مبارك اليوسفي
ظلت تهاني أحمد (32 سنة)، لأيام عديدة تبحث عن مدرسة أخرى في حي الدائري والأحياء المجاورة، لتسجيل ابنها، بعد أن تفاجأت بارتفاع رسوم المدرسة الأهلية السابقة إلى أكثر من 40 ألف ريال على رسوم العام الفائت، تقول تهاني لـ”خيوط”، إنها تبحث مُنذ أسبوع عن مدرسة قريبة من الحي الذي تسكن فيه، إلا أنها كانت تتفاجأ بأن كل مدرسة يختلف سعرها عن الأخرى.
ابتداءً من هذا العام سيلتحق نبراس، وهو الابن الأكبر لتهاني في الصف الثالث الابتدائي، لكن رسوم مدرسته لهذا العام تثقل كاهل والديه، وقد لا تسمح لأخيه الأصغر بالالتحاق بعامه الأول في المدرسة.
تشير تهاني إلى تفاوت الرسوم التي كانت تدفعها في العامين الماضيين؛ حيث كان الفارق بين رسوم الصف الأول والثاني حوالي 20 ألف ريال، لكنها تفاجأت هذا العام بزيادة 40 ألف ريال فوق الرسوم السابقة، إذ كانت في العام الأول نحو 80 ألف ريال، وارتفعت إلى 100 ألف ريال في العام الثاني، بينما طلبت المدرسة ذاتها في هذا العام الدراسي نحو 140 ألف ريال، أي ما يعادل (235 دولارًا)، ما دفعها للبحث عن مدرسة أخرى أقل تكلفة.
يعمل والد نبراس في أحد مَحالّ الملابس في شارع هائل، براتب لا يتجاوز الـ90 الألف ريال، راتب ضئيل لا يكاد يغطي إيجار المنزل وتكاليفه، وهو ما جعل تهاني تفكر بتسجيل ابنها في أي مدرسة حكومية في حال لم تجد مدرسة بنفس رسوم العام السابق.
تكاليف باهظة
شهدت المدارس الخاصة في صنعاء ومدن يمنية أخرى إقبالًا متزايدًا خلال السنوات الأخيرة، بسبب توقف كثير من المدارس الحكومية عن العمل لأسباب عديدة متعلقة بالحرب، مع ارتفاع تكاليف الرسوم الدراسية في المدارس الأهلية في عموم اليمن بشكل كبير وغير مسبوق، إذ تصل رسوم تسجيل طلاب الابتدائية إلى نحو 100 ألف ريال كحد أدنى، بل إن الكثير من المدارس تتعامل بالعملة الأجنبية نتيجة عدم استقرار العملة المحلية.
تشير معلومات إلى أن 20 مدرسة حكومية في صنعاء تم تحويلها إلى مدارس خاصة تعمل بنفس مبدأ المدارس الأهلية، حيث تم اختيار هذه المدارس بعناية بحيث تشمل كل مديريات صنعاء، إذ يدفع الطالب فيها ما يدفعه الطالب في المدارس الخاصة.
ساهمت الحرب المشتعلة منذ 25 مارس/ آذار 2015، بإنعاش التعليم الأهلي في اليمن مستفيدةً من إغلاق وتدمير كثير من المدارس الحكومية، بالإضافة إلى الفساد الإداري والتربوي في وزارة التربية والتعليم منذ سنوات، كلها عوامل كاثرت من عدد المدارس الأهلية، وبالتالي فقد وجد الكثير من أولياء الأمور في المدارس الأهلية الحلَّ لاستمرار أولادهم في التعليم.
يقول عبدالرحمن الشرعبي لـ”خيوط”: وهو أحد أولياء الأمور، إنه يدرس أولاده في مدارس خاصة منذ سنة 2016، بسبب تراجع جودة التعليم في المدارس الحكومية، وأصبح لا فرق من وجود الأطفال في المدارس الحكومية وعدمه.
الشرعبي وكثير من أولياء الأمور لجؤوا إلى تدريس أولادهم في مدارس أهلية عوضًا عن المدارس الحكومية، ما أدى إلى قيام المدارس الأهلية برفع سقف ربحها عبر فرض رسوم مضاعفة، فيما يرجع الشرعبي سبب ارتفاع الرسوم الدراسية إلى عدم وجود جهة رقابية من قبل وزارة التربية والتعليم تشرف على أداء المدارس الأهلية.
في السياق، تعيش اليمن منذ سبعة أعوام، وضعًا مأساويًّا إذ صنفت منظمات محلية ودولية اليمن كأسوأ حالة إنسانية في العالم، كما أن هناك حوالي 80% من المواطنين بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية.
