د. عمر العودي ..
أصبحت قضايا المخفيين قسرياً والمبعدين قسرياً عن الوظيفة العامة منذ تسعينيات القرن الماضي مجرد فقاعات إعلامية تُستغل لتلبية أجندات معينة، دون أن تحظى بمتابعات جادة أو حلول عادلة. فمنذ عام 1990 وحتى عام 1994، شهد اليمن تحولات سياسية واجتماعية كبيرة، كان من أبرز نتائجها تحقيق الوحدة اليمنية. إلا أن هذه المرحلة التاريخية لم تكن خالية من التحديات والمآسي ، حيث تم إبعاد آلاف الموظفين قسرياً عن وظائفهم، وتم تجاهل ملفاتهم بشكل لافت، اضافة الى تجاهل ملفات المخفيين قسريا وسجناء الراي على ذمة الصراعات الشطرية التي وضعت الوحدة اليمنية نهاية لها وبذلك انتفت اسباب الاخفاء القسري والاعتقال على ذمة الراي وعلى رغم المعاناة الإنسانية التي عاشوها وعاشها أفراد أسرهم.
اليوم، وبعد مرور عقود على هذه الأحداث، لا تزال قضية المبعدين قسرياً عن الوظيفة العامة عالقة دون حل،حيث يقدر عددهم بالآلاف، ومن المرجح أن أكثر من نصفهم قد فارقوا الحياة وحقوقهم لازالت ضائعة بسبب الظروف الصعبة التي عانوا منها، تاركين وراءهم عائلات تكافح من أجل البقاء في ظل شظف العيش وحرمان الأبناء من التعليم. هذه الصورة القاتمة تدفعنا إلى التساؤل عن الأسباب الحقيقية وراء تجاهل هذه الملفات، وعن الدور الباهت الذي لعبته المنظمات الحقوقية في التعامل مع هذه القضايا.
للأسف، تحولت معاناة الضحايا إلى سلعة يتم المتاجرة بها إعلامياً بين الحين والآخر ، دون أن تترافق هذه التغطيات مع جهود حقيقية لتحقيق العدالة أو تعويض الضحايا. فالقضية لم تعد تُناقش إلا في إطار الاستهلاك الإعلامي، بينما تظل اي توجيهات حكومية لحل هذه المشكلة حبرا على ورق وحبيسة ادراج المكاتب دون تنفيذ و بينما يتم إهمال الجوانب الإنسانية والقانونية التي تتطلب تدخلاً عاجلاً. لقد أصبحت هذه الملفات مجرد أرقام تُذكر في التقارير السنوية للمنظمات الحقوقية، دون أن تُتبع بإجراءات ملموسة لإنصاف المتضررين.
من الضروري أن تتوجه كافة المنظمات الحقوقية، المحلية والدولية، إلى إعادة النظر في هذه القضايا بعين الاهتمام والجدية. فمن غير المقبول أن تظل معاناة آلاف العائلات اليمنية في الزوايا المعتمة وتبقى المعاملات الرسمية لتلك القضايا مجرد حبر على ورق، أو مادة إعلامية تُستهلك وتُنسى. يجب أن تكون هناك جهود حثيثة للبحث والتقصي عن الأسباب الحقيقية وراء إهمال هذه الملفات، والعمل على إيجاد حلول عادلة تضمن تعويض الضحايا وعائلاتهم، وتمكينهم من استعادة حقوقهم المسلوبة. كما ان الضحايا عليهم ان ياسسوا اطارا قانونيا يمثلهم وينتصر لحقوقهم.
في النهاية، فإن قضية المخفيين قسرياً والمبعدين قسرياً عن الوظيفة العامة ليست مجرد قضية حقوقية، بل هي قضية إنسانية تمس حياة آلاف الأفراد الذين عانوا وما زالوا يعانون من تبعات القرارات التعسفية التي أُخذت ضدهم. إن تجاهل هذه الملفات يُعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، ويتطلب تحركاً عاجلاً من قبل جميع الجهات المعنية لضمان تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا..