لشاعر اليمن الكبير، الدكتور عبدالعزيز المقالح
لا الليل في الضفة الأخرى ولاالنُذرُ
ولا الدماءُ- كما الأنهارِ- تنهمرُ
ولا الذئاب وقد أقعتْ على حذرٍ
وحولها تزأر النيران والحُفَرُ
لا هذه سوف تثنينا ولا خطرٌ
يصد جيشاً دعاه الثأر والظفرُ
جيشاً تمرَّدَ- صبراً، في مواقعه
وكاد في الانتظار المرِّ ينفجرُ
مضى ليثأر من أعدائه ومضت
في ركبه الشمسُ والتاريخُ والقدَرُ
يا عابر البحر، كان البحر أغنيةً
والشط عاشقة تومي وتنتظرُ
ترنو إليك بأجفانٍ مقرَّحةٍ
وقد عبرتْ إليها، وانتهى السهرُ
هبطتَ سينا -على اسم الله- منتصراً
فضوأت، واشتوى في نارها الخطرُ
سيناءُ من قلب مصر كيف يفصلها
جان؟ وعن روحها تنبو وتختصرُ؟
ويل المطامع كم أدمت وكم قتلت،
رجالها العور، كم بيعوا، وكم عوروا
أحلامهم تحت وجه الشمس عارية
اجسادهم فوق وجه الرمل ما قبروا
ظنوكِ -سيناء- للأغرابِ مزرعةً
وفي رمالك يزكو الماء والثمرُ
تسللوا عبر ليلٍ لا نجومَ به
وأصبحوا وهم السمار والسمرُ
لكنهم حصدوا موتاً وعاصفةً
وفوقهم تقصفُ الأشجار والمطرُ
تقهقروا خلفهم رعباً بلا أمل
وقيل لن يقهروا يوماً وقد قُهروا
تساقطوا كفراشاتٍ ملوثةٍ
في الرمل واحترقوا في النار أو أُسروا
يا عابر البحر ما أبقى العبور لنا
وما عسى تصنع الأشعار والصورُ
أبطالنا عبروا مأساة أمتهم
ونحن في كفنِ الألفاظ نحتضرُ
تقدموا عبر ليلِ الموتِ ضاحكةً
وجوههم، وخطوط النار تستعرُ
وأشعلوا في الدجى أعمارهم لهباً
للنصر واحترقوا فيه لينتصروا
عبورهم أذهل الدنيا وموقفهم
تسمَّرتْ عنده الأقلام والسِيَرُ
وددتُ لو كنتُ يوماً في مواكبهم
أو ليتني كنت جسراً حينما عبروا