أحمد الرميلي
خيوط
ليست بي حاجة لأوضح أنَّ سقطرى أصبحت قبلة العالم سياحيًّا، فهذا أمر أصبح معلومًا. بل ما أودُّ الحديث حوله هو أنَّه قد أصبحت السياحة في (درّة المحيط) محصورة في موسم معين ومحدد، يطلق عليه عرفًا (الموسم السياحي)، ويبدأ من شهر أكتوبر وينتهي في شهر مايو من كل عام، بعدها تغلق السياحة أبوابها، وترفع أطناب خيامها، ويستسلم الجميع للأمر الواقع؛ بحجة دخول الرياح الموسمية التي تهبُّ على سقطرى لمدة أربعة أشهر، من شهر (يونيو – سبتمبر) من كل عام. وهذا الاستلام فرض نفسه دون حرب، وأناخ بكَلْكَله دون مبرر، ولو تمعن الجميع في الأمر لصارت السياحة في سقطرى مستمرة طوال العام، ولَمَا تم حصرها بموسم دون آخر.
لنقف قليلًا عند عوامل الجذب السياحي في شهور الرياح (يونيو – سبتمبر)؛ لنثبت في أنَّ ما يعرف بالموسم السياحي كذبة لا مبرر لها، وأنَّ توقف السياحة في موسم الرياح سببه تصديق هذه الكذبة، وسببه أيضًا عدم استثمار عوامل الجذب السياحي الهامّة في موسم الرياح، وعدم الترويج لها بالشكل المطلوب، وعدم معرفتها أساسًا من الكثير من العاملين في المجال السياحي.
صحيح أنَّه في هذا الفصل تهبُّ على سقطرى رياح موسمية قد تصل حدتها إلى أكثر من ثلاثين عقدة في بعض الأحيان. هل هذا السبب مقنع لتعطيل السياحة لمدة أربعة أشهر كاملة يتوقف فيها كل شيء من الوكالات السياحية والعاملين في القطاع السياحي من مرشدين ومترجمين وسواقين وعمال…؟ أعتقد أنّ هذا السبب غير مبرر.
لمن يعرف سقطرى، يلاحظ أنَّ الرياح الموسمية تهبُّ على المناطق المنخفضة في الجهة الشمالية من سقطرى فقط، هذا يعني أنَّ المناطق الوسطى، مثل: (دكسم – حجهر – طادع – شبهن – أجلس – طيدع – مومي) لا تؤثر عليها الرياح الموسمية، وكذلك لا تؤثر على الشريط الساحلي الجنوبي من (دسبرهو) غربًا إلى (مطيف) شمالًا، هذا معناه أنَّ أكثر من 70% من جغرافية سقطرى لا تؤثر فيها تلك الرياح، فلماذا الاحتجاج بموسم الرياح؟
كما أنَّ منطقة دكسم وحجهر والمناطق المجاورة لها، يكون مناخها في تلك الشهور ضبابيًّا ممطرًا، لا تكاد ترى على بعد أمتار بسبب الضباب الكثيف وزخات المطر الخفيفة الممتعة التي يشعر معها الساكن فيها بحيوية ومتعة غير عادية، فضلًا عن الزائر والسائح الذي يأتي لأول مرة لغرض الزيارة والسياحة. أيُّ مناخ جاذب للسياحة أكثر من هذا؟! وما خريف صلالة في عمان وحوف جادب في المهرة عنَّا ببعيد، فهاتان المنطقتان تزورهما الناس بالآلاف في الشهور (يونيو – سبتمبر) من كل عام، بل تأتيهما أفواج من خارج الدولتين للاستمتاع بمناخهما الذي يتطابق تمامًا مع مناخ منطقتي دكسم
وحجهر في سقطرى.
بل الملاحظ أنَّ منطقة دكسم السياحية تستقبل مئات الأُسَر والأفراد في هذا الفصل الذين يأتون من شتى مناطق سقطرى للمتعة ومشاهدة أجوائها الرائعة.
