الحقيقه بين الصمت والكارثة: الإنسانية في مواجهة السقوط في الهاوية
الدكتور نعمان المونسي
يسعى الإنسان دائماً إلى معرفة الحقيقة، ويعتبر إدراك الحقيقة هدفاً أساسياً في حياته. لكن في بعض الأحيان قد يكون إدراك الحقيقة صعباً أو مؤلماً، ومع ذلك تظل أفضل من الكذب والنفاق.
الجنس البشري واحد، وما يميزه هو وحدة العقل، رغم المحاولات البائسة التي تحاول منح عرق أو قومية أو شعب بأكمله التفوق على الأجناس الأخرى.
بنت البشرية خلال تواجدها على هذا الكوكب حضارات، وساهمت كل الشعوب في تطور الجنس البشري. والتاريخ يرصد ويؤكد لنا نشوء حضارات في مختلف بقاع الأرض وليس في مكان بعينه. نشأت حضارات ووصل التقدم والتحضر البشري إلى أوجه ثم سقطت تلك الحضارات لأسباب متعددة لتُبنى حضارات أخرى في منطقة جغرافية أخرى. من هذا المنطلق، فإن النظر إلى بعض الشعوب وكأنها هبطت من السماء مرتدية لباس التقدم يعتبر ضرباً من ضروب السخف والتنكر لما ساهمت به بقية الشعوب في تطور البشرية.
كما أن تهرب ساسة الدول، التي حققت تقدماً في مختلف المجالات، بما في ذلك التقدم العلمي والإقتصادي والإجتماعي، وانتزعت شعوبها حقوقها الكاملة وأهمها حرية التعبير والانتخاب والعيش بكرامة وعزة إنسانتين، تهرب ساسة هذه الدول من تحمل مسؤولياتهم تجاه ما يجري في الدول الأقل تعليماً وتقدماً يعتبر أيضاً نوع من السقوط
الاخلاقي.
وتعصب شعوب الدول المتقدمة، وعلى وجه الخصوص بعض نخبها السياسية، يتمثل في النظر إلى ذاتها على أنها متفوقة على بقية الشعوب، واعتبار قيمها وثقافتها هي القيم والثقافات الصحيحة، وأن بقية الشعوب يجب أن تلبس ثوبها. هذا التعصب ليس بأقل سوءاً من التعصب القبلي أو الطائفي في المجتمعات الأقل تعليماً.
وصل التقدم العلمي إلى أوجه، ومعه الكذب والنفاق والعهر السياسي. وأصبح السياسيون يتاجرون بالأكاذيب والنفاق لتحقيق أهدافهم الشخصية أو أهداف أحزابهم أو دولهم على حساب الأخلاق والقيم الإنسانية.
تُعتبر الدول المتقدمة نموذجاً يحتذى به في التطور في مختلف المجالات، إلا أن اتخاذها قرارات بالانحياز الأعمى لأي طرف في النزاعات، حتى لو كان هذا الطرف متهماً أو مسؤلاً عن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، يُعد كارثة لا تقل خطورة عن هذه الجريمة نفسها. ويساهم هذا الانحياز في استمرار هذه الجرائم ويحرم المدنيين من حقهم في الحماية والعدالة. كما أنه يُعد خطأ سياسياً فادحاً، حيث يُظهر النفاق السياسي لهذه الدول وانحرافها عن مبادئها الإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، يؤسس هذا الانحياز لنشوء جيل كامل من الشباب المنافق بل والعنيف. وذلك لأن الحكام عادةً يجندون ماكنة إعلامية ضخمة ويشترون ذمم بعض المفكرين والمثقفين للترويج لمواقفهم. ويتلقف هذه المواقف جيل كامل من الشباب والطلاب المهتمين وغير المهتمين بعلوم السياسة وممارسيها. وبالتالي، فإن هؤلاء الشباب سيشكلون جيشاً من المنافقين السياسيين ومديري العنف الذين سيجتاحون العالم في المستقبل، مما سيزيد حجم الكارثة وحجم الدمار البشري.
السؤال هو: هل ستستيقظ شعوب العالم المؤمنة بالتعايش السلمي بين الأمم يومًا ما من غفلتها وتلعب دورًا فعَّالًا في مواجهة الحكام عديمي الضمائر والإنسانية، بهدف منع استمرار هذه الكارثة؟
إن إدراك الحقيقة وتخطي حاجز الصمت أمر ضروري، حتى وإن كان صعباً أو مؤلماً. لذلك، نأمل أن يستعيد البشر شجاعتهم في قول الحقيقة، ويتخلون عن الكذب والنفاق، خاصة في البلدان التي تتمتع بقدر كافٍ من الحرية، لأن السقوط في وحل الكذب والنفاق يعني سقوط العالم بأسره إلى الهاوية، سيما في ظل مواقف شعوب العالم السلبية والمتخاذلة.