عبدالرحمن زمام
يجد الكثير من المشعوذين (السحرة) في محافظة حجة سوقًا رائجًا ومقبولًا لأفكارهم وطلاسمهم للاسترزاق وجني الكثير من المال.
وتعد الأرياف والقرى النائية بالتحديد، البيئةَ الخصبة لعمل هؤلاء الذين يتاجرون بالأفكار الخاطئة التي عملت على تفكيك الكثير من الأسر، وابتزاز واستغلال حاجات الناس وجهلهم.
للسحرة والعرافين والمشعوذين تواجد قديم في المحافظة، وأهم تلك الأسباب التي جعلت الناس يترددون على أبواب هؤلاء “الكهنة”، تعود إلى ظاهرة “الربط” (عبارة عن وهم ووسواس خفيّ، يصاب به العريس ليلة دخلته تجعله عاجزًا جنسيًّا)، الأمر الذي يدفع أهالي العريس للشك بوجود عملٍ ما (سِحْر) أصيب به العريس، فيلجؤون للبحث عن المشعوذين والمنجمين لإيجاد علاج لمريضهم، وعلى الرغم من انتشار التعليم ووصوله إلى تلك القرى وانفتاح الأهالي على ثقافة العصر الحديث، إلا أن الظاهرة لا تزال متنامية وبشكل ملفت وقصصًا كثيرة واقعية تجسد حجم المأساة.
أسباب متعددة
يحكي محمد همدان لــ”خيوط”، عن زوجته التي ذهبت إلى أحد المشعوذين بعد زواجه بالثانية، قائلًا: “في ذات ليلة طلبت من زوجتي الأولى ماء فجلبته لي في قنينة، فاكتشفت وجود بقايا من أوراق مذابة متحللة بداخل هذه القنينة”، ليكتشف فيما بعد بأن زوجته ذهبت مسبقًا إلى أحد الأشخاص الذي يدعي عمل المحبة للأزواج .
يتابع محمد بأن زوجته باعت من ذهبها لتدفع تكاليف هذا العمل لتحظى بحب زوجها بعد زواجه عليها بالثانية، ويروي محمد، الذي يعمل منشدًا في الأعراس عن سماعه الكثير من حالات النساء التي تصاب بالمرض بعد الزواج، مرجِّحًا أن السبب الرئيسي يعود إلى “الأسحار”، وليس كما يقال بأنه “مس شيطاني”.
يؤكد المحامي عبدالرحمن الوادي، والذي قام بالترافع عن أحد المتهمين بارتكاب جريمة سحر بحق أكثر من 16 مجنيًّا عليهن، عدمَ وجود تجريم لعمل السحر حتى اللحظة في القوانين المعمول بها في اليمن.
وتشير العديد من القصص التي رصدتها “خيوط”، إلى أن أغلب الضحايا من النساء اللواتي يبحثن عن إنجاب أطفال أو جعل أزواجهن يهتمون بهن أو لـ”فكّ سحر” آخر، إضافة إلى معرفة مكان مفقودات معينة وطلب المساعدة لكشف الفاعل.
غياب القوانين الرادعة
في منطقة المراوح بمديرية الشغادرة، يعمل أحد المواطنين في السحر ، يطلق عليه الفقيه، “يَفْتِش الكتاب” حسب زعمه، ويجمع ويفرق الجن.
يأتي إليه من يبحث عن ردع العين والشفاء منها، فيطلب منهم تقديم فدية معينة بمواصفات يضعها محدودة ويعمل لهم أوراقًا مكتوبًا عليها بعض المخطوطات غير مفهوم محتواها، كما يوجد شخص آخر في قرية العرض بمديرية نجرة يعمل بنفس الآلية وبنفس “الخزعبلات”، إذ يتم بهذه الأوهام ممارسة الدجل والنصب والاحتيال على كل من تسول له نفسه الذهاب إلى مثل هؤلاء الذين يساهم الجهل والفقر ومحدودية المرافق الصحية وعدم قدرة الكثير على التوجه إلى خارج مناطقهم وقراهم للعلاج من أمراضهم.
ولا يوجد في القانون اليمني نصٌّ يوصف ويجرم عمل السحر والشعوذة ويحدد العقوبات اللازمة لمن يمارسها، وذلك بحسب العرف السائد الذي يعمل به القضاة من خلال اللجوء إلى قانون العقوبات باعتبارها جريمة نصب، وتعطيلًا للمنافع والإضرار بها.
ويؤكد المحامي عبدالرحمن الوادي لــ”خيوط”، والذي قام بالترافع عن أحد المتهمين بارتكاب جريمة سحر بحق أكثر من 16 مجنيًّا عليهن، عدمَ وجود تجريم لعمل السحر حتى اللحظة في القوانين المعمول بها في اليمن.