ولا يخفى على الكثير أنَّ منطقة دكسم قِبلة السياحة في سقطرى في الموسم السياحي، إذ لا يمكن لشخص يزور سقطرى إلَّا ويمر بها؛ لما تتمتع به من وجود كثيف لأشجار دم الأخوين النادرة، وكذلك وجود الكثر من الأشجار الأخرى النادرة والنباتات والطيور التي تزخر بها المنطقة، بالإضافة إلى جوها المعتدل والمنعش طوال الموسم السياحي، والذي هو موسم الرياح أشدّ غنعاشًا وجمالًا.
أما الشريط الساحلي الجنوبي الممتد من (دسبرهو) غربًا إلى (مطيف) شمالًا -كما ذكرنا سابقًا-فتكون الأجواء هنا جميلة جدًّا، حيث تغطي السحب سماء المنطقة فلا تكاد ترى الشمس، بالإضافة إلى نسيم الهواء العليل الذي ترمي به البحر ليلًا ونهارًا، مرورًا بالمرتفعات الجبلية التي تطل على تلك السواحل التي يشاهد فيها السائح السحب الكثيفة التي تتعمم بها تلك الجبال طوال اليوم، وزخات المطر الخفيفة التي تأتي أحيانًا من تلك الجبال، وهذا يضفي جمالًا ومشاهدة لا تضاهى، بالإضافة إلى السواحل الخلابة. وقد لا يخفى على الكثيرين أنَّ شريط (نوجد) الساحلي له شواطئ من أجمل شواطئ العالم، منها شواطئ (دسبرهو – ستاروه – عومق – حيف – زاحق – مطيف …)، كما أنَّ كهف (دجوب) الشهير يوجد في نوجد، كما أنَّ نوجد تحتوي على الكثير من الأودية التي توجد فيها مياه كثيرة وشلالات وغابات، مثل أودية (دي عصرهو – دي عوكش – إيره – سيهون – بربر…).
فضلًا عن المحميات الطبيعية الشهيرة التي تتواجد في المناطق الوسطى، مثل محميتَي (فرمهن وسكند)، فهما قبلة السياحة السقطرية.
هذا بالإضافة إلى منطقة مومي التي تزخر بالكثير من أماكن سياحية، لا سيما في الجانب التراثي والأثري، ففيها العديد من القبور الكهفية والقبور الدلمونية وقبور ما قبل الإسلام، بالإضافة إلى المشاهد الممتعة لحياة الرعي والحيوانات بأنواعها –البقر، الغنم، الماعز، الحمير– المنتشرة هنا وهناك، وكذلك وجود الحوائط الحجرية الأثرية (أجهن) بكثرة، كما أنَّ وادي كلسهن وشلالات دي بورك يوجدان في مومي، وهما قبلة السياحة السقطرية.
بل إنَّ المناطق التي ذكرنا أنَّ الرياح تهبُّ عليها يمكن أنْ تكون هي الأخرى عامل جذب سياحي، فما المانع أنْ يعيش السائح مع الرياح العاتية؟ فقد تكون بالنسبة له تجربة رائعة قد لا تتكرر، ولحظات ممتعة قد لا تعود، حينما يشاهد الرمال تتحرك والأمواج تتقافز والأشجار تتراقص والناس تمسك بعضها ببعض، حينما يسمع أزيز الأبواب وصوت النوافذ. أرى أنَّه ممتع حقًّا.
فينبغي عدم تصديق كذبة الموسم السياحي، والترويج للسياحة في سقطرى في كل وقت حين.
•••
أحمد الرميلي
(*) عضو هيئة التدريس بجامعة حضرموت، كلية التربية سقطرى. باحث في التراث السقطري، رئيس مؤسسة سقطرى للتراث الثقافي والطبيعي.
المادة خاص بمنصة خيوط