عبدالعزيز محمد الصبري
أتذكر عندما التقيت بـ فكري قاسم Fekry Kasim لأول مره في مقر صحيفة حديث المدينة التي يمتلكها فبراير 2011 م خلال أحداث ثورة الشباب كنت أعمل آنذاك مصورًا لدى إحدى القنوات التلفزيونية في تعز. كنت أعرف حينها الزميل وجدي السالمي والزميل أحمد شوقي أحمد والزميل سلمان الحميدي وهم يعملون في حديث المدينة كنت حينها بعد الانتهاء من تصوير المظاهرات والأحداث أذهب للمقيل في حديث المدينة
فقط كنت أذهب للمقيل لا أكثر من ذلك.
كنت قد عرفت فكري قاسم من خلال قراءتي لمقالاته الساخرة في صحيفة الجمهورية وصحيفة حديث المدينة التي يملكها خلال السنوات السابقة ماقبل عام 2011 عندما كنت أذهب إلى كشك الجامعة أمام جامعة صنعاء لشراء جميع الصحف الورقية اليومية و الأسبوعية لوالدي رحمه الله، كنت أصل إلى ديوان والدي وأبدأ بتقليب أوراق الصحف لأبحث عن مقالات فكري قاسم ورسومات رشاد السامعي في صحيفة الجمهورية ، كانت أكثر المقالات تجذبني للقراءة.
كان فكري قاسم شخصية مألوفة لدي منذ زمن كنت أقرأ مقالاته ، ودائما ابتسم على بساطة كتابته و سخريته وثقافته وجرأته كان ينتقد السلطة والفساد بأسلوب فكاهي ولاذع.
وعندما جاءت الفرصة وبدأت بالتردد على مقر صحيفة حديث المدينة، عرفت فكري مباشرة وعن قرب أتذكر أن الزميل احمد شوقي قام بتقديمي لفكري قاسم: “هذا عبدالعزيز ابن الأستاذ محمد يحيى الصبري”. استقبلني فكري بحفاوة تقديرًا لوالدي نهض فكري من مدكئه ومد يده لي، وقال بابتسامة: “أهلا وسهلا بك، يا ابن الصديق العزيز
قال : والدك صديقًا لي وأحبه كثيرًا وعلاقتي به كبيرة”. شعرت بحفاوة هذا التعارف مع فكري قاسم وهو المالك لصحيفة حديث المدينة والكاتب الكبير.
كنت يوميا انضم إلى ديوان الصحيفة و ألوك أغصان القات لساعات طويلة منهمكًا في تخزينتي وأوراق القات دون عمل، فقط أقضي ساعات النهار وحتى ساعات الليل المتأخرة في الصحيفة أراقب الشباب كيف يعملون كخلية نحل: أحمد شوقي ووجدي السالمي وسلمان الحميدي. وتعرفت أيضًا على الأستاذ عزالدين عبدالحق الصلوي وموسى الصلوي.و.آخرين..
بعدها بأيام وفي إحدى الليالي، كانت ليلة العمل على إصدار عدد الصحيفة الأسبوعي ، والجميع منهمكًا في أعماله بالأخبار والتقارير والمواد الصحفية، وأنا منهمكًا في نشوة التخزينة، وكما يناديني فكري… بالصبري المُبحشم، التفت لي فكري وهو يدخن سيجارته الفاخرة مارلبورو . وكنت أنا قد بدأت بالتدخين بسرية من سيجارة وجدي السالمي التي كان يدخنها روثمان أبيض 😅 وحتى اليوم مازلت ادخنها.
فكري متحدثً “يا صبري، إيش فيك؟ ما تجيب لنا صور المظاهرات وتكتب لنا معلومات وأخبار عن المظاهرات والأحداث الدائرة؟” شعرت بالارتباك وسألت نفسي: كيف لي أن أكتب أخبارًا وأنا لا أعرف كيف تُكتب وتصاغ الأخبار؟ أنا فقط مصور تلفزيوني وفوتوغرافي.