ويشرح الوادي لــ”خيوط”، عن تفاصيل القضية التي ترافع عنها بأن المتهم كان يقيم في أحد الجوامع ويظهر عليه الصلاح والتقوى، وأغلب من كان يزوره من النساء الباحثات عن عمل “محبة للزوج” أو مضرة أو “حروز” (تعويذة أو رقية تقي حاملها من الشر والمرض كما يزعم المشعوذون) معينة، وغيرها من الأسباب.
ويقول الوادي إن أهالي المنطقة قاموا بتقديم شكوى جنائية بموكله، إلى إدارة أمن المديرية، وعلى إثرها تم إرساله إلى إدارة البحث في المحافظة، وتم استجواب المتهم، الذي أقر بعد التحقيق معه أنه يمتلك كتاب “شمس المعارف” (كتاب مخطوط لأعمال سحر تتعلق بالجن، وينسب تأليفه إلى أحمد بن علي البوني)، ويدعي أنه يعمل في مجال “الطب العربي” وبعض الخفايا التي لم يفصح عنها باعتبارها، كما قال، “أسرار مهنة”.
من جانبها أصدرت النيابة العامة قرار الاتهام ضده وأحيل إلى المحكمة التي قررت سجنه لمدة عام ونصف مع شمولية الحكم بالنفاذ المعجل، أي يتم زجه بالسجن من تاريخ النطق بالحكم وإعادة ما أخذه من المجني عليهن، وتعويضهن للأضرار المعنوية والمادية التي تسبب بها.
ويؤكد المحامي الوادي أن السحر والشعوذة ظاهرة خطيرة على المجتمع اليمني، حيث إنها تزدهر بشكل مخيف لعدم وجود قانون يجرم عمل السحرة ويضع حدًّا لهم.
وفق حديثه، فإنه يتم معاقبتهم كمحتالين أو نصّابين، وهنا تكمن خطورة فراغ القانون اليمني لعدم وجود التشريع الذي يجرّم السحر كفعل؛ مما يجعل ضعيفي النفوس يمتهنون مثل هذه الممارسات.
ويرى أن على المشرع اليمني استحداث نصٍّ قانوني صريح يعاقب الساحر باعتبار ما يقوم به من الكبائر، مثل القتل والزنى والسرقة وغيرها من الجرائم الجسيمة.
عوامل التنامي
يرجع الدكتور لطف حريش، أخصائي علم النفس، في حديثه لـ”خيوط”، أسباب تنامي ظاهرة الشعوذة والسحر إلى ضغوطات الحياة المعيشية الصعبة التي أصبح يعاني منها نسبة كبيرة من اليمنيين، خصوصًا في المحافظات والمناطق النائية، إضافة إلى الخوف والفقر والجهل والتجارب السابقة الخاطئة وقلة الوعي، والتي تساهم في تنامي هذه الظاهرة في أوساط المجتمع اليمني.
يضيف الدكتور حريش أن ذلك أدّى إلى تزايد أعداد المزاولين للسحر والشعوذة والثقافة المجتمعية السائدة والتخلف في مجتمع يتدنى فيه التعليم يومًا بعد آخر، وهذا بدوره أدّى إلى ارتفاع أعداد المتردِّدين على هؤلاء الكهنة، إلى جانب عوامل أخرى، مثل ضعف الثقة بالنفس والضعف أمام مشاكل الحياة اليومية التي لها أيضًا أثرٌ كبير في استمرار عمل السحرة والمشعوذين، وكذا الاستعجال في الحصول على نتائج سريعة، والهروب من الواقع، والمشكلات الاجتماعية والأمية المتفشية في الأرياف والأساطير والخرافات الشعبية التي يرويها الناس والهروب من البحث عن السبب المنطقي والعلمي لما يعاني منه الإنسان، والتي جعلت الناس تلجأ إلى مثل هذه الظواهر الغيبية.
ناهيك عن الدور السلبي الذي تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي للمشعوذين، بأنهم يملكون حلولًا سحرية في معرفة المستقبل وإدراك الغيب والمخفي، وحل الخلافات العائلية.
ومهما كانت الحلول المؤقتة، فإن الطريقة الأمثل لحل هذه المشكلة جذريًّا هو من خلال تقنين عقوبات رادعة لمن يمارسها ونشر الوعي والحقيقة بين المواطنين، وكشف الحقائق المخفية عن مدى صدق وقدرة هؤلاء الذين وضعوا أيديهم على جروح الناس للتربح والتكسب من آلامهم ومعاناتهم.
•••عبدالرحمن زمام
المادة خاص بمنصة خيوط