ضع اعلانك هنا

ثغرة قانونية واقتراح للتعديل..العقوبة التعزيرية البديلة للاعدام قصاصًا

صالح عبدالله المرفدي

ثغرة قانونية واقتراح للتعديل!العقوبة التعزيرية البديلة للاعدام قصاصًا؛ لعدم توافر دليله الشرعي

#تمهيد:ما من شك أن جريمة القتل العمد، هي الأكثر تفشيًا وانتشارًا في الوقت الحاضر، ولأجل الحدّ قدر الإمكان من ارتكاب هذة الجريمة، لابد من التشدد في العقاب بالقصاص الشرعي، عملًا بقوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ولإقامة القصاص، لابد من توافر شروط عدة، اهمها توافر الدليل الشرعي لإثبات الجريمة.-

ولذلك نص القانون اليمني على هذا الشرط صراحة، لكن ما يؤاخذ عليه، أنه تساهل في تحديد العقوبة التعزيرية البديله، في حال سقوط القصاص؛ لعدم توافر دليله الشرعي، والمحصور (بشهود العيان، أو إقرار الجاني الصريح)؛ لأن القرائن القضائية القاطعه (من وجهة نظر المشرع)، ولو كانت يقينية ومقنعه وصريحه، كالبصمة الوراثيه، أو كاميرات المراقبه، أو الجرائم المشهودة ونحو ذلك… لا محل لها لتطبيق عقوبة الاعدام ولو على سبيل التعزير، أو على الاقل عقوبة السجن المشدد..

– وفي هذا الموضوع، سندرس الثغرة القانونية الذي يعاني منها التشريع اليمني، والمتمثله بمحدودية وبساطة العقوبة التعزيرية البديله، في حال سقوط القصاص؛ لعدم توافر دليله الشرعي، وذلك في أربعة محاور: نستعرض في الأول النص القانوني المطلوب دراسته، ونتطرق في المحور الثاني لتحليل النص القانوني، وبيان ثغراته وعيوبه، ونضع في الثالث، أهم نتائج ونقاط الدراسة، ونختم المحور الرابع والأخير، بوضع بعض التوصيات المتواضعه.

#المحور الأول: النص القانوني:

نصت إحدى فقرات المادة (234) من قانون الجرائم والعقوبات في هذا الخصوص بما يلي: “ويشترط للحكم بالقصاص، أن يطلبه ولي الدم، وأن يتوافر دليله الشرعي، فإذا تخلّف أحد الشرطين أو كلاهما، وأقتنع القاضي من القرائن بثبوت الجريمة في حق المتهم، أو إذا أمتنع القصاص، أو سقط بغير العفو، يُعزّر الجاني بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على عشر سنوات”.

#المحور الثاني: تأصيل وتحليل النص اليمني:

يتضح من خلال هذا النص، أن المشرع اليمني حدد العقوبة التعزيرية البديلة؛ في حال سقوط القصاص، لعدم توافر دليله الشرعي، بالحبس مدة لا تقل عن ٣ سنوات، ولا تزيد عن ١٠ سنوات.. وفي (تصوري المتواضع)، أن هذة العقوبة مخففة للغاية، بل ومحدوده وبسيطه الى أبعد الحدود، فقد لوحظ أن مقدار هذة العقوبة، أقل بثلاث درجات من عقوبة الاعدام قصاصًا، وكان الاجدر بالمشرع، أن ينزل درجه واحده في العقوبة، وذلك بالنص على عقوبة الاعدام تعزيرًا، بدلا عن الاعدام قصاصًا، أو ينزل درجتين في العقاب كحد ادنى، وذلك بالنص على عقوبة السجن المشددة بما لايقل عن ١٥ سنه، طالما وقد نصّ صراحة على عبارة مفادها الأتي: “واقتنع القاضي من القرائن بثبوت التهمه في حق المتهم”. ولكي نوضح معنى هذة العبارة، يجب ان نأصّلها ونحللها حسب ما هو متعارف عليه بالتطبيقات القضائية، وشروحات الفقة الجنائي وفقا لما يأتي:

١- من حيث اقتناع القاضي:

يمكن أن نجمله بالنقاط الأتيه:

أ- إن هذا الاقتناع لا يتوفر لدى القاضي الجنائي، إلا إذا كان اقتناع يقيني، صريح، قاطع، جازم، لا يحتمل الشك الذي يفسّر لمصلحة المتهم.

ب- إن المقرر في الاثبات الجنائي، أن القاضي لا يصل الى الاقتناع، إلا إذا كان قائمًا ومبنيًا على دليل قضائي، طرح للمناقشة بالجلسة، بحضور الخصوم، وبصورة علنية.

ج- إن الاقتناع اليقيني، يجب أن يكون مستقيم على دليل قُدّم بطريقة مشروعه من الناحية الموضوعيه والاجرائية.

د- إن هذا الاقتناع لا يتولد، الا بنا ًء على إلمام القاضي مُصدر الحكم بجميع الأدلة.

