لم يكن انسحاب دونالد ترامب من معاهدة حول الأسلحة النووية مع روسيا سابقة، قدر كونها “عادة” مارسها الرئيس الأميركي منذ تولى منصبه قبل أقل من عامين.
وفي ما يبدو أنه انسلاخ من حقبة سلفه باراك أوباما، أعلن ترامب انسحابه سابقا من الاتفاق النووي المبرم مع إيران، عام 2015، وأيضا معاهدة باريس للمناخ التي وقعتها 195 دولة في العام ذاته.
لكن حساسية المعاهدة النووية التي انسحب منها ترامب تفرض بالضرورة سؤالا مهما: وماذا بعد؟
الاتفاقية التي أعلن ترامب نيته الانسحاب منها، السبت، أبرمت مع موسكو خلال فترة الحرب الباردة، وتحديدا قبل 31 عاما.
ووضعت المعاهدة التي ألغت فئة كاملة من الصواريخ يتراوح مداها بين 500 و5 آلاف كيلومتر، حدا لأزمة اندلعت في الثمانينيات بسبب نشر الاتحاد السوفيتي صواريخ “إس إس 20” النووية، التي كانت تستهدف عواصم أوروبا الغربية.
وأبرم الصفقة الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، مع الزعيم السوفيتي الراحل ميخائيل غورباتشوف في ديسمبر عام 1987، لتكون المعاهدة الأولى والوحيدة من نوعها بين القطبين.
وأجبرت المعاهدة، أو هكذا يفترض، الطرفين على سحب أكثر من 2600 صاروخا نوويا تقليديا، من الأنواع القصيرة ومتوسطة المدى.
ولا يعني الانسحاب من الاتفاق بالضرورة اندلاع حرب نووية بين الشرق والغرب، لكن قرار ترامب أثار مخاوف من تسارع السباق المحموم الرامي إلى تطوير وإنتاج الأسلحة النووية، لدى كلا المعسكرين، فضلا عن حلفاء واشنطن وموسكو.
كما قد يكون للانسحاب من هذه المعاهدة تبعات ضخمة على السياسة الدفاعية الأميركية في آسيا، وتحديدا تجاه الصين منافستها الإستراتيجية الرئيسية التي يخوص ترامب معها حربا تجارية.
والصين ليست طرفا في المعاهدة، وقد أنفقت أموالا كثيرة على الصواريخ التقليدية، في الوقت الذي تحظر فيه معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى حيازة الولايات المتحدة صواريخ بالستية تطلق من الأرض، أو صواريخ كروز يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر.
وأغضب قرار ترامب موسكو، حيث اعتبر مصدر في الخارجية الروسية أن الولايات المتحدة “تحلم” بأن تكون هي القوة الوحيدة المهيمنة على العالم بقرارها الانسحاب من المعاهدة.
وقال المصدر بحسب ما نقلت عنه وكالة “ريا نوفوستي” الحكومية، إن “الدافع الرئيسي هو الحلم بعالم أحادي القطب. هل سيتحقق ذلك؟ كلا”.
وشدد على أن موسكو “نددت مرارا علانية بمسار السياسة الأميركية نحو إلغاء الاتفاق النووي”، وأن واشنطن “اقتربت من هذه الخطوة على مدار سنوات عديدة من خلال تدميرها أسس الاتفاق بخطوات متعمدة ومتأنية”.
وأضاف أن “هذا القرار يندرج في إطار السياسة الأميركية الرامية للانسحاب من الاتفاقيات القانونية الدولية التي تضع مسؤوليات متساوية عليها وعلى شركائها، وتقوض مفهومها الخاص لوضعها الاستثنائي”.