سايمون هندرسون
“ذي هيل”
25 كانون الثاني/يناير 2018
قصة اليمن التي تُروى في واشنطن هي قصة مجاعةٍ متفاقمة ناجمة جزئياً على الأقل عن القصف السعودي غير الدقيق لأفراد القبائل الحوثيين الموالين لإيران. إلّا أن القصة الحقيقية تكمن في تغطية الإحراج العسكري السعودي والخطر الوشيك لنشوب صراع أوسع نطاقاً بما يعود بالفائدة على إيران بتكلفة ضئيلة لها.
فمنذ اندلاع الحرب قبل ما يقرب من ثلاث سنوات، في آذار/مارس 2015، تحاول القوات المتحالفة بقيادة السعودية والإمارات إعادة الحكومة المعترف بها دولياً تحت زعامة الرئيس عبدربه منصور هادي – الذي يعيش في المنفى في الرياض – إلى الحكم. وسرعان ما نجحت القوات الإماراتية بمساعدة مرتزقة كولومبيين في الاستيلاء على مدينة عدن المرفئية الجنوبية، إلا أن الحوثيين المتحالفين مع القوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح تمكّنوا من إحكام سيطرتهم على صنعاء. ويشار إلى أن الحوثيين يتحدرون من ضواحي مدينة صعدة الشمالية ويحكمون اليوم 20 في المائة من اليمن، وهذه النسبة تضمّ نحو 80 في المائة من سكان اليمن البالغ عددهم 28 مليون نسمة.
إن التقدم الوحيد الذي أحرزته القوات السعودية على طول الحدود الشمالية اقتصر على الاستحواذ على بقعة صغيرة من الأراضي اليمنية بالقرب من ساحل البحر الأحمر. ولكن الواقع العسكري العام يُظهر عكس ذلك. فالحوثيون يسيطرون فعلياً على عدة أميال من الأراضي السعودية على طول الحدود تمتد من قبالة مدينة جيزان وصولاً إلى نجران شرقاً – وهنا نتحدث عن 100 ميل مربع (حوالي 259 كلم مربع) من أراضي المملكة، وربما أكثر من ذلك. ولكن هناك بعض الجدل حول ما إذا كان يمكن تصنيف تلك البقعة من الأرض بالمنطقة “المحتلة” أم لا، حيث يقوم الجيش السعودي أحياناً بغزو تلك المنطقة، إلا أنها تُستخدم فعلياً كمنصة إطلاق للهجمات الحوثية على المواقع العسكرية والبلدات الحدودية السعودية.
وفي الواقع أن التقييمات الدبلوماسية لأداء الجيش السعودي ليست دبلوماسية فعلاً: فبعض الصفات المستخدمة تضمنت عبارات “ضعيف”، و”رديء جداً” و”مروع”، علماً أن هذه التعليقات انطبقت على الجيش والقوات الخاصة والقوات الجوية على حدٍّ سواء. ويشعر الحلفاء الغربيون للمملكة العربية السعودية، بمن فيهم الولايات المتحدة، بالاستياء من الوضع في ساحة المعركة ويريدون كسر الجمود الحاصل.
وبدا أن الفرصة لتحقيق ذلك أتيحت في كانون الأول/ديسمبر حين تفكك التحالف بين الحوثيين وصالح، وبعد بضعة أيام قُتِل صالح عندما نُصِب كمين لموكبه. لكن عوامل التوتر الأخرى أضاعت هذه الفرصة، إذ يبدو أن للسعودية والإمارات وجهات نظر مختلفة حول الفائدة من مواصلة تقديم الدعم للرئيس هادي. فخلال لقاء لناشطين من جنوب اليمن عُقد في نهاية الأسبوع الماضي في عدن بدعمٍ ضمني على الأقل من الإمارات، تم تشكيل “مجلس انتقالي جنوبي” تعهّد بإسقاط حكومة هادي. وقد سارع مسؤول سعودي ووصف هذا الإعلان بأنه “غير مقبول”.
