قصيدة رائعة لشاعر الثورة الوالد/ صالح سحلول “رحمه الله” في مولد الثائر الأول على الجهل والفساد والظلم والاستبداد الثائر الأعظم محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. قالها بمناسبة المولد النبوي الشريف
ربيع الأولى 1405 هجرية
لك الحمد ثم الشكر يا بارئ النَّسَم
ويا مُنبت الحَبَّه ويا فالق النواه
عدد كل لمحة عين منذ أقدم القِدَم
من الدهر إلى يوم انقراضه ومنتهاه
شكرته على الإسلام وهو أكبر النعم
وبعثة نبينا المصطفى خاتم انبياه
بشهر ربيع أول وُلِدْ سيد الأُمم
محمد عليه أزكى التحيات والصلاه
محمد حبيبي سيد العرب والعجم
وُلِدْ عام غزو الفيل والموت للغُزاه
نبي أَدَّبُه مولاه ذو الفضل والكرم
وهَّذب صفاته خالق الخلق واجتباه
فلِلَّه من مولود كم حاز من عِظَم
فخير الخُلُقْ خُلُقَه وخير التُّقَى تُقَاه
أتى والبشر في جهل مطبق وفي ظُلَم
وفي رق واستعباد تندى له الجباه
أتى والبريه أكلها ميتة ودم
وتذبح لغير الله وتسجد لما سواه
أتى والعرب من جهلها تعبد الصنم
وتقتل إناث أطفالها وامصيبتاه
إذا ما أتت للوالد البنت فانكظم
واسْوَدَّ وجْهُه من غمومه ومن غثاه
أتى والنساء في مجتمع يهتك الحُرُم
وباغي على فعل البِغَى يُكْرِه الفتاه
أتى والفقير في مجتمع بالربا ارتطم
فلا يقرض البائس ولا يخرج الزكاه
ولا يعرف القربى ولا يوصل الرَّحم
ولا يرحم الميسور أُمَّه ولا أباه
أتى ينقذ المظلوم من جور من ظلم
ومن جولة الباطل ومن سطوة الطغاه
أتى يمحو الداء الخطير الذي جثم
على الروس واستشرى ولم يوجدوا دواه
أتى يبعث الأخلاق للناس والقيم
ويتلو كتاب الله ويحكم بمقتضاه
أتاهم رسول الله بتشريع مُنْتَظِم
يُنَظِّم أمور الناس في هذه الحياه
ولكن كمّن مشرك أعمى الفؤاد أصم
كفر به وكذَّب به ولم يسمعوا نداه
وقد جاءت الأشجار تسعى بلا قدم
إلى سيد الخلق الذي ربه اصطفاه
كما جا إليه البدر فانشق وانقسم
وشافوا بأعينهم دخوله إلى كساه
ومن كفّه الماء فاض كُلّين منه عم
كما سَبَّحَت لله في كفِّه الحصاه
وشاة أم معبد مسَّهَا واللَّبَن عَدَم
فسال اللَّبن كالماء من ضرع خير شاه
ودسَّ العدو السُّم في اللحم والدسم
فصاح الذراع وأخبر محمد بما احتواه
ولكن أهل الشرك قد كالوا التُّهَم
إلى من يُسَمُّوه اليتيم راعي الشياه
وكم خطط ابليس المكايد وكم رسم
لهم من مخطط هو وحزبه وأولياه
وهيهات كم عادوه أمثال أبا الحكم
وكم بالغوا في إضطهاده وفي أذاه
وكم نازعوه الفخر والمجد والشمم
فلم يستطيعوا قومه النيل من عُلاه
وكم ناصبوه المشركين العدا وكم
وكم عاندوه أبناء عمه وأقرباه
وقالوا: أيشتم ديننا راعي الغنم
وينكر قداسة ديننا واخسارتاه
وقالوا وهم في منتهى السُّكر والتخم
أنؤمن بساحر يجعل الآلهة إله
أمجنون يساوي سادة القوم بالخدم
ويفرض على أموالنا حقّ للعُراه
فَأُنْزِل على خير الورى (نون والقلم)
وما يسطرون ما هو بمجنون يا بُغَاه
نصلّي جميعاً من كل قلبٍ وكل فم
على خير مبعوث عطَّر الكون من شذاه
