الاستاذ / علي الصراري
هل تكفي ورقة لاستحضار ماضي الحزب الاشتراكي اليمني كي يكون بمقدور معدها ان يقول لكم: هاكم ماضي الحزب اضعه بين ايديكم؟ واجيب على تساؤلي: لا ازعم باني قد اعددت ورقة كهذه .. وانما اكتفي بتقديم نبذة تاريخية مختصرة تتناول ماضي الحزب من خلال معلومات محددة فيما اقدر انه يمثل محطات رئيسية في تاريخه, او ملامح اساسية في توجهاته الفكرية والبرنامجية, وعلى اساس هذا التقدير, اقسم تاريخ الحزب الاشتراكي اليمني الى اربع مراحل اساسية يتكون فيها تاريخه حتى الآن.
النشأة وميراث التشطير لقد جاء قيام الحزب الاشتراكي اليمني كثمرة لتقارب ثم توحد عدد كبير من الاحزاب والتنظيمات والجماعات السياسية التي ظهرت في فترات زمنية مختلفة, وفي ظروف وملهمات وبرؤى فكرية وبرامج سياسية مختلفة واحيانا متناقضة.
لقد سجل الحزب في مقدمة برنامجه السياسي المقر من مؤتمره التوحيدي الاول في 9 مارس 1979م , بانه الوريث الشرعي للحركة الوطنية اليمنية كلها! وفي هذا القول شيء من المبالغة, غير انه في الحقيقة وريث فعلي لعدد كبير من احزاب وفصائل الحركة الوطنية اليمنية ان لم يكن معظمها .. وهذا شيء يتفرد به قياسا بالأحزاب والتيارات السياسية القائمة اليوم في اليمن.
وتشكل الحزب من مجموعتين الاولى نشأتها موحدة والثانية ارتبطت بالتشطير.
1- المجموعة الاولى ذات النشأة الموحدة:
أ) حزب البعث: وقد بدأ نشاطه عام 1958 في عدن, ثم امتد الى مناطق المحميات والى المملكة المتوكلية اليمنية, وكان يعمل كفرع لحزب البعث العربي الاشتراكي كحزب قومي اسسه ميشيل عفلق عام 1947, واشتهر بشعاره ذي المفردات الثلاث: (وحدة, حرية, اشتراكية) , واستطاع فرع حزب البعث في اليمن ان يستقطب الى صفوفه نخبة من المثقفين والطلبة الدارسين في الخارج, وعدد من ضباط الجيش في المملكة المتوكلية الذين شاركوا بدور هام في ثورة 26 سبتمبر 1962 في صنعاء, واطاح بالامام البدر واعلن قيام الجمهورية العربية اليمنية. دخل فرع حزب البعث في اليمن في خلاف مع القوات العربية المصرية التي جاءت لمساعدة الثورة اليمنية, وهذا اثر على دوره الى حد كبير, الا موقع البعثيين في معسكر الجمهورية في الشمال, ومعسكر النضال لطرد المستعمر في الجنوب. في مرحلة لاحقة وتحديدا في عام 1972انقسم فرع حزب البعث الى قسمين رئيسيين:
القسم الاول: ظل محتفظا بتسمية حزب البعث وحافظ على ارتباطه القومي, مجموعة ارتبطت بالمركز البعثي في العراق, ومجموعة اخرى ارتبطت بالمركز البعثي في سوريا.
القسم الثاني: فقد اسمى نفسه بـ (حزب الطليعة الشعبية) , وقام كحزب موحد في اليمن برئاسة انيس يحيى اندمج في الماركسية اللينينية, ثم ما لبث ان انقسم بالتفهاهم الى حزبين: جنوبي برئاسة انيس يحيى اندمج في التنظيم السياسي الموحد: الجبهة القومية الحاكم في الجنوب, وشمالي برئاسة الدكتور عبده علي عثمان, صار فيما بعد احد فصائل حزب (الوحدة الشعبية) في الشمال, واحد الفصائل المكونة للحزب الاشتراكي اليمني.
ب) حركة القوميين العرب: وقد نشأ فرعها في اليمن عام 1959 على يد مجموعة من الطلبة اليمنيين الذين كانوا يدرسون في بيروت حيث المركز القومي للحركة.
بدأ فرع حركة القوميين العرب يعمل في عدن وفي شمال اليمن في وقت واحد, وركز الحركيون على النشاط وسط العمال والطلبة والمدرسين, ثم مدوا نشاطهم الى الارياف وداخل الاجهزة العسكرية.. ومثل البعثيين, شاركوا في ثورة 26 سبتمبر 62, وفي الدفاع عن نظامها الجمهوري, وكانت حركة القوميين العرب التي اشتهرت بشعارها المعروف (تحرير, عودة, ثأر), ذات توجهات سياسية ناصرية ومنحازة للمركز القومي بقيادة عبد الناصر في القاهرة, وان ظل مركزها التنظيمي في بيروت بقيادة الدكتور جورج حبش وهاني الهندي وآخرين, اما في اليمن فانها ارتبطت بثلاثة اسماء كبيرة, فيصل عبد اللطيف الشعبي, وسلطان احمد عمر, ويحيى عبد الرحمن الارياني.
