حاشد الشلبي
تتزايد بشكل يومي فيضانات مجاري الصرف الصحي في العاصمة صنعاء، نتيجة الانهيارات المستمرة لمنظومة الشبكة؛ إذ يشكّل طفحها المتدفق في أحياء وشوارع المدينة الخطر الاكبر الذي يهدد صحة وسلامة المواطنين، ويكون مصدرًا لانتشار الأمراض الخطيرة، فضلًا عن الأضرار البيئية التي قد تسببها في حالة تسربها إلى المياه الجوفية.
لا تجاوب مع الشكاوى
كما تعد الروائح النتنة المنبعثة والمخلفات الآدمية التي تفسد جمال المدينة، وتعيق خروج المواطنين من منازلهم، إحدى مشكلات طفح الصرف الصحي، بحسب المواطن راشد علي (38 عامًا)، من سكان منطقة مذبح بمديرية معين (شمال غربي صنعاء)، الذي قال لـ”خيوط”: “لا أستطيع الخروج من المنزل بأريحية كما كنت في السابق، جراء الروائح السيئة الناتجة عن طفح المجاري، إضافة إلى مخاوفنا من الإصابة بالأمراض والأوبئة المتفشية في البلاد منذ بدء الحرب”.
طفح المجاري والصرف الصحي في شوارع مثل هذه المناطق في العاصمة صنعاء، يتكرر بشكل يومي، منذرًا بكارثة صحية وشيكة، جراء تفشي الحشرات والبعوض، لا سيما مع اقتراب موسم الأمطار، خصوصًا أن بعض المناطق مثل (مذبح)، تكثر فيها كما يُلاحظ، الأماكن التي تساعد في تجمع مياه الأمطار ومياه مجاري الصرف الصحي، حيث تصبح المنطقة مع ارتفاع درجة الحرارة، وفق حديث كثير من المواطنين لـ”خيوط”، مصدرًا لتجمع الحشرات وما تسببه من أمراض وقلق للسكان.
المواطن علي موسى، يشير في حديثه لـ”خيوط”، إلى أنّ السلطات المحلية في صنعاء، لا تتجاوب مع شكوى المواطنين منذُ مدة بشأن طفح المجاري، ووصل بهم الحال من أجل التنصل من مسؤولياتهم، في إصلاح شبكة الصرف الصحي في المنطقة، إلى اتهام الأهالي بتعمد رمي النفايات في عبّارات مياه الصرف الصحي، ومجاري السيول، ما أدّى إلى انسدادها، على حد قولهم.
خطورة تدهور الوضع
في السياق، يحذر الطبيب منصور عبدالرحمن، في حديثه لـ”خيوط”، من مخاطر استمرار تدهور شبكات الصرف الصحي في صنعاء، وعدم إجراء الصيانة اللازمة لها بشكل دوري.
غالبية منازل العاصمة ومدينة (صنعاء القديمة) على وجه التحديد، بها آبار للصرف الصحي مستقلة يتراوح عمقها ما بين (15-30) مترًا تحت سطح الأرض، وهو ما يهدد بوصول السوائل والمخلفات إلى أماكن تواجد المياه الجوفية وتلويثها.
تعتبر حمى الضنك، الوباء الأشهر والمغيب عن الاهتمامات الصحية، إحدى أهم تبعات التدهور والطفح الحاصل في منظومة الصرف الصحي، حيث بلغت عدد الحالات التي رصدتها وزارة الصحة والسكان بصنعاء إلى نحو (65047) حالة، تُوفيت منها 245 حالة.
يضيف الطبيب عبدالرحمن، أنّ طفح مياه الصرف الصحي في عدد من شوارع صنعاء، يُهدد بظهور العديد من الأمراض البكتيرية والطفيلية والفيروسات والكوليرا والتيفوئيد والأوبئة التي ستصعب مواجهتها في ظل الانهيار المتواصل للمنظومة الصحية في البلاد منذ بدء الحرب، قبل أكثر من ثماني سنوات، دون العمل على صيانتها.
