أمل جابر / خيوط
تشهد اليمن منذ ما يزيد عن ست سنوات، تدهورًا متواصلًا في التعليم وتردّيًا في مختلف الأوضاع الاقتصادية والإنسانية وارتفاعات قياسية في معدلات الفقر والبطالة والأمية والتي تعد من أبرز تبعات الحرب والصراع الدائر في اليمن.
وتسجل اليمن زيادة مطّردة في نسبة الأمية منذ بداية الحرب في البلاد، في حين تقدرها آخر بيانات رسمية متاحة بنحو 65%، ناهيك عن وجود مليوني طفل خارج المدارس، بما في ذلك ما يقرب من نصف مليون تسربوا من الدراسة منذ تصاعد الصراع في مارس/ آذار 2015. كما بات تعليم 3,7 مليون طفل آخر على المحكّ، حيث لم يتم دفع رواتب المعلمين منذ أكثر من عامين.
ويضع هذا التدهور في التعليم وارتفاع الأمية الناشئة “الجديدة”، اليمن على حافة الخطر والمستقبل المجهول، حيث آلاف الأسر تعجز على دفع تكاليف الدراسة لأبنائها في بلد يكافح نسبة كبيرة من سكانه لتوفير لقمة العيش.
وأضرت الحرب والصراع الدائر، كثيرًا بالتعليم الحكومي، مع عجز المدارس العامة عن استقبال المزيد من الطلاب، في ظل محدودية القدرات الاستيعابية لمؤسسات التعليم الأهلية.
وبينما تستمر الأمية بالزحف، تنشغل جميع الأطراف بالحرب والصراع الدائر وتسجيل نقاط التفوق فيها، متناسين واقعًا لن يصحوا على قتامته إلا حين يستفيقون على أمية كاسحة يصعب التعامل معها.
الأمية للجميع
تشكو ريسة (52 سنة)، من إغلاق مركز محو الأمية الذي كانت تدرس فيه منذ 4 سنوات بسبب اختلافات سياسية مع من يديرونه والجهات الأمنية في منطقتها، وبُعد المراكز الأخرى عن مكان سكنها، وعدم توفر وسيلة نقل لها.
وتضيف ريسة، أنها كانت قد بدأت في القراءة بشكل بسيط واستخدام هاتفها، وتبادل الرسائل مع أولادها المغتربين خارج البلاد، إلا أنها كانت تتمنى استمرارها في صفوف محو الأمية المتقدمة لاكتساب الكثير من المهارات والمعارف الجديدة.
عشرات التقارير الحقوقية والإنسانية تحذر من تدهور الوضع التعليمي وزيادة نسب الأمية، التي أصبحت تشمل جميع الفئات العمرية بعد أن كانت قد بدأت في الانحسار واقتصارها على المناطق الريفية النائية وكبار السن.
يرى التربوي عيسى دعموق أن الأمية لم تعد محصورة على كبار السن فقط، بل أصبحت تشمل صغار السن وبشكل مخيف، وذلك منذ بداية الحرب في اليمن، مرجعًا أسباب ذلك إلى تردي الأوضاع الاقتصادية، وعدم وجود مستقبل وظيفي، والزواج المبكر من كلا الجنسين .
يعود السبب في ذلك إلى تسرب الكثير من الطلاب من المدارس، وعدم التحاق البعض منهم أساسًا بالعملية التعليمية، إما لصعوبة دفع تكاليفها، أو لصالح عمالة الأطفال التي تفاقمت هي الأخرى في ظل سنوات الحرب، أو بسبب تجنيد صغار السن في جبهات القتال، وانشغال كبار السن في الأعمال، وإغلاق وتدمير الكثير من مراكز محو الأمية والمدارس في اليمن.
ونجحت الكثير من دول العالم في تجاوز الأمية بنسبة 100%، وتسعى أخرى إلى محو الأمية الرقمية والتكنولوجية لدى شعوبها، في حين دول مثل اليمن تعاني من انخفاض في نسب الالتحاق بالتعليم وارتفاع الأمية، وتراجع فرص الحصول على الكثير من الحقوق والخدمات التي كانت مكفولة ومن ضمنها التعليم، حيث ما يزال قرابة 400 ألف طفل يضافون سنويًّا إلى قوائم الأمّيين في اليمن.