وفي المقابل، يعتبر الدور الإيراني محدوداً بل مهمّ. إذ يبدو أن شخصاً ما في طهران يتلاعب بزرّ توتر مجازي لإثارة الغضب دون أن يدفع في الواقع لقيام مواجهة مباشرة بين السعودية وإيران. فقد نُسب إلى مجموعات صغيرة من المستشارين الإيرانيين عدة أعمال منها توجيه الصواريخ ضد سفن البحرية الأمريكية في الممر المائي الاستراتيجي باب المندب، الواقع بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، وإصابة فرقاطة سعودية بأضرار جسيمة بعد تعرّضها لهجوم من زورق سريع بدون قبطان إيراني المصدر.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر، سقط صاروخٌ يمني، عمل المهندسون الإيرانيون على تعزيز مداه، بالقرب من المطار الرئيسي في الرياض، على بعد 500 ميل (ما يزيد عن 804 كم) من أراضي الحوثيين. وفي الشهر التالي أُطلق صاروخٌ آخر على قصر ملكي في العاصمة السعودية. وفي كانون الأول/ديسمبر أيضاً، ادعى الحوثيون إطلاق صاروخ باتجاه محطة للطاقة النووية قيد الإنشاء بالقرب من أبوظبي، عاصمة الإمارات. وعلى الرغم من أن المسؤولين الإماراتيين استهزأوا بتلك المحاولة، إلّا أنّ المسؤولين الغربيين أقرّوا بها وصرّحوا بأن التهديد الحوثي ضد الإمارات قد يصبح حقيقياً إذا أُدخلت عليه بعض التحسينات.
أما سلطنة عُمان، التي تقع على حدود السعودية والإمارات وحدود اليمن أيضاً، فتبدو أنها طرفاً مغايراً وعرَضياً في هذه المسألة وتشكل في الواقع طرفاً محورياً. فقد اتُّهمت على نحو معقول بأنها الطريق العابر للتكنولوجيا العسكرية الإيرانية المتّجهة إلى القوات الحوثية؛ لكن السؤال الذي يُطرح هنا هو ما إذا كان حاكم عُمان المريض السلطان قابوس يجيز عمداً هذه التجارة. إذ يقال أن السلطان البالغ من العمر 77 عاماً مستاءٌ مما يعتبره حماقة سعودية وإماراتية بالتدخل في اليمن. وفي المقابل، تنظر حكومتا الرياض وأبوظبي إلى قيام السلطان باستخدام القوات الإيرانية (قبل الثورة) للتصدي للثوار خلال سبعينات القرن العشرين بأنها خطوة منحت سابقة مؤسفة لتدخل طهران في شبه الجزيرة العربية.
وقد تنبأت وكالة استخبارات واحدة على الأقل أنه من غير المرجح أن يبقى السلطان قابوس على قيد الحياة ما بعد عام 2019 بعد خضوعه لعلاج غير كافٍ لمرض السرطان، وربما أن السلطان مستاءٌ أيضاً من وصول المركبات العسكرية السعودية مؤخراً إلى ميناء نشطون اليمني، وربما يشكل ذلك خطوةً من خطة سعودية متريثة لفتح ممر بين اليمن وسلطنة عُمان، مما يتيح للسعودية الوصول المباشر إلى المحيط الهندي. وكانت سلطنة عُمان قد سهّلت في الماضي إقامة قناة دبلوماسية خلفية بين الحوثيين والرياض، ولا بد من إعادة تفعيل هذه الخطوة [حالياً].
من المستحيل التنبؤ فيما إذا كانت الخطوة المقبلة عسكريةً أم دبلوماسية. ففي الوقت الراهن، تتبنّى إيران موقف البريء المجروح الخاطر، حيث كتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في صحيفة “فايننشال تايمز” في 22 كانون الثاني/يناير أن طهران تقترح “إقامة منتدى للحوار الإقليمي في الخليج الفارسي” مشيراً إلى أن “دعوتنا القديمة إلى الحوار لا تزال قائمةً، ونحن نتطلّع إلى اليوم الذي تلبّي فيه الدول المجاورة هذه الدعوة ويشجعها عليها حلفاؤها – في أوروبا ودول أخرى في الغرب”.
إن كلمات ظريف قد تُمكِّن واشنطن من إقناع الرياض بالأخذ بنصيحة الولايات المتحدة بشأن اليمن، مع أنه من المؤكد تقريباً أن ظريف لم يتعمّد ذلك.
سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.
نقلاً عن معهد واشنطن للدراسات