سامية الاغبري
ذات يوم سألت جدتي :متى ولدت أمي؟
أجابت:لا أعلم ولكن هي ولدت سنة ولادة ثورة 26 سبتمبر.
تعبير الولادة هنا كان عفويا من جدتي الأمية ،لكنه عميق في معناه ، لم نفهمه ونستوعبه غير الان في سنوات الحرب وبعد سقوط البلاد بيد الإمامة الجديدة.
فثورة 26 سبتمبر كانت بالفعل ولادة وولادة يمن جديد ، يمن جمهوري لكل اليمنيين لا سادة فيه ولا عبيد ، ثورة ساوت بين كل ابناء الشعب، وبفضلها وصل رجل فلاح من اسرة فقيرة ، راع للأغنام إلى سدة الحكم، ولولا سبتمبر لظل الحكم حصرا على السلالة.
نعم اليمن ولدت من جديد بعد مخاض وولادة عسيرة ، ولادة سبقتها ولادات فاشلة قدمت فيها كثيرا من التضحيات لأجل أن نحيا أحرارا .
حينما كنا صغارا، و في قريتنا الصغيرة كان جدي وكل بيوت القرية والقرى المجاورة ليل 25 سبتمبر على أسطح المنازل يخلطون الرماد مع الجاز ” لا اتذكر لكن اظنه جاز” كان يعجن , ثم يشكل على كرات صغيرة ثم يضعونه على أطراف السطح يشعلونها ، القرية والقرى المجاورة تغرق في الظلام ثم فجأة تجيء شعلة سبتمبر وتبدده .
كنا أطفالا ،لم نكن وقتها نعي ان هذه هي شعلة الضوء التي بددت ظلام كل البلاد, شعلة التحرر والانعتاق من الحكم الإمامي الكهنوتي البغيض، لم نكن نعلم ان يمنيين ابطالا من كل البلاد شمالها وجنوبها ، شرقها وغربها قاموا بهذا الفعل العظيم ،و قدموا التضحيات الكبيرة من دمائهم وارواحهم لتنير لنا طريقنا الى الابد.
لم نكن نعلم انه لولا 26 سبتمبر لبقينا عبيدا للسلالة, لم نكن نعلم انه ايلول المجد والعزة والكرامة..ايلول الثورة والتحرر من الاستبداد.
كنا نفرح كثيرا, وكنا اخوالي و انا نبكي ونصرخ نريد ثيابا جديدة لانه عيد! اليوم التالي 26 سبتمبر نرتدي ملابس جديدة، ملابس اعياد مضت( اضحى وفطر) خبأتها جدتي للمناسبات.. و26 سبتمبر أغلى المناسبات وأعظمها.
كانت دموعنا تسيل دون علم منا لماذا ؟ لانستطيع تفسير وفهم تلك المشاعر التي تجتاحنا حين تصدح مكبرات الصوت في المدارس في القرى بالنشيد الوطني وبأغانٍ ثورية، ويرفع العلم ونحن نرفع رؤوسنا نحوه ، فرحا وشعور بالفخر نحن ابناء الثورة وجيلها
بكينا فرحا، واستمر البكاء، بيد ان بكاء اليوم مختلف بكاء( مر كطعم الحنظل ) بكاء منذ ان سقطت صنعاء وكل البلاد بيد الإمامة، نبكي انكسارنا ، و ضياع صنعاء منا و اليمن على يد عصابة طائفية ارهابية
نسأل أنفسنا :كيف ومتى أضعنا البلاد؟!
وكلما سأل أحد عن اليمن ، دون ارادتنا نبكي دما بدل الدموع.
وفي مناطق سيطرتهم هناك..
منبوذون وحيدون ككل عام يحيي الحو. ثيون منذ سيطرتهم على صنعاء ذكرى نكبتهم , ترافقهم سخرية الشعب ولعناته ، وبرغم معاناة اليمنيين إلا أنهم يحتفلون بذكرى ثورتهم المجيدة ، متجاهلين يوم نكبة 21سبتمبر وان ذكرت فمن باب التهكم والسخرية.
كل شبر في البلاد وخارجها، وحتى في مناطق سيطرة المليشيات ترفع شعارات وصور تبتهج بقدوم عيدهم الوطني؛ ولاتعي جماعة الحو. ثي او هي تعي ذلك جيدا؛ إن هذا الاحتفاء هو شكل من اشكال الرفض والمعارضة لسلطتها الارهابية.
نعم الإنقلاب أحيا روح الثورة في قلوب اليمنيين وانعش ذاكرتهم ، وبعد ان كان الاحتفاء باستعراض عسكري في ميدان السبعين اصبح احتفالا في كل بيت، في كل قرية ومدينة ،في السهول وفي الجبال
ليؤكد اليمنيون عبر هذه الاحتفالات ان لا ثورات ولا أعياد لديهم غير( 26 سبتمبر و14 اكتوبر و30 نوفمبر) وان الثورة باقية للأبد ،لا تستطيع نكبة طارئة زائلة، محوها من ذاكرة اليمنيين وتاريخهم.