يستمر فكري بالحديث: البحشامة حقك هذي تعمل صفحتين قوم امسك لك ورقة وقلم واكتب لنا معلومات عن المظاهرات: ما هي الشعارات التي تم ترديدها؟ وأين كانت المظاهرات؟ وإلى أين انطلقت؟ وهل حدثت مواجهات أو قمع للمظاهرات؟” كانت الفكرة في البداية ثقيلة ، وبنفس الوقت شعرت بالحماس مع نصائح وجهها لي الزملاء وجدي وأحمد شوقي الذين بدءوا بتعليمي صياغة الأخبار. وكانت عندي خلفية لابأس فيها فقد كنت أقوم بقراءة الصحف والمجلات التي اشتريها يوميا لوالدي واتابع الأخبار فيها. شعرت برغبة أنني أستطيع الكتابة، وبدأت أكتب على الورق معلومات عن المظاهرات كنت أقضي أسبوعًا كاملًا في رصد عدد القتلى والجرحى من المتظاهرين، ونقل صور المظاهرات إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بزميلي وجدي السالمي، الذي كان يختار بعضها لنشرها في الصفحة الأولى لصحيفة حديث المدينة، مع عناوين بارزة تبرز حجم الثورة. كان اسمي يظهر تحت كل صورة، مما كان يمنحني شعورًا بالفخر والإنجاز
كنت أشعر أنني دخلت عالم الصحافة الورقية، وأنني أصبحت مصورًا محترفًا، على عكس تجربتي في تصوير الفيديو بالتقارير التلفزيونية للقنوات التي لا تذكر اسم المصور كان المصور في هذه الحالة جنديًا مجهولًا.
كانت هذه خطواتي الأولى في دخول عالم الصحافة وكتابة الأخبار او بالأصح دخول عالم” الحنبات” وكما يقول دائما فكري قاسم ( الصحافة أكبر حنبة) ، بدأت أشعر أن مقر صحيفة حديث المدينة هو مكان عملي الجديد، وكنت أحضر إليه يوميًا.
كان فكري قاسم يذهب بعد إصدار كل عدد من الصحيفة إلى وادي صالة للمقيل مع زملائه، وكان يدعوني معهم. كان ذلك تغييرًا جميلًا في الجو والضحك وسماع الاغاني أتذكر أننا التقطنا بعض الصور حينها، وسأشاركها معكم هنا…
لم تستمر الأعمال في صحيفة حديث المدينة طويلًا. ففي مايو عام 2011، تم اقتحام ساحة الحرية من قبل قوات الأمن وإشعال النار فيها. أتذكر أنني ذهبت في ليلة الاقتحام حوالي الساعة 12 مساءً إلى مقر الصحيفة، فوجدت وجدي السالمي وأحمد شوقي في حالة من القلق. سألوني عن الأوضاع في ساحة الحرية، وإذا ما كان قد تم اقتحامها. أخبرتهم أن قوات الأمن بدأت فعلًا باقتحام الساحة، وأن هناك انتشارًا أمنيًّا كبيرًّا في شوارع المدينة.
نسخوا الصور التي التقطتها، وأعطيتهم بعض المعلومات بقينا نتحدث لمدة نصف ساعة لم يكن فكري قاسم موجودًا، لكنهم أخبروني أنه يجب عليَّ مغادرة الصحيفة لأسباب أمنية. غادرت الصحيفة، ولم ألتقِ بهم بعد ذلك. لكني كنت على تواصل دائم مع وجدي، وشوقي حتى تم إيقاف إصدار الصحيفة.
استمرت علاقتي بفكري قاسم لاكثر من عشر سنوات من خلال التواصل المستمر و اللقاءات المتكرره والمتابعة لكتابته على صفحته ألفيسبوك كانت الحرب اللعينة سبباً لغياب فكري عنا لاكثر من ثلاث سنوات تقريبا عرفنا بعد ذلك أنه في مرحلة غياب لأسباب صحية نفسية و لأن فكري الإنسان والكاتب الساخر البسيط لا يستطيع أن يعيش وسط الحرب أختار الاختفاء والوحده ليعود لنا مجددا بكتاب الحنبات #حنبات فكري قاسم كتاب قصص ساخرة في تفاصيل واقع حياتنا جميعا حنبات الحياة التي نواجهها باستمرار.
هذا هو فكري قاسم احد الكتاب النادرين الذين يجمعون بين الجرأة والتأثير في نفس الوقت المتميز في كتابة مقالات تلامس وجدان القارئ، وتثير فيه التساؤلات وهذا يعطيه مكانة بارزة في مجال الصحافة والإعلام اليمني.
و هكذا ارتبط مشوار حياتي الصحفية بفكري قاسم ببساطته و بأسلوبه الساخر والجريء في الكتابة والاحتواء.
في الختام، أقول إن فكري قاسم الكاتب والصحفي الإنسان هو الذي نحبه ويحبنا صديقنا واستاذنا.
أود أن أشكر فكري قاسم ، وسأظل دائمًا ممتنًا له على كل شيئ لكل حرف كتبه واستمتعنا بقرائته
وعلى الحنيبة الي أحنبنا فيها.
من صفحة الكاتب على فيسبوك