وباتت الأمية الناشئة خطرًا محدقًا بمستقبل اليمن الذي يعاني بسبب تبعات الحرب المتفاقمة، في الوقت الذي من المفترض أن تكون المحرك الديناميكي لعجلة التنمية المستدامة في البلاد، وهذا ما لا يمكن تحقيقه مع تزايد أعداد الأمية بين الأطفال والشباب.
ويرى التربوي عيسى دعموق في حديثه لـ”خيوط”، أن الأمية لم تعد محصورة على كبار السن فقط، بل أصبحت تشمل صغار السن وبشكل مخيف، وذلك منذ بداية الحرب في اليمن، مرجعًا أسباب ذلك إلى تردي الأوضاع الاقتصادية، وعدم وجود مستقبل وظيفي، والزواج المبكر من كلا الجنسين.
يتحدث التربوي دعموق عن العديد من الجهود التي يبذلها في سبيل تعليم العديد من أبناء منطقته وتأهليهم للقضاء على أمّيتهم في القراءة والكتابة، مؤكدًا تنفيذ بعض المشاريع –المدعومة وغير المدعومة- لمحو الأمية في منطقته الريفية بعزلة الدانعي محافظة حجة.
وتابع: “بالنسبة للأمية في أوساط الفتيات في منطقته فهي أكبر، حيث تتراوح بين 60% إلى 70% تقريبًا، ومن أهم أسبابها عزوف الفتيات عن مواصلة التعليم بعد الصف السادس لعدم وجود مدرّسات ومدرسة خاصة بالفتيات، إضافة إلى العادات والتقاليد التي تمنع الاختلاط إلا في النادر، والأعمال التي تقع على كاهل الفتاة في المناطق الريفية.
الهجرة من التعليم
توقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي انخفاض نسبة الالتحاق بالمدارس الابتدائية في اليمن إلى 41.5%، مشيرًا إلى وجود “36% من الفتيات في سن الدراسة، و24% من الأولاد جميعهم لا يذهبون إلى مدارسهم/ـن”.
في السياق، يعبر معتصم أحمد (14 سنة) عن رغبته في العودة إلى المدرسة بعد انقطاع عامين تفرغ فيهما للعمل مع والده في مزارع “القات” الخاصة بهم.
ويقول معتز لـ”خيوط”، إن والده لم يعد يسمح له بالذهاب إلى المدرسة ليساعده في قطف نبتة “القات” وبيعه، لتوفير تكاليف أجور العمال، في ظل ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات الأساسية.
معتصم ليس وحده من يعاني الحرمان من التعليم، أخوه الأكبر سعيد أيضًا لم يتمكن من الالتحاق بالتعليم الجامعي للعمل، وهناك عشرات القصص الأخرى لأطفال آخرين قد تكون أكثر مأساوية.
وقالت اليونيسف في تقريرها الأخير والصادر في شهر يوليو/ تموز 2021، إنه وبعد ست سنوات من الصراع في اليمن أصبح أكثر من مليوني طفل في سن الدراسة خارج المدارس بسبب الفقر والنزاع وانعدام فرص التعليم، وهو ضعف عدد الأطفال الذين لم يلتحقوا بالمدارس في عام 2015، حيث بلغ عددهم حينها 890 ألف طفل.
وعبرت اليونيسف عن قلقها من تزايد تأثير النزاع على تعليم الأطفال في اليمن؛ لأن الأطفال غير الملتحقين بالمدارس أو الذين تسربوا من مدارسهم في الآونة الأخيرة قد لا يعودون للدراسة إطلاقًا إذا لم يتم دعمهم بشكل صحيح، وأنه على جميع أطراف النزاع وقف الهجمات على المدارس وأماكن التعليم.
•••أمل جابر
كاتبة وصحفية، بكالوريوس إعلام، جامعة صنعاء.