أتاهم كتاب الله بالحُكْمِ والحِكَم
ومن حقدهم قالوا محمد ذي افتراه
وقالوا أساطير اكتتبها فلا ولم
نُصَدِّق ولن نؤمن بها وامحمداه
كما قالوا اللهم يا منزل النعم
إذا كان هذا الحق قد جاء من سماه
فأمطر علينا أحجار أو انزل بنا الألم
ولم يؤمنوا بالحق أو يطلبوا هُدَاه
فهم يجحدوا رَبَّاً خلقهم من العدم
وهم يعبدوا تمثال يُنحت من الصفاه
فيا للعجب من قوم تعبد إله أصم
من الصخر أو الطين كل واحد حسب هواه
وَأَوَّل من آمن من ذوي العزم والهمم
أبو بكر رضي الله عنه وارتضاه
وآمن من الصبيان من قبل ما احتلم
علي طَيِّب اللَّهُم يا ربنا ثراه
وأما العبيد فالعبد ذي فاز بالرقم
بلال الذي نادى بحيا على الصلاه
وكم عذبه مولاه أميه بن خلف وكم
لحتى أبو بكر أنقذه عندما اشتراه
وأول من آمن من نساء الحل والحرم
خديجه وكانت للنبي أول نساه
أحبت محمد رغم من سب أو شتم
وكانت تشارك في همومه وفي سلاه
وواست محمد حينما الغير له حرم
وطاعت محمد حينما غيرها عصاه
وكانوا يسموه الأمين صادق الكلم
لما يعرفوا من صدق قوله ومن وفاه
وكانوا يعادونه بدافع من النقم
وكانوا يمارونه على كل ما يراه
وأهل الكتاب منهم من آمن بما حكم
محمد ومنهم من سخر منه وازدراه
وكم حبر منهم أنكر الحق أو كتم
وهم يعلموا صدقه وصدق الذي أتاه
فإسمه في التوراة ناراً على علم
محمد رسول الله وعبده ومجتباه
نعم يا محمد يا حبيبي مائة نعم
بأنك قد أبلغت الرساله إلى العُصاه
ولا شكّ في أمرك ولا أنت مُتَّهَم
ولا لبس فيما جئتهم به ولا اشتباه
فقد جئت بالحق القويم الذي قصم
ظهور الطُّغاة المستبدين والعُتَاه
ولكِنَّه الباري على سمعهم ختم
وأعمى قلوب وابصار أولئك الجُناه
فلم يستمع من كان في أذنه الصمم
ولم يستحِ من ربنا قد نزع حياه
وليلة أسرى به من المسجد الحرم
إلى مسجد القدس أخبر القوم عن سُراه
وقد كذبوه كفار مَكَّه وما احترم
كلامه وصدق غير أبي بكر لا سواه
فأنزل عليه (وَالْنَّجْم) نوعاً من القسم
ما ضل صاحبكم وما كان في غواه
وهيهات كم عانى من الهم والهدم
وكم دبروا قتله وكم حاولوا فناه
وكم حاولوا يغروه بالمال والنعم
لكي يترك أمر الدين ويرتاح من عناه
فأقسم لهم بالله ما يتركه ولم
ولن يتركه لو وضعوا الشمس في يداه
وقد زادهم هذا القسم غَمّ فوق غم
كما حس أبا جهل أنها تحترق شواه
وقد قرر الشيطان على حد ما زعم
حصار النبي حتى يموت هو ومن معاه
يريدون أن يثنوه بالجوع والسقم
فصمم ولم يُثنيه جوعه ولا ظماه
نصلي على أشرف وأفضل من اعتمم
ومن بالعمامه جاد للسائل إذ أتاه
تكفَّل به الرب الذي يبعث الرمم
وأرسل إليه من ساق قوته ومن سقاه
وأخفق حصار من لا ضمائر ولا ذمم
لهم ما أحد من حزب إبليس بلغ مُناه
وتَبَّتْ يَدَا عَمّه أبا النار والحطم
فهو شر من عادى محمد ومن شناه
وأما أبا طالب فقد كان نعم عم
أعان النبي حتى أتى الموت فانتهاه
ولما انتهى عمه أبا طالب اغتنم
أبا جهل وأعداء النبي فرصة الوفاه
وقد ضايقوه القوم عبادة الصنم
كما حاولوا قتله عليه أفضل الصلاه
