينا في السماح لمثل هؤلاء أن يديروا دفة الأحداث والتحكم بمصير اليمن العربية.

بل و بصريح العبارة فإننا لا نملك اليوم سوى أن نصرخ بأعلى صوتنا في وجه هؤلاء الذين خانوا عروبتهم ورضوا بأن يكونوا أداة في يد أعداء الأمة. فيما الواجب يقتضي منا أن نقف صفا واحدا، وأن نرفض هذه التحالفات المشبوهة، وأن نعمل على إعادة توحيد صفوفنا ضد كل من يهدد أمتنا. فالإنسانية والعروبة لا تقتصر على مجرد الشعارات، بل يجب أن تكون حاضرة في أفعالنا ومواقفنا، واليوم نحن أمام اختبار تاريخي لنثبت للعالم أننا الشعب اليمني لا نساوم على هويتنا وعروبتنا…

ضع اعلانك هنا