ضع اعلانك هنا

“على ضفاف اللحى”

“على ضفاف اللحى”

………………………..

نصر صبري

 

 

منذ صغري لم اكن طفلا ودودا فالزغب باللون الهجين كان مبثوثا يغطي ملامح وجهي ، كبرت فأصبح لي لحية لا بأس بها، وكل شعره أصبح لها حياة خاصة تعيشها، وحلم تسعى لتحقيقه، كالذهاب للحلاق لتصفيفها والعناية بها كل نهاية شهر عند قبض المرتب المسكين.

تخبرني شعرة نحيلة في طرف شاربي بأنه يتوجب علي جزها من الجذور لأنني لا أمتلك النقود لحفها وتجميلها بين فينة واخرى فهذا حق عليا لها وهو عُرف سائد في اوساط صوالين الحلاقة، اخبرتها بأن اوساط المرتبات لا تفي بالغرض الأساسي ، فتذمرت والتوت حنقًا واصبح شاربي اعوج إثر التفافها.

 

أدركت بعدها أبعاد المثل الشعب، الذي مفاده “انه ان لم يكن لديك مال فحرِيٌ لك حتف شاربك.

 

تشكي شعرة في الضفة الأخرى من خدي امتداد شعرة اخرى الى حدود مسامها وهذا يضايفها، أخبرتها بأن الحياة حلوة وان حصولها على صديقة وجارة شيء ممتع ويضفي على الحياة المتعة ويعزز التعايش وتوطيد الروابط الاجتماعية

فترفض رفضا قاطعا.

 

وادرك بعد هذا أننا كبرنا وكبرت مشاكلنا، واللحى لا تزال في امتداد الى الهاوية، وخلق المزيد من المتاعب، يا الله مالذي يحدث ليتنا لم نكبر هل هذا حقا ما كنا نوده بشده في صغرنا ان نكبر ويصبح لدينا لحى، توقفي يا لحى والإ فأمواس الحلاقة على حدها وفي اتم الجاهزية.

 

شعرتان ايضا في منتصف الدقن تشكيان تشقق البشرة في حديقتهما وان رش المياه بالتقطير كل صباح ليس كافيا لإنعاشمها طيلة اليوم، ويقع على عاتقي تخصيص ميزانية للعناية بها، وملئ درج خاص بمستحضرات والتجميل لتحصلا على ترطيب كاف، اخبرتها بأن سليط الجلجل سيفي بالغرض فرفضت رفضا قاطعا واتهمتني بأني إنسان لم اكن استحق ان يكون له لحية فأنا لم اكن رب لحية بالشكل المطلوب طلبت الطلاق ثلاث بشفرة موس حادة كل دقيقة ولا زلنا حتى اللحظة في خصام ولا نتبادل العناية.

 

شعرة اخرى ايضا نمت وسط ندبة كانت نتيجة لشقاء حظي اللامتناهي، تشكي، جريان المياه المالحة كل ليلة بعد امطار الحزن المتاقطة بغزارة، وهذا يزعج اطفالها، ويبعث الإكتئاب وان بيتها يتحول لبركة متخثرة من القلق، وان ملوحة تسببت بتشققات بجدران بيتها، اخبرتهم معتذرا بأن حظي لم يبتسم بعد حتى اتوقف عند ندبه، ردو قائليين لقد كبرت وهرمنا ومللنا إنتظار تغير الطقس في مناخ عمرك، يا موسم الأوجاع هيا انقضي، فقد كبرت لحيتي.

 

تصرخ شعرة اخرى طويلة جدا ومتعرجة وهالكة في منتصف الوجه لقد سئمت تغظية هذا الجرح الذي لا يندمل فتقدم استقالتها فأبدو قبيحا كما كنت في صغري.

 

الأن ادرك جيدا لماذا يحصد والدي لحيته كل صباح وبلا توقف لقد كان يؤرقه كل هذا الصخب وسط دقنه الكثيفة

والتي لا يوجد فيها فواصل اطلاقا، ياالهي لقد كان ابي يحمل كل هذا الهم بتلك الكثافة وانا بلحية خفيفة فيها الكثير من الممرات والفواصل للإستراحة ولفض الأنفاس، ولكن ابي لم يسترح ابدا فقد كانت لحيته ترهقه من غزارتها، اتذكر ايضا شعر صدره الغزير لقد كان ذلك الشعر جبلا من الهم على صدره ولم يستطع التخلص منه حتى الأن.

 

أدرك الأن تماما بأن على ضفاف اللحى حياة كاملة لها دلالاتها وان كومة الشعر هذه ليست فوارق تميز النساء عن الرجال وانها ليست معيار للتقدم في السن فقط إنما ان تكبر وفي كل نانو متر تكبر شعره تأتي المحن، مسام جيدة تفتح الحياة متاهات جديدة من المتاعب. إنها نمط حياة مكتض بالإرهاصات والعبر الجزيلة.

 

يستوقفني مذهولا المثل الشعبي الشائع الذي يقول “من حلق ابرد” لم يكن مجرد كلمات اعتباطية يتداولها الناس فيما بينهم بشكل روتيني، ولكن يكمن فيها وقع والتماس كبيران في حياتهم، ويشعرون بالبهجة إثر تخلصهم من هذا الأرق الكثيف، وينعمون بالقليل من الراحة ريثما تنبت ويعود ذلك الهرم الذي لا ينزاح عنهم.

 

الجزء الأول

ضع اعلانك هنا