وأكدت مصادر خاصة في وزارة التربية والتعليم في صنعاء -رفضت الكشف عن هويتها- لـ”خيوط”، أن 20 مدرسة حكومية في صنعاء تم تحويلها إلى مدارس أهلية، تعمل بنفس مبدأ المدارس الأهلية، حيث تم اختيار هذه المدارس بعناية بحيث تشمل كل مديريات صنعاء، إذ يدفع الطالب فيها ما يدفعه الطالب في المدارس الخاصة دون مراعاة للوضع الإنساني الذي يمر به المواطن.
مواطنون شكوا لـ”خيوط”، ارتفاعَ رسوم التسجيل في المدارس الحكومية، إذ أصبح الطالب يدفع أكثر من 10 آلاف ريال رسوم التسجيل، تختلف من مدرسة إلى أخرى، لا سيما المدارس في القرى والمناطق البعيدة عن المدن، فيما تعلل إدارة هذه المدارس، سبب هذا الارتفاع، لكونه عائدًا لهيئة التدريس الذين يُدرّسون بلا مرتبات.
وأفاد المواطن علي محمود، من سكان منطقة جنوب صنعاء، أنه تفاجأ عندما ذهب لتسجيل اثنين من أولاده؛ أحدهم في المرحلة الابتدائية، والآخر في الإعدادية، بطلب المدرسة الحكومية رسوم تسجيل باهظة تناهز 7 آلاف ريال لكل طالب، فيما تحدث طالب آخر في مرحلة الثانوية أن الرسوم التي حددتها المدرسة الحكومية التي قرر اللجوء إليها لعدم قدرة أسرته على تحمل رسوم وتكاليف المدارس الخاصة، تفوق ما كان معتادًا دفعه سابقًا من مبالغ رمزية كرسوم تسجيل، إذ تصل إلى أكثر من 8 آلاف ريال.
الربح لا الجودة
باتت كثير من المدارس الأهلية تبحث عن الربح السريع على حساب جودة التعليم، كونها في الأساس مشاريع استثمارية، لكن كثير منها تفتقر لوجود كادر تعليمي متخصص.
في هذا السياق، زارت “خيوط” بعض المدارس الأهلية في العاصمة اليمنية صنعاء، للبحث عن إجابات كثيرة من ضمنها سبب رفع الرسوم، وعدم وجود كادر تعليمي متخصص ، إلا أن معظم المدارس تمتنع إدارتها عن تقديم إجابات واضحة في هذا الخصوص.
وتؤكد مديرة إحدى المدارس الأهلية -رفضت الكشف عن اسمها- لـ”خيوط”، أنه يتم دفع ما نسبته 20% من الرسوم المحصلة من الطلاب إلى الجهات التعليمية الرسمية في صنعاء، مقابل أن تغض الطرف عن المدرسة وعن أي قرارات تتخذها، حتى وإن كانت مخالفة للقانون؛ لذا تلجأ المدارس الأهلية لرفع رسوم الالتحاق لكي تستمر.
في المقابل، تدفع المدارس الأهلية مبالغ بسيطة كراتب شهري للموظفين داخل المدرسة طوال فترة الدراسة فقط، فيما تستغني عنهم أثناء فترة العطل الرسمية.
وفق مسؤول في مكتب التربية بأمانة العاصمة صنعاء، فإن المكتب اتخذ قرارًا يلزم المدارس الأهلية احتساب الرسوم الدراسية ذاتها التي تم احتسابها العام الماضي، ومعاقبة المدارس التي لم تلتزم بهذا القرار، الذي جاء بعد انتهاء عملية التسجيل ومرور أسبوع كامل على بدء العملية التعليمية.
تقول منيرة الأغبري، معلمة في إحدى المدارس الأهلية لـ”خيوط”، إنها تعمل في المدرسة منذ حوالي 3 سنوات براتب لا يتجاوز 40 ألف ريال أثناء فترة الدراسة، وتشير إلى أنها تبحث عن عمل آخر في العطلة الرسمية، نظرًا لتوقف راتبها في تلك الفترة.
وتشير إلى أن معظم المدارس الأهلية تبحث عن الشباب حديثي التخرج من أجل العمل لديها؛ وذلك لكون كثير منهم يضطر بعد التخرج إلى القَبول بأي فرصة عمل، لكن ما إن يجد أحدهم فرصة أفضل يترك هذا العمل على الفور.
غياب القانون وعجز السلطات
وفق المادة (42) من قانون تنظيم مؤسسات التعليم الأهلية والخاصة، فإن على وزارة التربية والتعليم اعتماد مقدار الرسوم المحددة من مؤسسة التعليم الأهلية والخاصة لتحصيلها من الطلاب أو أولياء أمورهم، وربط قيمة تلك الرسوم بنوع وكم عناصر الكفاية الإنتاجية المتوفرة للمؤسسة المعنية ومفهوم عناصر المنهج المعتمد لديها.