٢- من حيث القرائن القاطعة:

ويمكن أن نضعها وفقًا للنقاط الأتيه:

أ- إن المقصود بلفظ “القرائن” الذي يتوصل بها القاضي الجنائي الى الاقتناع اليقيني بثبوت التهمه بحق المتهم، هي القرائن القضائية القاطعه، والتي تعتبر دليلًا مستقلًا، يمكن الحكم على اساسها بالادانة، ومن هذة القرائن، ماذكرته نص المادة(١٥٥) فقره (ب) إثبات ونصها كالأتي: “خروج شخص من داره في يده سكين تقطر دمًا، أو سلاح ناري عليه أثر الاستعمال، مع وجود قتيل في تلك الدار وليس بها غيره”.

ب- يعتبر دليل “كاميرات المراقبة”، المنتشرة في أغلب الشوارع والاحياء والمحلات والعمارات، من أهم القرائن القاطعه، فهي ترصد افعال وحركات وتصرفات المشاة، وتوثّق وتحفظ صور الحوادث، وتنقل نقلاً أمينًا وصادقا ومحايدا لوقائع وحوادث القتل والجرائم الاخرى، ولاتخضع لتدخلات المصورين، ورغباتهم وتوجيههم، ولذلك فهي أكثر حيادًا وأمانًا، وتشابه إلى حد كبير مشاهدات الشهود للحادث وقت وقوعه، بل تكون أكثر ضبطاً ودقّة من شهادات الشهود، التي يعتريها النسيان والهوى.ج- بالاضافة الى دليل التلبس المذكور في الفقرة (ب) (م١٥٥) إثبات، ودليل كاميرات المراقبه، هناك دليل أخر يمكن الاعتماد عليه؛ لإثبات جريمة القتل وهي “البصمة الوراثية ADN”، والتي تساهم مساهمة فعّالة في تحديد شخصية المشتبه فيه، فمن خلال العينة البيولوجية التي يتم العثور عليها في مسرح الجريمة، يمكن تحديد هوية الجاني، كما أنها أكثر تطورًا من الناحية العلمية، ونتائجها صحيحه وبنسبة أكثر من ٩٩,٩٪؜، ولا يقتصر وجودها في البصمة التقليدية للاصابع، بل في كل أجزاء الجسم، من اليد والقدم والشفاه والعين والأذن والشعر…وتؤدي للكشف عن الهوية الحقيقية للشخص ولو أنكر ذلك بنفسه.

٣- من حيث قوة وقيمة القرائن القاطعه:

غني عن البيان، أن مسألة تقدير العقوبة، يكون تبعًا لدرجة ونوع القرينة، الذي أستند اليها القاضي في اقتناعه، بوقوع الجريمة في حق المتهم.. فعلى سبيل المثال:

أ- يمكن الحكم بالاعدام تعزيرًا، إذا ما تحققت القرينة المتعلقه بالجريمة المشهودة، والذي ذكرتها المادة (١٥٥) فقره (ب) إثبات.

ب- ويمكن الحكم بالحبس خمسة وعشرين سنه، في حال شوهدت الجريمة في كاميرات المراقبه كما ذكرنا سابقا.

ج- يمكن الحكم بالسجن خمسة عشر سنه، على شخص هدد أخر بقتله في يوم معين كتابيا، وعبر أحدى وسائل التواصل، وبالفعل وجد المجني عليه قتيلاً في نفس هذا اليوم المحدد.

#المحور الثالث: نتائج الدراسة:

استخلاصًا لكل ما سبق ذكرة، يمكن وضع أهم نتائج هذة الدراسة الموجزة بالآتي :

١- يتضح أن الخلل يكمن في قانون الإثبات اليمني، الذي لا يجاري وسائل الإثبات الحديثة؛ لأنه لا يمنح القرائن قوة ثبوتية في قضايا القتل العمد، ولذلك تتكرر في الأحكام القضائية في قضايا القتل العمد، عبارة: “لعدم ثبوت الدليل الشرعي الموجب للقصاص”.

٢- كان على المشرع، تدارك الخلل الموجود في قانون الاثبات، بالنص صراحة في قانون العقوبات “باعتباره قانون خاص”، على تشديد العقوبة بالاعدام تعزيرًا أو بالسجن المشدد؛ في حال سقوط القصاص؛ لعدم توافر دليله الشرعي؛ ليفسح المجال أمام القاضي باختيار العقوبة المناسبة؛ وليسدّ خلل وعورة قانون الإثبات، الذي يتسبب أحيانًا في إهدار الدماء التي عصمها الله.

٣- نرى في رأينا المتواضع، أن لا مبرر لمن قائل: “بعدم جواز الحكم بالاعدام تعزيرًا، في حال عدم تحقق الدليل الشرعي للقصاص بالنفس” ونجيب على ذلك: “أن المشرع نص على عقوبة الاعدام تعزيرًا في الكثير من الجرائم، كالجرائم الماسه بأمن الدوله حتى على مجرد الشروع أو الاتفاق الجنائي، ولم يشترط أكتمال ارتكاب الجريمة، فكيف لا نقضي بالاعدام تعزيرًا لجريمة قتل عمد أثبتت بالقرائن القاطعه؟!