ولقد تشكلت الجبهة القومية كتنظيم مستقل من فرع (حركة القوميين العرب) في جنوب اليمن وتنظيمات اخرى مع انها ظلت ترتبط بعلاقات خاصة مع حركة القوميين العرب سواء كفرع في اليمن او مركز قومي يعمل من بيروت.
ج) التيار الماركسي: لقد بدأ هذا التيار ينشط تحت اكثر من مركز في الشمال وفي الجنوب اليمني, غير ان المجموعة التي تزعمها عبدالله باذيب شكلت المجموعة الماركسية الرئيسية, وحافظت على نهجها الفكري والسياسي المتميز حتى قيام الحزب الاشتراكي اليمني. بطبيعة الحال, عانى هذا التيار من النزعة العدائية المتشددة ضد الماركسيين من قبل التيار القومي, وهذا اثر على فعاليتهم وادى الى محدودية وتحجيم نشاطهم ووجودهم, ومع ذلك ظل .
2) المجموعة الثانية ذات الامتداد الشطري:
أ) لم ينقسم حزب الطليعة الشعبية المنبثق عن فرع حزب البعث في اليمن الى فرع للشمال وآخر للجنوب الا عندما دخل فرعه في الجنوب في التحالف ثم التنظيم السياسي الموحد (الجبهة القومية) عام 1975.
ب) ومثله حزب اتحاد الشعب الديمقراطي التيار الماركسي الذي ترأس فرعه في الجنوب عبدالله باذيب, وتزعم فرعه الشمالي عبدالله صالح وسلطان زيد.
ج) اما حركة القوميين العرب, فقد انضوى اعضاؤها في الجنوب تحت اطار (الجبهة القومية) , ومنذ يوليو عام 1968م, شكل اعضاؤها في الشمال حزبهم باسم (الحزب الديمقراطي الثوري اليمني) , الذي اعلن نفسه كحزب موحد لليمن كلها, الا ان نشاطه ظل محصورا في شمال اليمن, وبرز في قيادته الاخوة: عبد الحافظ قايد, وسلطان احمد عمر, وعبدالقادر سعيد, ويحيى عبدالرحمن الارياني.
د) حزب العمل اليمني: وقد نشأ في مطلع السبعينات من مجموعات كانت تنتمي لحزب البعث او لاتحاد الشعب الديمقراطي , والبعض (القليل) منها من حركة القوميين العرب.. ومع ان حزب العمل اعلن وجوده ونشاطه في اليمن كلها, الا ان نشاطه انحصر في شمال اليمن.
هـ) منظمة المقاومين الثوريين: وقد نشأت في البداية كتنظيم عسكري يتبع التنظيم السياسي للجبهة القومية, ثم ادت التطورات السياسية والتنظيمية الى تشكله كتنظيم سياسي في الشمال وكواحد من فصائل العمل الوطني اليساري التي اندمجت في اطار الحزب الاشتراكي اليمني.
والى جانب فرع حركة القوميين العرب شارك في تشكيل الجبهة القومية التنظيمات والجماعات التالية:
1ـ تنظيم الضباط الاحرار. 2ـ جمعية الاصلاح اليافعية. 3ـ تشكيل القبائل. 4ـ الجبهة الناصرية. 5ـ الطلائع الثورية.
الستينات والتحول الى الماركسية
باستثناء (اتحاد الشعب الديمقراطي) بقيادة عبدالله باذيب الذي تشكل منذ البدء كجماعة ماركسية فان بقية الاحزاب اليسارية التي تشكل منها الحزب الاشتراكي فيما بعد انتقلت وعلى نحو تدريجي من الايديولوجية القومية الى الايديولوجية الماركسية. ولم تكن الماركسية التي التزمت بها احزاب اليسار في اليمن بين سنوات 68 وحتى 79 تشكل نسيجا فكريا واحدا بل كانت عبارة عن خليط من الافكار والمدارس الماركسية المختلفة التي تجاوزت وتعايشت بين احزاب اليسار وداخل كل حزب فإلى جانب المدرسة السوفييتية وجدت التيارات الماوية والتروتسكية والجيفارية… الخ. وظلت السمة العامة لعمل احزاب اليسار محكومة برغبة كل منها في ان يثبت انه ماركسي اكثر من الاخرين.
وسارت خطى التحول الى الماركسية كما يلي:
1 – الجبهة القومية: جنبا الى جنب مع استمرار الثورة المسلحة لطرد القوات البريطانية من جنوب الوطن كان ينمو تيار يساري داخل الجبهة القومية ومع انتزاع الاستقلال في نوفمبر 67 كان التيار اليساري في الجبهة القومية قد صار يشكل القوة الرئيسية فيها وبدأ يصارع لفرض برنامجه الاقتصادي والاجتماعي لفترة ما بعد الاستقلال. واستطاع اليسار ان يصل الى السلطة في 12 يونيو 68 في انقلاب ابيض اطاح بقحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف وهما ابرز قادة الثورة وانتقلت الزعامة الى عبدالفتاح اسماعيل وسالم ربيع علي (سالمين) غير ان الجبهة القومية لم تعلن التزامها بالماركسية الا في المؤتمر العام الخامس لها عام 1972.
