د. نهى الكازمي / خيوط
يأخذنا الحديث عن الاتجار بالبشر، وفق معطيات العقد الأخير، إلى النظر لهذه الجريمة بعيدًا عن المُسميات الأكثر خِفّة والتي تتداولها تصريحات أُممية ودوليّة من المفترض أنها مسؤولة عن معرفة الفاعلين، والمؤيدين، والمستفيدين.
تحت عنوان: “لنصل لكل ضحايا الاتجار بالبشر، ولا نترك أحدًا خلف الركب”، (2023)، حددت الأُمم المتحدة جُملة من الأسباب جعلتها رئيسية لتنامي ظاهرة الاتجار بالبشر، وهي الأسباب التي عهدها القارئ لمعظم حيثيات وطروحات الأمم المتحدة في أي إشكالية، أو ظاهرة اجتماعية، مثل: الفقر، النوع الاجتماعي، حقوق الإنسان، … إلخ، أصبحت هذه الأسباب كميدالية المفاتيح التي تجمع مفاتيح أبوابٍ مختلفة، من الممكن أن نغير أو نظيف مفاتيح جديدة للميدالية نفسها، ولكنها تبقى الميدالية نفسها، فالأسباب تتحول إلى نتائج، والنتائج تتغير لتصبح أسبابًا مع ظاهرة أُخرى.
من الأسباب الرئيسيَّة التي وضعتها الأمم المتحدة للاتجار في البشر: تغير المناخ، والصراع، والنزوح، وحالة الطوارئ، وعدم المساواة الاجتماعية، … إلخ، وحددت الفئات المستهدفة من قبل تجار بالبشر، بالمهمشين، والفقراء، والأُمّيين، … إلخ.
ووفقًا للأمم المتحدة، فإن: مؤشر الاستجابة الوطنية، لا سيما في الدول النامية، سجَّل انخفاضًا ملحوظًا (بنسبة 11٪ في عام 2020، كما انخفضت الإدانات بنسبة 27%؛ الأمر الذي يدل على وجود تباطؤ عالمي في مجال المحاسبة على جريمة الاتجار بالبشر).
وفي اليمن، التي تعاني مُشكلات اجتماعية واقتصادية ومناخية متعددة، تفشت ظاهرة الاتجار بالبشر، ولكن العامل الرئيسي والمسبب الحقيقي لتمكُّن هذه الجريمة من مفاصل هذا البلد، هو الصراع الدائر منذ أعوام، والذي جعل اليمن هدفًا سهلًا لتجار البشر؛ ففي التقرير الأمريكي الذي نشرته المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر، ورد أنّ “اليمن هو بلد المنشأ للأطفال، ومعظمهم أولاد، تم الاتجار بهم للتسول القسري والسخرة غير الماهرة، أو البيع في الشوارع.
يتم الاتجار بالأطفال اليمنيين عبر الحدود الشمالية إلى المملكة العربية السعودية أو إلى مدينتي عدن اليمنية وصنعاء للعمل القسري …، ويتعرض هؤلاء الأطفال للاستغلال الجنسي، والإجبار على التسول، ويُحرك هذا العمل في اليمن عصابات إجرامية تمتلك صلات خارجية موجهة وممنهجة تقوم بعمليات بيع الأعضاء والخطف بغرض التسول، والاستغلال الجنسي”.
وعلى الرغم من توقيع اليمن على المواثيق الأممية التي تُجرّم الاتجار بالبشر، ومنها: اتفاقية (مكافحة الجريمة المنظمة)، والمُلحقة ببروتوكولات واضحة، اعتمدتها الجمعية العامة في قرارها 55/25، في 15 من نوفمبر 2000، ومحاولة الدولة ومنظمات المجتمع المدني لنشر التوعية حول ذلك- فإنّ تدارك الظاهرة وتتبعها يصعُب في بلد يعاني تشظيًا في مختلف النواحي.
تباطؤ أم تواطؤ؟!