ولكن رب الملك من كيدهم عصم
محمد حبيب الله ومن شرهم وقاه
ولما يئس واستاء من قومه الزِّيَم
نوى العزم إلى الطايف لتنفيذ ما نواه
ويعزم إلى الطائف لماذا ترى عزم
ليطلب ثقيف عونه ونصره على عُداه
وقد قابلوه بالرَّجْم حتى أدموا القدم
وقاموا بطرده بعد أن خيبوا رجاه
أَيُرْجَم نبيُّ الله يا ويل من رجم
محمد ومن عادى محمد أو اعتداه
ويأبى النبي أن تُطْبَق الأخشبين ولم
نراه يدعو إلا ما عرفناه من دُعَاه
أبى أنها تطبق على أعدائه القمم
عسى ربهم أن يهدي أنجالهم عساه
عليك صلاة الله يا خير من كظم
لغيظه ولم يدعو على قومه الجُفاه
تسامح ولم يحقد عليهم ولا صرم
حبال القرابة من وفائه ومن صفاه
ولما أُمِر بالهجرة المصطفى التزم
بتنفيذ أمر الله راضي بما قضاه
وقد دبَّروا قتله وحَطُّوا له الرَّسَم
فقاموا على بابه بيقظه وانتباه
وقد بات على فرشه مُجَلِّي لكل هم
علي بن أبي طالب وبالروح افتداه
وأَدَّى الأمانه لهلها بعد ما استلم
جميع الأماين حينما المصطفى ارتضاه
علي فارس الفرسان إذا الفيلق التحم
جميع العدى تخشى وترتاع من لقاه
فكم من شُجاع أفنى وكم من أسد هزم
وكم من بطل قد ألبسه ثوب من دماه
وسار النبي من بين حُرَّاسهم سلم
ومن خدعة الكفار كتب له النجاه
تلا آيه أعماهم بها عندما عزم
وحثَّ التراب فيهم كما قالوا الرُّواه
توكَّل على الخالق وبالخالق اعتصم
وقادة قريش المشركين جارين وراه
ولما خشيهم هو وابوبكر اعتزم
دخوله إلى الغار والحمام اقتفين خُطاه
فسبحان من أعمى الفريق الذي هجم
وأدخل محمد هو وابوبكر في حماه
ولله جُنْد من عناكب ومن حَمَام
تدافع بأمره عن نبيه ومصطفاه
ويرحل محمد رحلة الحزن والألم
ومهما تكن بلوى بها ربه ابتلاه
فقد كانت الهجره إلى يثرب الكرم
بداية نهايه للطواغيت والطغاه
ونقطة تَحَوُّل من مُهِمَّه إلى الأَهَم
وتغيير جذري عام في كل اتجاه
ولما وصل استقبلوه كل محترم
من الأوس والخزرج ومن ربنا هداه
وقد أنشدوا أبياتهم حلوة النغم
كترحيب بالداعي الكريم أفضل الدُّعاه
نصلي على خير الورى سيد الأمم
محمد رسول الله أرواحنا فداه
وآوى إلى قوم فيهم المَدِّ واللَّزَم
فآووا محمد بينهم وأحسنوا قِرَاه
وكم جاهدوا الكفار في السهل والأكم
محمد وأصحابه وأنصاره الأُباه
كأن الصحابه والنبي سيل من حمم
إذا ما عدوا في الحرب لا سيل من مياه
صرير القنا والنبل كالرعد إذا زحم
وبرق الصوارم يخطف أبصار من رآه
وكان النبي فيهم هو الشاجع الأشم
هو القائد الملهم هو البحر في عطاه
تَفِرُّ الأعادي منه في الحرب كالرُّخم
إذا ما النبي للسيف من غمده انتضاه
لقد كان قائد رابط الجأش إذا اقتحم
فَذَلَّت له الفُرسان وارتاعت المُشاه
وفي معركة بدر أخفق الشرك وانهزم
وجيش الطغاة أحجم قفا ما طغى وتاه
وكانوا الأعادي عندما الفيلق ازدحم
يريدوا يعَشّوا بالنبي فأصبحوا غداه
وهو كان يبصرهم قليل حينما ينم
لكي يقضي الله أمر في الغيب قد قضاه
وقد صار هذا النصر والمكسب الزَّخم
يزيد النبي قوة أُضِيْفَتْ إلى قواه
