ضع اعلانك هنا

أكتوبر؛ فَأْل شؤم على المحتل القضية الفلسطينية ومعادلة المظلومية والنضال

أكتوبر؛ فَأْل شؤم على المحتل

القضية الفلسطينية ومعادلة المظلومية والنضال

 

محفوظ الشامي

 

 

 

 

لم تكن دولة الاحتلال الإسرائيلي قد تعافت من صدمة السادس من تشرين الأول/ أكتوبر في العام 1973؛ إذ شُنّت عليها الحرب العربية الرابعة بمشاركة مصر وسوريا وبدعم عربي شامل على الأصعدة العسكرية والاقتصادية والسياسية، حتى تكررت المفاجأة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ليصبح الشهر فأل شؤم وهزيمة على الكيان المحتل لفلسطين، ولعل اختيار التوقيت في نفس الشهر وبيوم السبت يحمل دلالة يفترض أن تجعل دولة الاحتلال تتذكر من خلالها هزيمتها النكراء وقتذاك حين نجح الجيش المصري في اجتياح خط “بارليف”، وهو سلسلة من التحصينات الدفاعية التي كانت تمتد على طول الساحل الشرقي لقناة السويس بمسافة 170 كم.

 

استيقظ العالم في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، على أحداث لم يتوقعها أحد، فقد شنّت حركة حماس وفصائل المقاومة هجمات واسعة وغير مسبوقة على إسرائيل سميت بعملية “طوفان الأقصى”؛ إذ عبر المئات من المقاومين إلى المناطق القريبة من القطاع رغم التحصينات الإسرائيلية المتمثلة بالجدران العازلة وكاميرات المراقبة والسواتر والحواجز النارية الدفاعية لاحتمال أي هجوم، وهو الأمر الذي جعل العالم مصدومًا من جيش لطالما رُوّج له في ماكينات الإعلام الغربية على أنّه الجيش الذي لا يقهر؛ لتفوقه العسكري وترسانته المهولة.

 

انتهت فقاعة “الجيش الذي لا يقهر” بلحظة وتلاشت فكرة التفوق المخابراتي الإسرائيلي، إذ عجزت أجهزتها الراصدة لأيّ تحرك من غزة عن تقييم واحتمال أيّ هجوم قد يطال دولة الكيان، الأمر الذي قدّم المقاومة بصورة لافتة؛ إذ مارست بحسب خبراء ومحللين خداعًا جعل إسرائيل تستبعد خطر المباغتة، وهو العنصر ذاته الذي أربك إسرائيل في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 1973.

 

شكّلت عملية “طوفان الأقصى” قلقًا وإرباكًا كبيرين في صفوف القوات الإسرائيلية؛ وذلك لما امتلكته المقاومة من سلاح نوعي غيّر المعادلة من الدفاع إلى الهجوم، وهو سلاح تركز بين المسيرات والصواريخ على تعددها والقذائف والطائرات الشراعية. أوقع هجوم المقاومة الفلسطينية في يومه الأول قرابة 1400 قتيل وأسير من الجنود الإسرائيليين.

 

انجرح غرور العدو الإسرائيلي وظهرت هشاشته، ففرض حصارًا كاملًا على قطاع غزة، ومنع دخول الغذاء والوقود والمستلزمات الطبية. وقد تزامن هذا مع إعلانه بدء الحرب وتنفيذ الغارات الجوية والمدفعية التي نفّذها جيشه ردًّا على الهجوم فيما حشد الكثير من قواته على حدود قطاع غزة استعدادًا لعملية برية كبيرة.

 

بحسب منظمة “الأورومتوسطي لحقوق الإنسان”، فقد خلّفت حرب العدو الإسرائيلي البربرية على قطاع غزة حتى 6 نوفمبر، بفترة واحد وثلاثين يومًا 10581 شهيدًا، بينهم 4412 طفلًا، و2761 امرأة. وبلغ عدد المصابين 28173، ونزح نحو مليون ونصف مدني، وتم تدمير 51100 وحدة سكنية، فيما تضررت بشكل جزئي 153000 وحدة. وطالت الحرب البنى التحتية بشكل كامل، إذ تدمرت وتضررت 109 من المقارّ الصحافية، وتضررت 194 مدرسة ودمر 61 مسجدًا و3 كنائس، وتضررت 111 من المرافق الصحية، واستشهد 46 صحافيًّا، وهي حصيلة صادمة توازي ما حصل للصحافيين في العشرة الأعوام الأخيرة في صراعات وحروب حول العالم.

 

بعد هزيمة العثمانيين في الوطن العربي، وأفول فترة تسيدهم في مناطق بالشرق الأوسط، سيطرت بريطانيا على فلسطين، وكان يسكنها وقتئذٍ غالبية عربية وأقلية يهودية، وقد نشبت التوترات بين الطرفين وقتما أعطى المجتمع الدولي لبريطانيا مهمّة تأسيس “وطن قومي” للشعب اليهودي في فلسطين، وذلك دون وجه حق، إذ تم تجميعهم من دول أوروبية عقب الحربين العالميتين، وقد تنامى عدد القادمين منهم إلى فلسطين في الفترة بين العشرينيات والأربعينيات، خاصة ممن فروا من الاضطهاد الدينيّ الذي تعرضوا له في أوروبا.