2 – الحزب الديمقراطي الثوري اليمني: تشكل من فرع حركة القوميين العرب في شمال اليمن في يوليو 1968 واعلن التزامه بالماركسية منذ ذاك.
3 – حزب الطليعة الشعبية: اعلن اليساريون في حزب البعث فرع اليمن قيام حزبهم المستقل باسم (الطليعة الشعبية) عام 1972 وترافق ذلك مع اعلان التزامهم الايديولوجي بالماركسية.
4 – حزب العمل: نشأ عام 1972 من مجموعات كان ينتمي بعضها لحزب البعث وبعضها لاتحاد الشعب الديمقراطي وبعضها الثالث كمجموعات ماركسية واعلن التزامه الايديولوجي بالماركسية من لحظة قيامه.
ارهاصات الوحدة في السبعينات
في 5 فبراير 1975 وقعت احزاب اليسار الجبهة القومية لاتحاد الشعب الديمقراطي – الطليعة الشعبية اتفاق توحيد عام تلاه مؤتمر توحيد اخر في (الجبهة القومية لحزب واحد حاكم) وبالمقابل وقعت احزاب اليسار في 11 فبراير 76 على قيام (الجبهة الوطنية الديمقراطية) في شمال الوطن غير انه ما لبث ان انسحب البعثيون والسبتمبريون من الجبهة وبدأت احزاب اليسار فيها تناقش فيما بينها مشروعا لاندماجها في حزب واحد وشكلت لذلك لجنة (توحيد اليسار) التي اخذت شيئا فشيئا تتحول من لجنة للتنسيق والحوار بين احزاب اليسار الى هيئة موحدة لقيادتها.
وفي نفس الوقت خاضت احزاب اليسار في اليمن شمالا وجنوبا حوارا فيما بينها حول الاداة السياسية والدعوة لقيادة العملية الثورية والتوحيدية في اليمن هل تكون حزبا او تحالفا جبهويا؟ وانتهى هذا الحوار الى الاقرار بقيام حزب طليعي واحد يقود النظام في الجنوب ويناضل لإسقاط النظام في الشمال ويعلن قيام الدولة اليمنية الموحدة.
ولا بأس ان تنشأ جبهة للتحالف الوطني بين هذا الحزب والاحزاب والمجموعات السياسية الاخرى ذات الميول الوطنية والقومية ووقعت على ذلك اتفاقا فيما بينها في 12 سبتمبر 78 وقعه كل من عبدالفتاح اسماعيل وعلي ناصر محمد عن التنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية, وعبدالباري طاهر وعبدالواحد غالب احمد عن حزب العمل اليمني وعبدالله صالح عبده ومحمد عبد ربه السلامي عن اتحاد الشعب الديمقراطي وسلطان احمد عمر وجار الله عمر عن الحزب الديمقراطي الثوري اليمني ويحيى محمد الشامي وعبدالعزيز محمد سعيد عن حزب الطليعة الشعبية وحسين الهمزة ومحمد صالح الحدي عن منظمة المقاومين الثوريين.
مرحلة الوحدة بين الشمال والجنوب تبدأ هذه المرحلة منذ عام 1987 والتي بدأت فيها عملية التجديد النظري في الحزب وفيها تغيرت الكثير من المفردات البرنامجية فبدلا من مهام مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية بدا الحديث عن مهام الاندماج الوطني وتحقيق مشروع الانبعاث الوطني لتجاوز التخلف قبل الحديث عن التطور الرأسمالي او التطور الاشتراكي وبدلا من مهمة التغيير الثوري في الشمال طرحت مهمة التغيير الديمقراطي وتوصل الحزب الى صياغة مفهوم جديد للوحدة اليمنية يقوم على رفض الضم والالحاق والعمل من اجل تجربة ثالثة في اليمن تأخذ احسن ما في تجربة الشطرين وبطريقة سلمية وعلى اساس ديمقراطي وتم التراجع عن المفاهيم السابقة للنهج الاقتصادي لصالح الاخذ بآليات السوق مع اطلاق امكانية التنافس المتكافئ بين القطاعات واشكال الملكية المختلفة وغدت الديمقراطية والمنظومة السياسية الليبرالية هي مضمون التوجه السياسي للحزب.
*من ورقة بحثية ترصد المعالم التاريخية للحزب قدمت في ندوة نظمها مكتب صحيفة البيان الاماراتية في صنعاء في 1999م حول “الحزب الاشتراكي دلائل كثيرة على حيوية جسد الحزب وتكاثر تحدياته وقدرته على المراجعة ونقد الذات”.. ونعيد نشرها في “الاشتراكي نت” لما تضمنتها من معلومات تاريخية عن نشأة الجزب.