بين تواطؤ وتباطؤ حرفٌ واحد، قد يُغير المُعادلة فيما إذا وسَّعنا دائرة الأسباب، بعيدًا عن “إكليشة” الأُمم المتحدة الموحدة، هذه الأسباب التي يجب أن يُسلط عليها الضوء تُمكِّننا من التأكد أننا أمام تواطؤ عالمي للاتجار بالبشر، ولكنه مُقنن، فبذريعة حماية الأطفال من العنف الأُسري، يُسحب الأطفال من أهلهم، ويُسلمون إلى عائلات من مختلف التوجهات دون متابعة جادّة لهم، فمثلًا تُشرف إدارة الشؤون الاجتماعية في السويد والتي تُعرف بـ(السوسيال)، على سحب الأطفال، لا سيما المهاجرين، من أهلهم بحجة العنف المنزلي، وبذريعة حماية حقوق الطفل، وفق الجندرية الحديثة، ولكنها تسمح بتسليم الأطفال إلى عائلات مختلفة الديانة ومثليَّة الجنس، وقد سلمت السوسيال طفلتين بعمر العام والتسعة أعوام، لعائلتين مُهاجرتين، إلى رجلين مثليين متزوجين، وقد نشر الموقع السويدي (aftonbladet)، الحياة السعيدة التي تعيشها الفتاتين مع أبوين، بدون أُم.
يقول جون ويوهان فالنسيا -أحد الأبوين- إن “الأب هي الكلمة الأكثر شيوعًا هنا في المنزل”، قد تبدو هذه العبارة جميلة في قاموس المُنظرين لحقوق الإنسان وفق معايير قيمية أحادية التوجه، لكن الحقيقة أن تصور عدم وجود الأم في حياة الأطفال غير مفهوم في هذا التصريح الذي نقله الفيديو المصور للطفلتين والذي نشره موقع Aftonbladet.
هُناك الكثير مما يمكن الحديث عنه تحت إطار إعادة هيكلة المجتمعات، وفق خلخلة نظام الأُسرة التقليدي، الأمر الذي يدعو للتساؤل حول النوايا الحقيقية وراء ذلك، والترتيبات التي يمكن أن تحدث، والدور الدولي في تأييد ذلك من عدمه، وهو ما نراه اليوم بدفع الأُسر والأطفال إلى قبول التوجيه الصارم للمجتمعات لانخراط الأطفال في أُسر من الجنس نفسه، بل وتشجيعهم على ذلك، واستصدار القوانين الرادعة للأُسر التي تحاول تنحية أطفالها عن المعتقدات التي لا تؤمن بها، والتي تصل إلى سحب الأطفال من أسرهم بداعي العنف الأُسري.
في يناير 2023، تناقلت المواقع الإخبارية المحليَّة والدولية الفضيحة التي قام بها زوجان مثليان تبنيا طفلين أخوين بعمر 9 أعوام، و11 عامًا، وكشفت الصحفية الاستقصائية الأمريكية، ميا كاثيل، في التحقيق الذي نشره موقع “Town Hall”، إنّ الرجلين اللذين تبنيا الطفلين، لم يكتفيا باغتصابهما بعد تبنيهما من (وكالة التبني المسيحية لذوي الاحتياجات الخاصة)، ولكنهما عمِلا على الاتجار بالطفلين من خلال إتاحة الاعتداء عليهما من قبل الآخرين، وتصوريهما، وبيع الأفلام الإباحية الخاصة بهما للتربح، وتحقيق ثروة مكّنتهما من تحسين وضعهما المادي.
فيلم (صوت الحرية) في الواجهة مع التصريحات الأُممية الناعمة .
في حملتها لليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر 2023، تهدف الأمم المتحدة إلى “زيادة الوعي بالتطورات والاتجاهات المزعجة التي حددها أحدث تقرير عالمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بشأن الاتجار بالأشخاص، ودعت الأمم المتحدة الحكومات إلى إنفاذ القانون والخدمات العامة والمجتمع المدني إلى تقييم جهودهم وتعزيزها من أجل تعزيز الوقاية والتعرف على الضحايا ودعمهم وإنهاء الإفلات من العقاب”.