كما أن المادة (43) تلزم إدارة المؤسسة التعليمية الأهلية والخاصة بإعداد ميزانية سنوية للمؤسسة، والحساب الختامي، وتوافي الإدارة العامة للتعليم الأهلي والخاص بنسخة من ذلك بعد إقرارها من مجلس الإدارة، على أن يتخذ مجلس الوزراء بناء على عرض من وزارة التعليم قرارًا يقضي بتحديد رسوم الترخيص والتجديد والتوثيق والتصديق لكل ما يصدر عن مؤسسات التعليم الأهلية والخاصة أو ما يتعلق بشؤون العاملين فيها، حسب ما تنص عليه المادة (44) من قانون تنظيم مؤسسات التعليم الأهلية والخاصة.
يقول وليد القباطي رئيس غرفة العمليات والشكاوى بمكتب التربية بأمانة العاصمة لـ”خيوط”، إن من مهام مكتب التربية مراقبةَ رسوم التسجيل في المدارس الأهلية، ولن يسمح لها بممارسة أي استغلال في تحديد الرسوم.
ويشير القباطي إلى أن المكتب بعد اجتماعه مع نائب وزير التربية والتعليم ووكلائه وبعض المسؤولين يوم الأحد 15 أغسطس/ آب الجاري اتخذ قرارًا يلزم المدارس الأهلية احتساب الرسوم الدراسية ذاتها التي تم احتسابها العام الماضي، ومعاقبة المدارس التي لم تلتزم بهذا القرار، الذي جاء بعد انتهاء عملية التسجيل ومرور أسبوع كامل على بَدء العملية التعليمية.
مناهج على الأرصفة
تفتقر كثير من مدارس صنعاء الأهلية والحكومية للكتب المدرسية، وتشترط على أولياء الأمور شراء الكتب لأطفالها، وذلك بسبب عدم توفير الكتب من قبل وزارة التربية والتعليم حسب تأكيدات بعض المدارس الأهلية.
وعلى رصيف شارع التحرير وسطَ صنعاء، ترى كثيرًا من باعة الكتب المدرسية مع بَدء العام الجديد، ويتحول الأمر إلى تجارة غير مشروعة يباع فيها حق الطالب في الحصول على الكتب المدرسية والتي من المفترض أن توزع بشكل مجاني، في ظل غياب حملات المكافحة التي كانت قائمة قبل العام 2015، لمثل هذه الممارسات.
يشتكي محمد مبخوت (48 سنة) من عدم توفر الكتب المدرسية في المدارس، ويقول في حديثه لـ”خيوط” إن أسعار الكتب المدرسية في الأسواق السوداء مرتفعة للغاية بحسب توفرها ونوعيتها والمستوى الدراسي، إذ يصل سعر الكتاب الواحد إلى 1000 ريال.
ويشير إلى أن كثيرًا من الناس لم يعد بمقدورهم توفير قوت يومهم، فما بالك بشراء الكتب الدراسية والتي قد تكلفها الكثير من الأموال، ويأمل مبخوت بأن يعود الحال إلى ما كان عليه ويحصل على تعليم مجاني لأولاده.
ويخشى كثير من أولياء الأمور من التغييرات التي حدثت مؤخرًا بمحتوى المنهج المدرسي، حيث تم إجراء بعض التعديلات والإضافات من قبل الجهات التعليمية التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين).
وكانت اللجنة العليا للمناهج قد أعلنت عن تغيير بعض مفاهيم ودروس مواد القرآن الكريم في صفوف الصف السابع والثامن والتاسع، في فبراير من العام الجاري، متجاهلة بقية المواد.
كما تم تداول كتب مدرسية تحمل صور القادة العسكريين لجماعة أنصار الله (الحوثيين)؛ ما أثار سخط كثيرين، فيما اتهم البعض منظمة اليونيسف بالوقوف وراء طباعة هذه الكتب، والتي قامت بدورها بنفي الخبر عبر حسابها الرسمي على تويتر.
ولجأ طرفا النزاع في اليمن؛ أنصار الله (الحوثيين)، والحكومة المعترف بها دوليًّا، منذ العام 2016 إلى سياسة تغيير المناهج الدراسية لتعبئة الأجيال القادمة بما يتناسب مع توجهات كل طرف، وهذا ما يراه مراقبون تدميرًا ممنهجًا يطال أطفال المدارس والذي يتطلب أن يقف ضده المجتمع والمنظمات المحلية والدولية.
•••مبارك اليوسفي
خريج قسم الصحافة في جامعة صنعاء، كاتب وصحافي لدى مواقع يمنية وعربية، مهتم بالصحافة الإنسانية.
المادة خاص بمنصة خيوط