(لحج) –منشور برس “صحيفة الثوري”:..
في قلب مدينة الحوطة، عاصمة محافظة لحج، أختتمت الروسية “إيرينا فكتوريا” رحلتها التي أستمرت لأربعة عقود، تاركة خلفها حكاية إنسانية تمزج بين الحب والفقد. أنتقلت إيرينا إلى جوار ربها، لكنها ظلت حاضرة في ذاكرة المدينة التي أحتضنتها بعد ما غادرت وطنها روسيا، وأختارت أن تبدأ حياة جديدة إلى جانب زوجها اليمني.
كانت إيرينا طبيبة درست الطب في روسيا، لكنها لم تمارس المهنة. أختارت أن تكون ربة منزل، ترافق زوجها الذي كان قيادياً تربوياً، وتعيش معه حياة بسيطة في الحوطة. هذه الحياة التي بدت هادئة في ظاهرها، حملت بين طياتها مأساة عميقة عندما فقدت ولديها الأثنين في حادث مروري مروع خلال تسعينيات القرن الماضي. هذه الفاجعة تركت أثراً لا يُمحى في قلبها، ظلت تكتم ألمها، لكنها لم تخفِ حزنها الذي رافقها حتى يومها الأخير…
بعد رحيل زوجها، وجدت إيرينا نفسها وحيدة، فكان ملاذها الوحيد هو الحيوانات التي أحاطت بها وأحاطت هي بها بحب لا مشروط. عاشت متنقلة من منزل إلى آخر، حتى أستقرت لـ 11 عاماُ في منزل متواضع قدمته لها إحدى العائلات اللحجية. وعندما أنهار هذا المنزل بفعل الزمن، تكاتف أهالي الحوطة لتوفير مأوى جديد لها، عرفاناً لما أصبحت تمثله لهم من قصة وفاء ومثابرة..
إيرينا التي لطالما قالت: “لا أستطيع ترك الحوطة أو العودة إلى روسيا، أريد أن أعيش هنا إلى جوار أولادي وزوجي، وجدت في المدينة وأهلها وطناً بديلاً”. منحها أهل الحوطة حبهم واحترامهم، وكانت بالنسبة لهم جزءاً لا يتجزأ من نسيجهم الاجتماعي. رغم ظروفها المعيشية الصعبة، حيث كانت تعيش على جزء صغير من راتب زوجها الراحل، إلا أن روحها ظلت غنية بالمحبة والوفاء.
قبل وفاتها، أوصت إيرينا بأن تُدفن بجوار أولادها، وكأنها أرادت أن تكمل قصتها حيث بدأت، وسط العائلة التي اختارتها من البداية. اليوم، يودع أبناء الحوطة والجالية الروسية واحدة من الشخصيات التي أصبحت رمزاً للتعايش والتآزر، تاركة خلفها إرثاً من الحب والعطاء.
برحيل إيرينا، تفقد الحوطة إمرأة عاشت من أجل الحب والمودة، وحملت في قلبها روحاً أكبر من حدود المكان والجنسية..