إن موضوع الاتجار بالبشر، لا سيما الأطفال والنساء، أخذ بالاتساع ويحتاج إلى قراءة حقيقيَّة وواقعية، بعيدًا عن استزراع ثقافة الوعي الموجه الذي ألِف أن يتعامل مع الاتجار بالبشر بعيدًا عن زاوية الحقائق التي تتكشف يومًا بعد آخر. ، أين يذهب الأطفال المهاجرون؟ كيف يُمكن أن يتبخر الإنسان فجأة دون وجود تسهيلات وتواطؤ حقيقيّ من قبل المعنيين بحماية الأطفال؟!
تبدو دعوة الأمم المتحدة إعلاميًّا والداعية إلى تفعيل دور الرقابة الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني لمناهضة الاتجار بالبشر، عقيمةً أمام تفشي الظاهرة وتعدد أسبابها الأُخرى غير المُعلن عنها، تدور أحداث فيلمSound of Freedom (صوت الحرية)، المُثير للجدل، حول الأسباب الخفيَّة المتعلقة بالاتجار بالبشر، لا سيما الأطفال.
تُناقش أحداث الفيلم موضوعَ الاتجار بالأطفال في دول أمريكا اللاتينيَّة، ومنها المكسيك. يُسلط الفيلم الضوء على عدد من الحقائق المرتبطة بالاتجار بالأطفال، والتي تقدر تجارتها المربحة بين 152 إلى 228 مليار دولار.
يُشدّد بطل الفيلم المُمثل (Jim Caviezel)، إلى ضرورة محاربة هذه العصابات، وعدم السكوت أمام هذه الظاهرة، كما يُشدّد على أهميَّة تفعيل الدور المجتمعي الحقيقي، وعدم الخوف من الإبلاغ عن هذه الجريمة المنظمة.
ومن خلال تتبع أحداث الفيلم، وتقصي الوقائع المرتبطة بسياسة التعامل مع الاتجار بالبشر، فإنّ هناك وقائع حقيقية ترتبط بأحداث الفيلم، لا يُشار لها عند التطرق لهذه الجريمة، منها على سبيل المثال: الفضيحة الشهيرة المعروفة بجزيرة (جيفري إبستين)، والتي أُدين بها الملياردير جيفري إبستين بتهمة الاستغلال الجنسي والاتجار الجنسي بالقاصرات، وهي القضية التي طالت عددًا كبيرًا من المسؤولين ورجال المال في الداخل والخارج الأمريكي، ونتج عنها استدعاء سياسيين من بينهم ترامب، والدوق أندرو نجل ملكة بريطانيا، الذي انتهت قضيته بحسب bbc بتسوية مالية دفعها نجل ملكة بريطانيا لجوفري، عندما ادعت أنّ الدوق البالغ من العمر 61 عامًا، اعتدى عليها جنسيًّا في ثلاث مناسبات؛ في منزل غيلين ماكسويل في لندن، وفي قصر إبستين في نيويورك، وفي جزيرة إبستين الخاصة في جزر فيرجن الأمريكية.
وقالت: “إنّ جزءًا من الانتهاكات تمثل في جعلها تُعار لرجال أقوياء، منهم الأمير أندرو”، وهو الابن الثالث للملكة والتاسع في ترتيب ولاية العرش، وأوضحت جوفري (38 عامًا)، أنها كانت ضحية للاتجار بالجنس وسوء المعاملة من قبل الملياردير إبستين منذ سن 16 عامًا.
وعلى إثر هذه التسوية، “وفي أعقاب هذه الاتهامات، خسر الأمير أندرو ألقابه العسكرية ومكانته كراع ملكي، بالإضافة إلى استخدام لقب صاحب السمو الملكي”.
الأدرينوكروم يعود للواجهة
الأدرينوكروم: مركب عضوي صيغته C9H9NO3، ويوجد في الشروط القياسية على شكل صلب بلوري أحمر اللون، وبحسب موقع medical news today، فإن الأدرينوكروم مادةٌ ينتجها الجسم بصورة طبيعية عندما يتأكسد الأدرينالين، كما يمكن تصنيعها في المختبرات.
