تعز ـ الحصار والقنص أسيد الضمائر
مصطفى محمود
لا يفعل الحصار والقنص بتعز قتلاً وتشريداً وإفقاراً فقط، إنما يذيبان كبرياء كل تعزي ويشوهان صورته أمام نفسه فيغدو “ميت على الدروب يسير “.
. الحصار والقنص الحوثي “يدخلاننا في التجربة”، يكشفان ضعفنا بعدائية لا مثيل لها، وبوضوح لا تنفع معه أي آلية من آليات الذهن والذاكرة في حفظ توازن النفس وهنائها.
الحصار والقنص- يتحديان فينا كل صفة أخلاقية تسند اعتزاز المرء بنفسه، يتحديان الشجاعة والشهامة وحس التضامن ونزعة التميز وقوة التمرد ..الخ. وحين تنتصر نفس المرء لكرامته في وجه الحصار والقنص فإن المرء يفقد فرصة أن يتذوق طعم الكبرياء لأنه يفقد فرصته في الحياة. إذن ما على ضحية هذه القوة الغاشمه إلا أن يهجر توازنه النفسي الطبيعي وأن ينجح في أن يتوازن على خلل كي يبقى،
كيف يستعيد أب توازنه النفسي بعد أن يشهد طفله جثه هامده قتلته رصاصة قناص حوثي اثناء ماكان يجلب احتياجات المنزل دون أن يستطيع هذا الاب فعل شيء؟..
ما المركب الذي يتشكل داخل نفس الأم التي تتصل بابنها فيأتيها صوت آخر يبلغها ان ابنها قتل قبل قليل برصاصة قناص حوثي يبلغها بالطريقه المعهوده التي تستقبل بها الامهات التعزيات ابناءهن القتلا بقناصات الحوثيين ، وتظل هذه الأم عاجزة عن فعل شيء ويظل الناس من حولها على عادتهم في حياتهم؟
ما الخلل الذي حدث لإنسانيتنا وأتاح لنا أن نواصل حياة عادية بين الحصار والموت ونحن نعلم أن اربعه مليون نسمه في مدينة تعز محاصرون منذ عشرسنوات بلا كهرباء ولاماء، يحصلون على مقومات العيش والحياه بصعوبه بالغه ؟..
كيف نحمي كبرياءنا حين نترك. محتمع بأكمله يتعايش مع رصاص القناص ومع الحصار؟.. كيف نترك أصدقاء وأقارب وأحبة لنا في مهب القناص الحوثي الغاشم حين نتركهم ونمضي إلى ملذات حياتنا اليومية؟
كيف يمكن أن يكون لشخص كبرياء في ظل سيطرة الحصار والقنص الحوثي الغاشم ؟ حين يصمت أليمني على اذلال يمني اخر من قبل الحوثي ، إنما يذل بذلك نفسه أمام نفسه. وحين يصمت على قنص احد إنما يقتل في داخله كبرياءه الخاص. نصمت لكي نعيش، لكي نبقى في عداد الأحياء، ولكنا نعيش بذلك مكسوري النفس إلى الأبد. نجعل كرامتنا قرباناً لحياتنا فنعيش فيما يشبه الحياة، ولكن الأسوأ أننا بخيارنا هذا إنما نمكّن القوة الغاشمة الحوثيه ونقلل على أبنائنا فرصة العيش بكرامة.
القوة الغاشمة أقصد بها القوة المنفلتة التي لا يضبطها قانون محدد ولا تحكمها دين ولااخلاق ولاانسانيه ولاوطنيه ولا اعراف استقر عليها الناس الذين يشكلون مجال عمل هذه القوة وموضوعها.
إنها مثلاً قوة سلطه مليشاويه تسيطر عليها طغمة سلاليه عنصريه طائفيه ،
فرضت ذاتها بقوة السلاح والارهاب . لا يخضع هذا النوع من القوة سوى إلى عنصرين هما: أولاً، تخضع لمزاج صاحبها واحقاده وعنصرينه أو آمرها، فهي قوة شديدة المركزية السلاليه والولاء من جهة، ولكنها من جهة ثانية تنفلش وتنبسط بلا حدود حتى تتغلغل في أدق مسامات وتفاصيل حياة الأفراد . ثانيا، تخضع لحدود نفوذها التي تقسرها عليها وتحددها لها قوى اقليمه ودوليه، فالقوة الغاشمة لا تركع إلا لقوة أشد.
يحدث لمقهوري القوة الغاشمة ما حدث
للقاصي عبد العزيز السفياني عضو نيابة إستئناف تعز وولده من قناص القوة الغاشمه يوم عيد الفطر المبارك امام منزلهما.إذ مات الولد واصيب الفاضي عبدالعزيز اصابه بالعه تم نقله للمشفى نرجو له الشفاء،
سكان مدينة تعز يكفيهم سماع خبر قتلا قناص الحوثي يفقدون الشهية على الأكل وعلى الكلام. تجدهم في هذه الحالات واجمين يستشعرون مدى بؤسهم ويستشعر كل واحدا منهم انه المقتول القادم برساص القناص الحوثي.. لكنهم مع الوقت اعتادوا على المزيد من القتلا والبؤس والمزيد من التدجين ورخاوة الشعور وبلادة الحس تجاه ضحايا القناص الحوثي ، خبر قتلاه يمر بجانب آذاننا ونحن نأكل دون أن يترك ذلك أثراً يذكر.
مع الوقت ينضب شعور المرء بكرامته ويصاب بمرض يمكن تسميته “مرض الحفاظ على الذات”، ويصبح في نظر ذلك القناص المقيم في داخل كل منا ا، والذي لا يمكن السيطرة عليه أو تدجينه أو التحايل عليه، شخصاً فاشلاً في الانتصار للقيم الإنسانية، شخصاً لا يحترم شخصه.
لا يقتصر فعل القوة الغاشمة على التأثير الخارجي بالحصار والقنص حد القتل والتوجيع ، بل إن فعلها الخارجي هذا ينفذ بقوة إلى الداخل ويقتل في المرء كبرياءه حين يجعله متواطئاً مع هذه القوة الغاشمه ضد ضميره وقيمه وكرامته…
مصطفى محمود اليمن