ضع اعلانك هنا

الرواية والمرأة والحرب “سبع نساء ونصف” في مجابهة القسوة

الرواية والمرأة والحرب

“سبع نساء ونصف” في مجابهة القسوة

 

بلال قائد

 

 

 

المتتبع لحالة السرد بأقلام نسائية في اليمن اليوم، سيجد أسماء جديدة تنتمي للجيل الألفيني، حاضرة في المشهد الروائي، في وقت توارت أصوات سابقة حسبت على المشهدين الثمانيني أو التسعيني ولم يبقَ منها إلا الروائيتان نبيلة الزبير ونادية الكوكباني.

 

الكاتبات الألفينيات كتبن عن المهمل في المجتمع اليمني وقضاياه، وقضايا المرأة على وجه الخصوص، ومنهن من كتبن روايات تتدرج جودتها بفعل الخبرة والثقافة.

 

سمية طه(*) من الأصوات الجديدة، وتناولت كتاباتها السردية شؤونَ المرأة من زوايا متعددة كما هو في كتاب “امرأة ظل الياسمينة” الذي عبرت فيه نيابة عن المجتمع، من خلال ثلاثين نصًّا أدبيًّا، ورواية “المشرحة” التي تناولت فيها قضية محمد آدم الشهيرة، وكيف ألقت بظلالها على تعليم المرأة في حينها من خلال بطلة الرواية، وأخيرًا رواية “سبع نساء ونصف” محط تناولنا هذا.

 

الثيمة الرئيسية لهذا العمل هي الحرب، وتجسّدت من خلال سبع قصص، بطلاتها النساء، زاوجت فيها بين الحب والحياة والمرأة والسياسة والقوة والظلم والحرية.

 

سأكتفي في هذه المقاربة بقراءة الرواية من جانبها الاجتماعي، مسترشدًا بما قاله عبدالوهاب شعلان في كتابه “المنهج الاجتماعي وتحولاته”:

 

“تنحصر وظيفة الروائي في بثّ الوعي في صفوف الجماهير، ونقل همومها الطبقية نقلًا أمينًا صادقًا، والانتصار غير المشروط لقضاياها”.

 

سميه طه في رواية “سبع نساء ونصف” خاضت في الجوانب الحياتية التي تعيشها اليمنية، في محاولةٍ منها للفت الانتباه لهذه القضايا المغيبة، والتي زادتها الحرب إهمالًا، وأن تنقل، في الوقت ذاته، التجاربَ الإنسانية، الحية والمعقدة، التي مرّت بها بطلات العمل بصورة فنية.

 

الرواية

 

صدرت الرواية عن دار نشر “مدارك”، في العام 2019م- المملكة العربية السعودية، ومخطوطة الرواية فازت بإحدى منح الإنتاج الأدبي، التي يقدمها المورد الثقافي لمن هم تحت سن الخامسة والثلاثين.

 

تناولت الرواية، التي تقع في 235 صفحة، عبر مقدمة وسبع قصص منفصلة متصلة لسبع من النساء وطفلة، العوالمَ المعقدة والشخصيات التي وجدت نفسها في مواجهة المسؤولية المفاجئة التي أفرزتها الحرب عبر التفاصيل التي تمر بها المرأة من خلال الشخصيات التي رسمتها الكاتبة، رغم أن المؤلفة تذكر في بداية روايتها عبر الإهداء أنها تشكر الشخصيات الحقيقية التي استطاعت أن تصل لهن، لتطلق عبرهن صيحاتهن التي يتجاهلها المجتمع، في ظل مآسي الحرب التي طغت على كل صوت.

 

“لا تصنع النساء قرارات الحرب، ولا يتخذنها، لكنهن مجبرات دائمًا على عيش تفاصيل الحروب، وتحمل آثارها إلى أسفل قاع ركام حجارة منازلهن المهدمة على رؤوسهن، وبعد انتهاء القتال يحملن مسؤولية بث الحياة واستعادة صيرورتها”. (من المقدمة)

 

استكشاف

 

تستكشف الكاتبة في عملها الروائي، مجموعةً متنوعة من النساء، وتعرض قصصهن المتشابكة وتفاعلاتهن في سياق اجتماعي معقد، حيث تتنوع هذه الشخصيات من حيث العمر والثقافة والخلفية الاجتماعية، وتتميز كلٌّ منهن بصوتها المنفرد، ومن خلاله تستعرض الظلم الواقع عليها في ظل مجتمع لا قيمة فيه للمرأة في كثير من الأحوال.