اليمنيون الذين عرفوا معنى الحرية وذاقوا طعمها لن يعودوا لليل عبيدا.
ثورة لاتمحى بتغيير المناهج، وفرض الاحتفالات الدينية الطائفية على اليمنيين ، سنوات من التعبئة الاعلامية والدورات الثقافية الطائفية لم تغير شي، ولم تخلق الا مزيدا من الكراهية لجماعة الحوثي.
اعتقد الحوثيون ان هذه السنوات من محاولاتهم قد اثمرت !
هل يعقل ان تحتفل اليمن بيوم أسود في تاريخها ؟ أيمكن لشعب ان يحتفي بذكرى اسقطت فيه سلطة مهما كانت مساوئ تلك السلطة وفساد مؤسساتها، لتحل محلها عصابة ارهابية طائفية؟ هل سيحتفلون بعودة الإمامة ؟ التي سفكت دمائهم ،ونهبت ممتلكاتهم وشردتهم ودمرت بلدهم ومنازلهم وحولت مناطق سيطرتها الى مقابر وسجون لأبنائهم!
هل ستحتفل آلاف من أمهات المعتقلين وآلاف القتلى بمن ارتكب كل هذه الجرائم بحق ابنائهن؟
من ذاق مرارة القهر والظلم والتجويع والاذلال والطغيان والاستبداد الامامي هل سيحتفل بنكبة 21 سبتمبر !
يعلم الحوثيون ان كل ذرة تراب في البلد ترفضهم، ترفضهم جبالها وسهولها ،ووديانها ويعلمون انهم لايحظون بأي تأييد وان صمت الناس ليس قبولا بهم بل هو الخوف من بطشهم
هل انتهى الأمر هنا؟
قد يقول قائل وساخر إن احتفالاتنا بذكرى ثورة 26 سبتمبر هو تعبير عن الفشل، ومحاولة تعويض ماخسرناه باحتفالات لن تجد نفعا، بينما على أرض الواقع البلاد تبتلعها المليشيات ،وتعمل جاهدة لتمحو كل مايتعلق بثورة 26 سبتمبر وقيمها ومبادئها، ليس فقط في احتفالات بذكرى نكبة 21 سبتمبر ،واحتفالاتها الدينية بديل عن الاعياد الوطنية ولا بتغيير المناهج الدراسية بما يتناسب وعقيدتها الطائفية ؛أيضا هناك واقع أعاد الإمامة بأبشع صورة ، القهر والتجويع والاذلال ، وشعب صار رهينة بين يديها ،وسبتمبر اصبح مجرد شعارات وصور على مواقع التواصل الاجتماعي
هل هذا يعني ان ثورة 26 سبتمبر سقطت؟ بالطبع لا سقطت مدن لكن الثورة لم تسقط
الثورة باقية مابقيت رصاصة في بند.قية مقاو.م والجبهات تشهد، باقية في كلمة واغنية وريشة تقاوم المليشيات الطائفية ، باقية في (لا ) شجاعة من قلب صنعاء ، في تهكم الناس وسخريتهم من الطائفيين .
أي نعم سلبت منا البلاد ، لكن لم يسلب منا رفضنا وروح الثورة المقاوم للكهنوت.
ويوم لعله قريب ستنفجر صنعاء غضبا
فقط سقطت اقنعة كثير من المثقفين الذين شاركوا بإسقاط اليمن، ونظروا للإمامة الجديدة وكنموذج للمثقف الخائن ، مازلت كلما اقرا كلمات قصيدة عباس الديلمي (صباح الخير ياوطنا) اتساءل بيني وبين نفسي كيف كان يشعر لحظتها ؟ يبدو أنه كان في أصدق حالاته الوطنية حين كتب هذه القصيدة البديعة، والتي كنت ابكي وانا اسمعها بصوت الفنانين السوريين( أمل عرفة وفهد يكن)، كانت تنعش في داخلي كثير من مشاعر الحب لبلدي وطهر ترابه ، وسمرة جباهنا وشموخ جبالنا.
شخصيا لا أرى في الديلمي إلا مثالا للمثقف الانتهازي خائن الوطن والمبادئ التي تغنى بها شعرا ذات يوم .
كان يكتب وحتى وهو في حضن المؤتمر الشعبي العام( الحزب الحاكم )آنذاك لليمن بما فيها هذا النشيد، ثم تقزم أكثر واكثر حتى صار عباس الديلمي ( الديلمي) السلالي الطائفي ، استبدل اليمن الكبير بسلالته.
والتاريخ لاينسى ونحن أيضا
المجد والخلود لثوار ٢٦سبتمبر الأبطال
لأبطال فك الحصار عن صنعاء
لمن مازال يقاوم ولو بكلمة لا ..
من صفحة الكاتب على فيسبوك
*منشور سابق
#26سبتمبر