في حين يؤكد تقرير صادر عن وزارة حقوق الإنسان العام 2019، اطلعت عليه “خيوط”، وفاة (12000) شخص بسبب الملاريا، و(3140) شخصًا بسبب التشيكونغونيا (المكرفس)، و(2236) شخصًا بسبب الأمراض المعوية والإسهالات المائية بما فيها الكوليرا.
وتشير الأمم المتحدة في تقرير سابق نشر في أواخر العام 2018، إلى إنّ إجمالي عدد الإصابات والحالات المشتبه بإصابتها بالكوليرا، قد وصلت إلى (295) ألف حالة مشتبهة، تُوفي منها (400)، ثلثها لأطفال ما دون الخامسة.
حفريات عشوائية
لم تشكل مجاري الصرف الصحي، مشكلة صحية، أو عائقًا لخروج العائلات من منازلهم فحسب؛ بل أصبحت تهدم شبكة الصرف الصحي عائقًا آخر للتنقل بين أحياء العاصمة صنعاء.
فيصل أحمد محسن (43 عامًا)، يسكن في منطقة سعوان، يقول لـ”خيوط”: “لقد سقطت سيارتي في حفرة من حفر مجاري الصرف الصحي، الذي قام بحفرها أحد المواطنين في منطقة سعوان “العشة”؛ نظرًا لعدم وصول شبكة الصرف إلى المنطقة”.
ويزداد خوف محسن من الخروج من المنزل بسيارته الخاصة خشية السقوط مرة أخرى في إحدى حفر آبار الصرف العشوائية، ويقول: “لقد أصبح الخروج في المنطقة أمرًا مخيفًا، ولا أخفيك القول إني أصبحت أتنقل في المواصلات العامة بدل الذهاب بسيارتي التي أنقذتها بعد سقوطها في حفر المجاري، التي حفرت بشكل عشوائي”، ويصف حاله عند سقوط سيارته بأنها أشبه بأفلام الرعب.
الآبار المنزلية
في الجهة المقابلة، يتسبب تسرب مياه الصرف الصحي في تلوث المياه النقية بسبب سوء تصريفها، والذي يختلط بالمياه النقية الجوفية، حيث يشير فضل النزيلي، الأخصائي في مركز المياه والبيئة في جامعة صنعاء، لـ”خيوط”، إلى أنّ غالبية منازل العاصمة ومدينة (صنعاء القديمة) على وجه التحديد، بها آبار للصرف الصحي مستقلة يتراوح عمقها ما بين (15-30) مترًا تحت سطح الأرض، وهو ما يهدد بوصول السوائل والمخلفات إلى أماكن تواجد المياه الجوفية وتلويثها.
ويؤكد النزيلي على ضرورة إغلاق هذه الآبار، للحفاظ على المياه الجوفية، وربط مخرجات الصرف الصحي للمنازل بالشبكة الرئيسية، والحرص على تصريف مياهها بشكلٍ جيد، حتى يُمكن الحفاظ على أكبر قدرٍ من مخزون المياه الجوفية، لا سيما أنّ التوقعات تنذر بجفاف مخزون المياه الجوفية في اليمن، بحلول العام 2050.
كما يشير الخبراء في هذا الجانب إلى أنّ الكوارث الطبيعية تتوزع ما بين (المباغتة والانقضاض، والترصد والاحتراز) مع تزايد نسبة هطول الأمطار خلال الموسم، ويحذرون من تفاقم مشكلة الخراب في الشوارع بسبب رداءة شبكة المجاري التي أصبحت بحاجة للصيانة السريعة، وفي كثير من الأحياء للبناء من جديد كليًّا.
وبحسب خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن، التي أعدتها الأمم المتحدة في فبراير/ شباط 2019، فإنّ إجمالي عدد المواطنين المحتاجين للمياه الصالحة للشرب، ومشاريع الصرف الصحي والنظافة الصحية، بلغ 17.8 مليون شخص (أكثر من نصف السكان)، في جميع أنحاء البلاد، بتكلفة تصل إلى 285 مليون دولار
.•••حاشد الشبلي
المادة خاص بمنصة خيوط