٤- إن ما يعزز رأينا في البند السابق، هو المقرر والمعلوم شرعًا، وباتفاق الفقهاء، بجواز الحكم بالاعدام تعزيرًا بدليل القرينه القاطعه، وأن تقدير ذلك متروك لولي الأمر، من باب درء المفاسد، وحماية مصالح الامه، وتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية في إثبات الجرائم، وحفظ الدماء والأموال والاعراض.

٥- لعلّ خير شاهد على صوابية اقتراحنا المتواضع، هو وقوف “القضاء في صنعاء”، عاجزًا في الحكم على الجريمة الوحشيه البشعه، الذي ارتكبها أحد الابناء وزوجته في حق أبيه، بعد أن هشّم رأسه بالمطرقه؛ إلا أن كاميرات المراقبه، كشفت قيامة برمي جثة الأب من سيارتهما أمام المنزل!! وما كان من المحاكم بدرجاتها الثلاث، إلا أن تقف حائره، بين سندان الحق الذي ظهر لها جلياً، وبين مطرقة تطبيق نصوص قانوني الإثبات والعقوبات، الذي نزعا يد المحاكم وقيدها، فلم يجدوا إلا أن يحكموا، بالزامهما بدفع دية العمد، والتعزير بالحبس مدة سبع سنوات؛ لسقوط القصاص تحت مبرر: “عدم توفر دليله الشرعي!!”

.#المحور الرابع: التوصيات والمقترحات:

وفي هذا الإطار، لابد من الاشارة، آن التطبيقات القضائية للمحاكم الجنائية في الدول العربية، تقضي بتطبيق عقوبة الاعدام أو السجن المؤبد، الذي لا يقل عن ٢٥ سنه؛ في حال أقتنع القاضي من القرائن، اقتناعًا يقينيًا بثبوت الجريمة بحق المتهم، إلا التشريع اليمني الذي يقضي بعقوبة بسيطه، هزيله، وخجوله بنفس الوقت، وذلك بالحبس لا يقل عن ٣ سنوات ولا يزيد عن عشر سنوات!! فهل يمكن بهذه العقوبة تصان الدماء من القتل؛ تحت مبرر عدم توافر الدليل الشرعي؟؟!!-

ومن هذا المنطلق، فإن منع إثبات جرائم القتل بالقرائن، يهدر الدماء، ويشجع على إزهاق الارواح، ويساعد القتله على الإفلات من العقوبة الموجبه للاعدام قصاصًا؛ تحت مبرر (عدم ثبوت الدليل الشرعي الموجب للقصاص)، والذي أصبح حجّه قانونية ثابته للاحكام القضائية؛ فينحصر تقدير القاضي باختيار عقوبة تعزيرية بالحبس من ثلاث الى عشر سنوات!! ولذلك: نهيب ونوصي المشرع بالاتي:

١- حذف عبارة (وأقتنع القاضي من القرائن بثبوت الجريمة في حق المتهم)، والاقتصار على الفقرات السابقه، وهي: (ويشترط للحكم بالقصاص أن يطلبه ولي الدم، وأن يتوافر دليله الشرعي، فإذا تخلف أحد الشرطين أو كلاهما، أو إذا امتنع القصاص، أو سقط بغير العفو، يعزّر الجاني بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على عشر سنوات).

٢- تضاف فقرة أخرى، ونصها كالأتي: (وإذا طلب ولي الدم القصاص، ولم يتحقق المانع والمسقط للقصاص بغير العفو، وأقتنع القاضي من القرائن القاطعة، بثبوت الجريمة بحق المتهم، يعاقب الجاني بالاعدام تعزيرًا، أو الحبس مدة لا تقل عن خمسة عشر سنه، ولاتزيد عن خمسه وعشرين سنه).-

ومن الضروري “كما ذكرنا سلفًا”، أن نترك للقاضي فسحه ومجال بين إختيار عقوبة الاعدام تعزيرًا أو الحبس المذكور، كل ذلك، متى ما إطمأن وجدان وضمير القاضى الجنائي، وأقتنع بأهمية القرينة القاطعة وقوة ودرجة حجيتها، و وجد أنها واضحة الدلاله، و وثيقة الصلة بثبوت وقوع الجريمة في حق المتهم؛ شريطه أن يبين العناصر التي استمد منها رأيه، والأسانيد التي بنى عليها قضاءه، وما إذا كانت تؤدي عقلًا ومنطقًا إلى النتيجة التي خلص إليها من عدمه.

هذا تصوري واجتهادي المتواضع، والله الموفق والأعلم بالصواب.

صالح عبدالله المرفدي

قاض محكمة نقض

دكتوراه القانون الجنائي جامعة عين شمس انشرFacebookTwitterEmailWhatsAppTelegramMessengerCopy Link

ضع اعلانك هنا