“العلمانية مفهومها بمعناه الشمولي”
جمال حسن
هناك نظرة سطحية للعلمانية باعتبارها فصل الدين عن الدولة. وهو تفسير سطحي فرضته حالة الصراع مع الكنيسة صراع السلطة الزمنية والروحية.
العلمانية بمفهومها الأكثر شمولية، هو حالة فصل بين التفكير العقلي والغيبي، بين الذهنية العلمية التي تفسر الحقائق وفق تجريبها ومشاهدتها، وأخرى تتكئ على مسلمات دينية.
العلمانية او العلمانيين، ظهرت كمصطلح في اوروبا تشير إلى انصار الفصل بين السلطتين الزمنية والروحية. لكن بمفهومه الواسع يرتبط بالحالة المعرفية التي تشكلت مع ظهور جاليلو وديكارت، باعتبار ان الاثنين احدثا اول قطيعة ابستمولوجية مع المعرفة القديمة والقروسطية منذ ارسطو، والتي كانت تنظر للكلمات باعتبارها حقائق تدل على الأشياء، مع انها في الحقيقة رموز اصطلح عليها عرف لغوي للأشياء. ومنذ تلك اللحظة حصلت لحظة قطيعة معرفية مع التفكير الغيبي الذي لا يميز بين الحقائق والغيبيات، بين الكلمات والأشياء.
المفردة الانجليزية secularism والتي تعني العلمانية، وصفتها علماني secular مشتقة من كلمة لاتينية saecularis والتي تعني “دنيوي” او “زائل” وهي على علاقة بالعمر او الجيل، ونفس الكلمة اللاتينية بمعنى عصر او تحدث مرة واحدة في العمر. ومشتقة ايضاً من المفردة اللاتينية “saeculum وتعني عمر، فترة من الزمن، وجيل. ومن الاشتقاق مرتبط معناها بالدنيوي او الشيء المعرض للزوال. عكس السلطة الدينية التي تدعو الثبات والأبدية.
مع جاليلو تشكلت النظرة العلمية، وهي النظرة التي تخضع الأشياء للتجريب والاختبار لتصبح برهاناً واقعاً او ملموساً يتكرر كل مرة. وهو ما قام به عندما اخذ حجرين مختلفي الحجم ورماهما من اعلى برج بيزا، ليصلا في فترة واحدة، وهكذا عطل مفهوم ارسطو الذي سيطر على التفكير الانساني ما يقارب الفي عام. وقد تزامن ظهور هذا المفهوم بمعناه الشمولي بفترة تمهدت فيها دواعي الحروب الدينية في اوروبا.
والنظرة العلمية هي تلك التي تخضع الحقائق لتجارب واختبار، بينما الاستقراء الذهني يعتمد في برهانه على العقل وما سيؤوله طبيعة الأشياء في عملية ميتافيزيقية. والعلمانية ايضاً فصل بين البرهان الخاضع للاستقراء العقلي، والبرهان القائم على التجريب والمشاهدة.
والزائل او الدنيوي، في مفهوم العلمانية، ايضاً خاضع للبرهان التجريبي والمشاهدة، فاي سلطة دنيوية زائلة بطبيعتها او بحاجة لاصلاحها طالما برهن اختبارها إلى صيرورتها مشكلة. بينما الثابت في السلطة الدينية مطلق وغير قابل للاصلاح او خضوعه؛ فما يبرهنه التجريب تخرسه الغيبيات.
لهذا العلمانية مفهوم شمولي، اكثر من كونه مصطلح غوغائي تتبارز فيه عصبويات. إنها عملية فصل بين نظرة لا تفصل بين الخرافات والحقائق، بين الغيبي والعلمي.
ولا يعني ان وجود عاشقين يقبلان بعضهما بانه مجتمع علماني. وفي تركيا مازالت الكرامات والغيبيات جزء جوهري من تكوين الوعي الشعبي. العلماني هناك تجسيد لحالة نخبوية. والعلمانية لا يمكن تسطيحها في تلك الحالة التي ابداها احد المصريين الذي ازعجه وجود “قلة ادب” كقبلة بين عاشقين في مترو. وهو مستغرب كيف سيسقطون الانقلاب إن استمر حدوث “الحرام”. ليس الصراع بين السلطة الدينية والسلطة العلمانية، بين تحرير القبلة او تكميمها، بل بين تحرير الوعي وتقييده.