 

تحاول الرواية من خلال الأحداث، أن تشد انتباه القارئ، بداية من الإهداء الذي يعطيه ملمحًا بأن القصص حقيقية. تعتمد الكاتبة على الحكاية المتعددة والتناوب بين وجهات نظر الشخصيات النسائية، لتروي الأحداث بشكل متناغم ومثير للاهتمام. وفي كل قصة تتحول الأحداث لتكشف عن مدى هشاشة المجتمع من خلال التناقض الصارخ بين ما يقوله أبناؤه وبين ما يعملونه، واستعداده بالتضحية بالمرأة في سبيل مصالح الرجال. حيث تظل المرأة هي الضحية في ظل تخلي حتى الأهل عنها بشكل إرادي أو لا إرادي من خلال الاندفاع مع طرفي الحرب، بغض النظر عن مبررات كل طرف.

 

من خلال تناول قضايا مثل العنف الأسري والعلاقات الزوجية والزواج المبكر والصراعات، تستعرض الرواية قضايا اجتماعية هامة وتطرح أسئلة حول أسباب الحرب، ولماذا كُتب على المرأة أن تتحمل كافة نتائجها مع أنها ليست أحد أسباب اندلاعها. الكاتبة خاضت في الانفعالات النفسية للشخصيات، ورسمت صورًا واقعية لصراعاتهن الداخلية، وحاولت فهم التفاعلات المعقدة بينهن، لكنها في مواضع مختلفة أخفقت في إيصال مشاعرهن بشكل غير مشوش.

 

أحد أهم نقاط الرواية هو طابعها النمطي والمألوف. فنجد أنّ الشخصيات النسائية في الرواية تتمثل في الصور الأكثر تعميمًا للمرأة اليمنية خاصة، والعربية بشكل عام، فمن خلال الشخصيات سنجدهن مستسلمات لقدرهن ويرضخن رضوخًا تامًّا من دون حتى الوقوف في وجه ما فرض عليهن. فمهما كانت هذه الصور قوية ومؤثرة في ذاتها، إلا أنها لا تستطيع التمثيل الدقيق لتجربة النساء اليمنيات بأكملها بسبب توجهها العام والمعتمد على البساطة والتلقائية.

 

البناء السردي في الرواية غير متشابك وغير منظم، فهو ينطلق على نحو غير متناسق في أغلب القصص. التي لا يجمع بينها إلا ثيمة الحرب والمرأة، لأنّ كل قصة منفصلة تمامًا عن الأخرى، وهذا قد يؤدّي إلى إحباط القراء. فتدوين الأحداث والحكايات بشكل منفصل ومتقطع يعكس أنّ الرواية كُتبت بشكل مستعجل.

 

“ينخرط الرجال في الحرب، يموتون أو يُجرحون، فتتحمل النساء جميع التبعات، ويصبحن أرامل ومسؤولات عن رعاية معاقي الحرب منهم، ومضطرات للخروج لطلب الرزق”. (من المقدمة)

 

ثنائية الحرب والمرأة

 

“سبع نساء ونصف” رواية اجتماعية تتخذ ثنائية الحرب والمرأة ثيمة أساسية تروي من خلالهما معاناة المرأة داخل اليمن، وتضع نفسها في مواجهة مفتوحة مع قسوة المجتمع والسلطة وأمراء الحرب.

 

وتتيح الرواية للمتلقي فرصة لاستكشاف قضايا اجتماعية هامة والتأمل في الظروف والصعوبات التي تنشأ بفعل الحرب والعلاقات الإنسانية والتحديات التي تواجهها المرأة في حياتها، مثل الاختفاء القسري للأبناء والأزواج، حيث تشير إلى الثقب الأسود الذي ينشأ مع الحرب، والذي بسببه يختفي الأبناء والأزواج والآباء، وتأثيره على النساء والأطفال. من خلال شخصية “لمياء” التي يُختطف زوجها ليلة عرسه من قبل أحد أذرع طرفي الحرب، لتعمل المستحيل حتى تجده. ولكنها لا تجده إلا وهو في الرمق الأخير للحياة، بسبب التعذيب الذي تعرض له، فيموت بين يديها. مرورًا بالعذاب النفسي الذي يصيب الزوجة عند اختفاء زوجها، وصعوبة إيجاده بسبب يبرر للحرب، والذي يبيح للأطراف التنكيل باليمنيين دون رادعٍ من ضمير أو قانون.