وما أحرزه من نصر في بدر واغتنم
رفع من مكانه واقتصاده ومستواه
وقد ضاقت الدنيا وعم الفزع وطم
بأعدا النبي والله أنزل بهم بلاه
رماهم رسول الله بقبضه من الحصم
فلم يبق منهم شخص إلا أدركه عماه
وعادوا إلى مَكَّه وهم مثلما الدِّمَم
وما فاد عتبه كبريائه ولا غناه
وهل كان أبو سفيان يعلم بما نجم
وما كان من قتل أقربائه وأصدقاه
ومن بينهم عتبه وشيبه واباالحكم
وعقبه وابنه حنظله هو وعمرو أخاه
لقد عاد إلى مكه وبالواقع اصطدم
وما زاد فَكّر في مبيعه ولا شراه
ليبكي أبو سفيان دمع امتزج (بدم)
ونسوان أهل الشرك يبكين من بكاه
وزوجة أبي سفيان وحمالة الحزم(1)
يقولين واخزوة قريش وافضيحتاه
ولم يسمع العُزَّى بكاهم ولا الندم
خزا اللات والعزى ومن يعبده خزاه
ويمضي محمد يدعو العرب والعجم
إلى الله حتى الفتح والانتصار جاه
ولما انتصر والشرك في مكه انعدم
عفا عن جميع من خالف أمره ومن جفاه
وقال أنتم الطلقاء ولا منهم انتقم
ولا عاقب أي إنسان منهم ولا نفاه
فمن مثل هذا الطيب الطاهر العلم
ومن في البريه كلها يمتلك سخاه
فجود السما والبر والبحر من كرم
محمد ونور الشمس والبدر من سناه
ومَاظُنّ أحد قد حاز ما حاز من شيم
ولا ابن أنثى قد حوى ما النبي حواه
إذا كان شداد ابن عاد قد بنى إرم
فهي لا تساوي شيء مِمَّا النبي بناه
وفرعون إذا ما قيل أنه بنى الهرم
فهذا محمد قد بنى الدين والحياه
فكم من ديانات ركنها انهار وانهدم
وما انهار ركن الحج والصوم والزكاه
نبياً به الرحمن للأنبياء اختتم
وَحَبَّهْ وَرَحَّبْ به وزاده شرف وجاه
ومن ذاك مثله ورَّمَت أرجله وَرَم
نعم وَرَّمَتْ من طول ما قام في الصلاه
ومن ذاك مثله كابد الجوع واحتزم
على الصخر في بطنه من الجوع ذي طواه
ومن ذاك أوفى منه بالعهد والذمم
ومن ذاك أصدق منه في كل ما حكاه
ومن ذاك أثبت منه إذا الخطب ادْلَهَمّ
ومن ذاك أصوب منه في الرأي إذا رآه
ومن ذاك أصبر منه إذا الكرب به ألم
ومن ذاك أشكر منه إذا ما الفَرَجْ أتاه
ومن ذاك أعدل منه في الحكم إذا جزم
فهو سيد الحكام وهو قاضي القضاه
لقد طبق الإنصاف والعدل إذ حكم
بنفسه على نفسه وهو طفل في صباه
رضع من حليمه ثدي إلى وقت ما انفطم
ولم يقرب الثدي الذي يرضعه أخاه
وكان النبي في العلم هو قمة القمم
وكالأنبياء والرسل معصوم عن خطاه
وكان النبي يقنع بما ربنا قسم
إذا احتار في أمرين أولى اليسير رضاه
كما كان يصفح عن خصيمه إذا اختصم
ويعفو عن المخطي وعن كل من هجاه
فقد قيل له يابن الذبيحين فابتسم
ولم يغضبه معنى الخصيم الذي عناه
ألا يا شفيع الخلق اشفع لمن نظم
قصيده بها من خالقه يبتغي جزاه
مُحبك أسير الوزر والذنب واللَّمم
وبين الرجاء والخوف ممَّا جنت يداه
وأخشى من العثره ومن زَلَّة القدم
ومن يوم كل إنسان يُجْزَى بما جناه
إلهي بفضل العرش واللَّوح والقلم
تجير العباد في ذلك اليوم من لظاه
وفي ختمها صلوا على سيد الأُمم
محمد عليه أزكى التحيات والصلاه
صلاتي وتسليمي عدد أحرف الختم
على المصطفى والآل والتابعين هداه
* * *