 

لم يستسلم الفلسطينيون منذ وقت مبكر، ورفضوا تمرير المؤامرة وسلبهم الوطن، إذ كانت المقاومة تتنامى في بدايتها ضد الحكم البريطاني، وأخذت تتجاسر في عام 1947، وذلك عندما صوتت الأمم المتحدة على قرار لتقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين؛ إحداهما يهودية، والثانية عربية، على أن تصبح القدس مدينة دولية، وهو قرار قوبل برفض عربيّ وقتها وترحيب يهودي.

 

قُدّر للفلسطينيين أن يعيشوا مظلومية الحرب والتهجير والنزوح منذ عام 1948، وهو العام الذي غادر به البريطانيون فلسطين، وقد أشعلوا فتيل الصراع العربي مع الكيان الإسرائيلي المحتل وفور المغادرة أعلن الزعماء اليهود تأسيس الدولة المزعومة إسرائيل، فلم يتبقَّ للفلسطينيين من خيار سوى المقاومة للدفاع عن أرضهم فاندلعت الحرب، وقد شاركت فيها قوات من الدول العربية المجاورة التي قدمت إلى المنطقة.

 

على مدى سنوات طوال من الصراع العربي الإسرائيلي، هُجّر مئات الآلاف من الفلسطينيين، وأجبروا على ترك منازلهم، ابتداء بذكرى “النكبة” التي وقعت عام 1948، والتي مكّنت دولة الكيان المحتل من السيطرة على معظم المنطقة وامتدادًا إلى حرب 1967، التي توسعت من خلالها إسرائيل واحتلت القدس الشرقية والضفة الغربية ومعظم مرتفعات الجولان السورية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية.

 

تمت المراهنة على دور أمريكي للتهدئة، لكن الدولة الحليفة للكيان مدت يد المساعدة العسكرية والاقتصادية، وأرسلت حاملتي طائرات ومعدات إضافية وصواريخ دفاع جوي وقنابل موجهة وذخيرة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط؛ من أجل ردع أي هجوم محتمل.

إنّ مأساة القرن الحديث تتجسد في صورة المعاناة العابرة للأجيال والتي مُنِيَ بها الفلسطينيون، إذ بقوا وأحفادهم في غزة والضفة الغربية ودول الجوار أمثال الأردن وسوريا ولبنان لاجئين وفي أوضاع إنسانية مؤلمة، ولم تسمح لهم دولة الكيان المحتل أو لأحفادهم بالعودة إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم؛ خيفة أن تمثل عودتهم خطرًا على وجود الصهيونية الغاصبة.

 

لا تتوقف دولة الكيان المحتل عن توسيع المستوطنات وتهجير الفلسطينيين وقتلهم وإرعاب النساء والأطفال ومنع الصلاة في المسجد الأقصى، رغم إبرام العديد من الاتفاقيات في القرن العشرين وفي الربع الأول من القرن الواحد والعشرين وتدّعي إسرائيل أنّ القدس بكاملها هي عاصمتها، فيما تقابل مزاعمها بالرفض الفلسطيني القاطع واستحالة التنازل بشبر من أرض فلسطين العربية.

 

لقد أظهرت حرب غزة عنصرية الغرب ووقوفه مع دولة الكيان المحتل، وتغاضيه عن مظلومية الشعب الفلسطيني وهو يعاني من تبعات الصهيونية لعقود طوال، فقد أدانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى طوفان 7 أكتوبر على إسرائيل. وفي الوقت الذي تمت فيه المراهنة على دور أمريكي للتهدئة، لكن الدولة الحليفة للكيان مدت يد المساعدة العسكرية والاقتصادية، وأرسلت حاملتي طائرات ومعدات إضافية وصواريخ دفاع جوي وقنابل موجهة وذخيرة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط؛ من أجل ردع أيّ هجوم محتمل من الجوار العربي أو الإسلامي.

 

سقطت هيبة الكيان الإسرائيلي المصطنعة، والتي ظلت دولة الاحتلال تصنعها لسنوات طوال، وتحوّلت إلى وحش يضرب المدني لا العسكري في صفوف المقاومة الفلسطينية، في تصرف يعكس مدى الانهزام وسقط ضمير الغرب الذي اصطف مع المحتل والقاتل وأدان المظلوم والمسلوب. ومع كل هذا سقطت الشعارات الإنسانية التي لطالما تغنى بها الغرب المتقدم أمام المقاطع المسجلة لمجازر الأطفال والنساء واستهداف المستشفيات والمدارس، ومع كل هذا السقوط تتجلى حقيقة لن تعجب دولة الكيان المحتل ولا دول الغرب الداعمة لبقائه في فلسطين وهي أن المقاومة فكرة لن تزول حتى تحقيق التحرير الكامل للأراضي الفلسطينية.

 

•••

محفوظ الشامي

 

المادة خاص بمنصة خيوط

ضع اعلانك هنا