 

تناولت الرواية أيضًا قضايا العلاقات الزوجية وتعقيداتها، من خلال شخصية تغريد التي يعود زوجها من إحدى جبهات القتال محملًا بعاهة نفسية يسقطها عليها وعلى أولادها من خلال تعذيبها وتعذيب الأطفال بشتى أنواع العذاب، فتحاول الهروب إلى قرية أهلها الذين يستقبلونها بشكل سيئ، وفي ظل ظروف الحرب والوضع الاقتصادي الذي عصف بالأسرة اليمنية، فيرغمونها على العودة إلى الجحيم من جديدة، وفي أذنها تلعلع العبارة “المرة ما لها إلا بيت زوجها وإلا قبرها”.

 

كما تستكشف الرواية مسألة الهوية الشخصية والقوة الذاتية من خلال “أمي ريحانة”؛ الأم التي هجرها أولادها بالسفر إلى الخارج هروبًا من الحرب وخوفًا على أطفالهم ولعيش حياة كريمة.

 

تبقى الأم ريحانة متمسكة بحلمها (المنزل) الذي كافحت عقودًا مع زوجها المرحوم لبنائه حجرًا حجرًا، ومن خلال تمسكها بالمنزل، إنما تتمسك بهويتها وبمجتمعها الصغير التي تعودت عليه، “ماتت أمي ريحانة، بصمت في بيتها، مثل شجرة قديمة ثابتة الجذور، بانتظار نهاية الحرب وعودة أبنائها”.

 

وترصد الرواية صورة للعادات والتقاليد (الزواج المبكر) التي تواجهها الفتيات في مجتمعاتهن، بما في ذلك التمييز والتحيز الاجتماعي والقيود الثقافية والتقاليد. حيث تعرض الرواية تأثير هذه العادات والتقاليد من خلال شخصية “هاجر” ذات الأعوام الثمانية حين تزوجت بابن عمها. تمر الأحداث على طبيعة العلاقات الاجتماعية، وتبين أنّ الفتاة لا تملك إلا الانصياع للأسرة، حين تقرر مصيرها حتى لو كان في هذا الاختيار هلاكها.

 

وتتقاطع الأحداث مع عبيد “زوجها” وهروبه من الحرب، ليذهب للعيش في أحد المخيمات مع هاجر، خوفًا عليها وعلى أبنائه من الموت تحت القصف متحملًا نظرة أشقائه وأبيه السلبية وتحقيره، وعدم إعطائه إرثه بعد موت أبيه إلا بشرط تنازله مقابل مبلغ زهيد في استغلال حاجته لعيش حياة كريمة، وحتى لا تعيش أسرته حياة التشرد.

 

إلى جانب أنّ الرواية تناقش مشكلة التضحية التي تواجهها النساء في محاولتهن لتحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية. وذلك من خلال شخصية سارة، التي هاجرت مع اندلاع الحرب مع زوجها إلى إحدى الدول الآسيوية، فمن خلالها تستكشف محاولتها للوقوف بجانب زوجها، بأن تساعده في العمل لتحمل نفقات الحياة، ليهجرها زوجها في الغربة، وهي حامل. تستكشف الرواية التحديات التي تواجه سارة في مواجهة الضغوط المهنية والمطالب الشخصية، وكيف تحاول تحقيق توازنها في ظل غربة أُجبرت عليها.

 

ختامًا

 

تعاني رواية “سبع نساء ونصف” من بعض الخلل في سرد القصص وفي تمثيل الشخصيات، لكن تكمن قيمتها الأهم في كونها تقدم لمحة عن تجارب النساء اليمنيات في زمن الحرب، وفي الوقت ذاته تمثل إضافة مهمة لمكتبة الأدب اليمني الحديث، فهي تسعى للكشف عن طرق تفاعل الشخصيات مع قضايا المرأة والحرب التي زادتها سوءًا، وتؤكد مرة أخرى أن المرأة تبقى هي الطرف الأضعف في مواجهة الحرب واستغلالها من قبل أمراء الحروب.

 

___________

 

(*) هي كاتبة يمنية معاصرة تعتبر واحدة من الأصوات الجديدة في الأدب اليمني الألفيني. ولدت سنة 1985 في مدينة عدن (جنوب اليمن)، وتخرجت في كلية نظم المعلومات الإدارية. ولها كتاب تحت عنوان “امرأة ظل الياسمينة”، أصدر في العام 2014، بالإضافة إلى رواية “المشرحة” التي صدرت في العام 2016، بالتعاون مع محترف نجوى بركات وبتمويل من منحة آفاق.

 

 

•••

بلال قائد

كاتب وشاعر عضو اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين، نشر العديد من النصوص والاستطلاعات والتحقيقات في المجلات العربية والمواقع. باحث مشارك في بحث للجامعة الامريكية في بيروت.

 

 

المادة خاص بمنصة خيوط

ضع اعلانك هنا