كانت المدرسة المكان الذي تعرفت فيه على نفسي وأفكاري وأحلامي، ومن خلالها اكتسبت المعرفة بالعالم، حينها بدأت أفكر في الدور الذي سأقوم به ، شيئا فشيئا أحببت الكتابة وأعتقدت أني سأصبح يوماً ما صحفيا وأسافر إلى أماكن تسلط فيها قصصي الضوء على حياة الناس ونجاحاتهم، ولم أكن أعلم بأن أحلامي تلك قد تتبد و تتحول إلى كابوساً مزعج ، فبعد أن كنت أحلم بتسليط الضوء على حياة الناس ونجاحاتهم أصبحت أنقل معاناتهم و ما سلب منهم.
لم أكن أتصور يوماً أن تنتهك قداسة المعلم، من أصبح مرشداً ديمقراطياً للعملية التعليمية، وسيادة الديمقراطية التعليمية في المؤسسات التعليمية كافة، حيث لم يعد يكتسب الطلبة معنى التعاون وقبول الآخر، والإيمان بأن المعرفة وكل القيم العلمية والإنسانية التي هي قيم مقدسه ،ومن ضمن تلك القيم قداسة المعلم و استقلالية التعليم.
التعليم الذي اتفقت المجتمعات الدولية على أهمية كونه أداة مهمة للاستقرار العاطفي والمادي والاجتماعي لأفرادها، وبالتالي يضمن لها بقاء أطول في الصفوف الأولى بين دول العالم، وتحديدا في المجالات الاقتصادية والمظاهر الحضارية، لكن في حالة عدم الاستقرار فإن التعليم يقع ضحية هذه الأزمات الإنسانية، ويفقد أولويته في سلم الأمن والاستقرار في كل الأرجاء.
كما يعد التعليم في الدول الديمقراطية وسيلة لتكوين جيل فاعل في مجالات العمل كافة و هو نفسة ما ينظر الية في الأنظمة الإستبدادية كوسيلة لتدجين الطلبة منذ الطفولة، ليكونوا مواطنين موالين وطائعين لسياسة هذه الأنظمة قبل أوطانهم، بما يعكس إيديولوجيتها وفلسفتها الإستبدادية، عبر قولبة الأجيال القادمة في مناهج تعليمية تتماشى مع رؤيتها السياسية، و تلائم إستمرارها في الحكم، وهذا ما لوحظ تاريخيًا في المناهج التعليمية في الدول الشمولية الإستبدادية، حيث أصبح التعليم فيها أشبه بالبصمة الآستبدادية اجتماعياً وثقافياً وسياسياً واقتصادياً.
بعد أن قضت الحرب على أحلام الكثير من الأكاديميين، المتعلقة بعمل أبحاث علمية وإصدار كتب جديدة ما يمكننا إعتباره بالموت المعرفي للباحثين والأكاديميين؛ ناهيك عن ما يعانيه الأكاديميين من توقف مستحقاتهم و حرمانهم من أدنى حقوقهم و فرض شروط و أحکام تابعة لإيديولوجية و سياسات مفروضة، تلك الشروط التي كان لها تأثير سلبي على الأستاذ الجامعي، لأنه من خلال ما يقدمه يجعله أكثر اهتماماً بالنمو المعرفي والمهني لديه، وتطوير معلوماته، ومحاولة الإلمام بكل ما هو جديد حتى يعكس ذلك على ما يقدمه لطلابة، وأصبح جل إهتمامه مكرساً لمعالجة الوضع المعيشي المتردي، وما نتج عنه من ظروف نفسية وإقتصادية وسياسية بالغة الصعوبة، ما يجعلنا على يقين جازم أن الإستهداف لم يكن لقطاع معين و إن الهدف الرئيسي السعي لقطع كل وسائل المعرفة.
يعد إستهداف هذا القطاع لأسباب تتعلق بوجود رغبة بفرض عقيدة فكرية وسياسية معينة والإمعان في ممارسة التجهيل وضرب الوعي الجمعي للمجتمع الجمهوري، والعمل على خلق أجيال تابعة وخاضعة.
وكما أن التعليم ذاته يعاني من الإهمال وغياب أبسط مستلزمات العلمية التربوية، فضلاً عن حرمان المعلمين من حقوقهم؛ و رغم الوضع المعيشي الذي يعاني منه اليمنيون بشكل عام، إلا أن المعلمين والمعلمات كانوا من بين الشرائح الإجتماعية الأكثر تضرراً من توقف الرواتب، ما حدا بالكثير منهم إلى العزوف عن التعليم، والذهاب للبحث عن أعمال أخرى لسد رمق جوعهم وجوع أطفالهم.
حالة السخط
في وجود ظروف قاسية واشتداد قسوة الأوضاع المعيشية، وما قام به نادي المعلمين من دعوات الإضراب الشامل للمعلمين نتيجة عدم قدرتهم على مواجهة أعباء الحياة، الذي بدورها تحولت إلى سيوفاً مسلطة على رقاب المعلمين من حملات إستهداف للمعلمين المشاركين بالإضراب قبيل حملات الإختطاف والتحريض أو بالتهديد بالفصل، والتوقيف، و في ظل وجود الكثير من تلك الإجراءات التعسفية التي رافقت دعوات الإضراب الشامل في حالة عدم الإستجابة لمطالبهم وتسليم مراتبهم والتي بدورها خلقت حالة من السخط لدى الكثيرين من أبناء المجتمع والناشطين وبعض السياسيين في مقدمتهم ” سبارتاكوس” اليمن البرلمانى “القاضي أحمد سيف حاشد”، الغني عن التعريف من منا لا يعرف الرجل الذي كان و مازال في صف المسحوقين التي من خلالها شنت حملات إعلامية مسعورة من الإتهام بالخيانة والإرتزاق لأطراف معادية؛ نعم يمكنكم مراجعة التاريخ لمعرفة من هو حاشد، ومن هو المرتزق ذالك الشخص الذي يركب الباصات العامة للتنقل أم أولئك الذين يركبون السيارات الفارهة، وما نشهده حالات التضامن هذه إنما يعبر عن حالة السخط التي وصل إليها المعلمون بعد أن نفد صبرهم، فالمعلم و موظفو الدولة اليوم لا يجدون حتى تكاليف المواصلات التي ستوصلهم إلى مقرات عملهم ولا يجدون قوتهم وقوت أطفالهم.
أصيل ناجي
18/ 8 / 2023 م