يبرز مؤخرًا الأدرينوكروم مرتبطًا بمواجهتين متناقضتين؛ الأولى تُسمي هذا العقار بعقار النخبة، وهو بمثابة أكسير الشباب، والذي من أجله يستهدف تجار البشر الأطفال، في حين تدعي الأُخرى أنه عقار يُعدّ في المختبر، ولا علاقة له بالشباب، وكل ما يُقال حوله مجرد أساطير لا حقيقة لها.
وبالربط بين الاتجار بالأطفال، وعلاقة ذلك بالمعلومات المتضاربة حول هذا العقار، فكل ما يدور حول ذلك يتم بطريقة غير شرعية ومشبوهة، حيث يُروّع الأطفال بشتَّى الطُّرق قبل أن يُقتلوا حتى يرتفع معدل الأدرينالين في جسمهم وتُحصد المادة بإبرة تُحقن من قاعدة الجزء الخلفي من الرقبة والعمود الفقري، والحد الأقصى لزمن جمع هذه المادة هو ثلاث دقائق، والتركيز على قتل الأطفال منوطٌ بأنهم الأنقى دمًا والأكثر نشاطًا، فما زالت أجهزتهم في طور التكوين والنمو، وتُباع هذه المادة المستخلصة في السوق السوداء، حيث يُعتقد أنّها تشفي من الأمراض، وتحافظ على الشباب، ويُقبِل على شرائها شخصيات مشهورة في مجال السياسة، والفن، والرياضة، وهو ما عُرف لاحقًا بنظرية (بيتزا جيت) التي اعتمدت على نشر تسريبات عبر موقع ويكيليكس تُفيد بضلوع العديد منهم بالاتجار بالبشر، وشراء عقار الأدرينوكروم بطريقة غير شرعيَّة.
إنّ موضوع الاتجار بالبشر، لا سيما الأطفال والنساء، أخذ بالاتساع ويحتاج إلى قراءة حقيقيَّة وواقعية بعيدًا عن استزراع ثقافة الوعي الموجّه الذي ألِف أن يتعامل مع الاتجار بالبشر بعيدًا عن زاوية الحقائق التي تتكشف يومًا بعد آخر. ، أين يذهب الأطفال المهاجرون؟ كيف يُمكن أن يتبخر الإنسان فجأة دون وجود تسهيلات وتواطؤ حقيقي من قبل المعنيين بحماية الأطفال؟! المسألة ليست اتهامًا جزافيًّا لكنَّها حقائق ووقائع مُثبتة.
أثار تحقيق لصحيفة (ذي أوبزرفر) The Observer، “جدلًا حقوقيًّا وأمنيًّا، حيث ذكرت الجريدة أنها حصلت على معطيات تفيد بتعرض الأطفال من طالبي اللجوء، إلى الاختطاف من أمام فنادق الاستقبال”.
ويتعلق الأمر بالأطفال الذي يصلون بريطانيا من دون مرافقة أحد الوالدين، ويتم وضعهم في فنادق إلى حين البت في طلبات لجوئهم”، في المقابل فإنّ الشرطة البريطانية تقول: إن الأرقام مبالغ فيها. وهو ما يعني أن ذلك حدث، ولم يتمكنوا من إنكاره أو تلافيه، الاختلاف بالنسبة لهم يكمن في عدد الأطفال ما بين 150 إلى 200، أو أقل، ولكن الفرق بين هؤلاء الأطفال، وغيرهم أنهم لا يمتلكون صفة الإنسانية كما تحددها مقاييس الفكر الطبقي الرأسمالي؛ وبالتالي لا يمكنهم أن يُعوضوا بتسوية ماليَّة، كالتي حصلت عليها المُدعيات على الدوق أندرو، أو جيفري إبستين، إنهم أقل من ذلك، هم بالنسبة لهم مجرد أرقام يُختلف حولها.
•••د. نهى الكازمي
المادة خاص بمنصة خيوط