من مقدمة كتاب (حرب العصيد.. جنايات يحيى حميد الدين على اليمنيين)
ما من إمام سُلالي إلا وطلب من أنصاره – حال قيامه – بأنْ يدعموه بأموالهم، تأكيدًا لحبهم له، وصدق ولائهم، وقد كان مُؤسس دولة الإمامة الزيدية (الهادوية) في اليمن الهادي يحيى بن الحسين الرسي سَباقًا في ذلك، أضحت تصرفاته مُهابة عند من تبعه من أئمة، أكثر من القرآن نفسه.
وهذا الشريف الفاضل جعفر بن قاسم العياني (قُتل عام 468هـ / 1075م) خاطب مُستفتيه عن ذلك قائلًا: «ولولا ما ذكره أئمتنا عليهم السلام من الواجب علينا؛ لما تعلقنا بمال مُحرم، ولا دخلنا أبدًا في مأثم».
وأضاف: «وأنا أرى أنْ أجبر الناس على اثنتين، لسلامة اثنتين، يجبرون على الجهاد بالنفوس والأموال، دون الحريم والأديان»، وأقسم بأنَّ أخذ تسعة أسهم مما في أيدي الناس أصلح لهم وأعدل من أنْ يتخلى عن الأمر.
وذكر ابن أبي الرجال أنَّه – أي جعفر العياني – كان يأخذ ثلاثة أرباع المال من الأعشار، وما تصطفي من الصوافي قدره سبعون ألف دينار، وقد خسر في نهاية الأمر وبسبب مطامعه تلك حياته.
وعلى نهجه سار أخوه وخلفه ذو الشرفين محمد (توفي عام 478هـ / 1085م)، وعن ذلك قال كاتب سيرتهما: «سألت الأمير الأجل ذا الشرفين بعد ذهاب الشريف الفاضل عن الحُجة في جواز هذه الجبايات، فقال: ما كنت أظن أحدًا أنْ يسألني عن هذه المسألة»، واستغرابه هنا يدل على أنَّها صارت أمرًا واقعًا سبق البت فيه!
والأدهى والأمر من ذلك أنَّه – أي ذي الشرفين – اعتبر بقاء الإسلام والمسلمين مرهون بعدم التخلي عن تلك الجبايات التعسفية، وخاطب سائله بعد استغرابه ذاك قائلًا: «الأصل في هذا أنَّ أمورنا كانت منوطة بحي الشريف الفاضل عليه السلام، ثم نظرت بعد ذهابه فيما يعود صلاح المسلمين الإسلام، وراجعت نفسي في تخلية هذه الأشياء، والقيام بها، فإذا تخليتها لا يُبقى على الإسلام والمسلمين بقية، ويأتي على هلاك الدنيا والدين بالكلية؛ فرأيت التمسك بما نحن فيه..».
من مقدمة كتاب (حرب العصيد.. جنايات يحيى حميد الدين على اليمنيين)، ص 25 – 26.
بلال الطيب