د. صادق وجيه الدين / خيوط
تعيش محافظة إب كغيرها من المناطق والمحافظات اليمنية في أزمة خدمات واسعة، في الصحة والكهرباء والمياه، في حين هناك تدهور كبير في العملية التعليمية مع افتقار كثير من مناطق المحافظة للمدارس، وهو ما أدّى إلى البحث عن بدائل متاحة، كـ”كالدكاكين” لاستخدامها كفصول دراسية.
لا يتوقف الأمر عند المناطق المحلية النائية والريفية، بل يشمل أيضًا عاصمة المحافظة، منطقة الظهار التي يعمل فيها ديوان عام المحافظة والكثير من المكاتب التنفيذية، إذ لا تزال خالية من وجود أي مدرسة حكومية عاملة فيها في مشهد يجسد الوضعية المأساوية للتعليم في هذه المحافظة الواقعة وسط اليمن.
كان من الواجب على الدولة، أن تعد مدرسةً في الحي ولو للمرحلة الابتدائية فقط، من الصف الأول إلى الصف السادس؛ حيث دأب أولياء الأمور مجبرين إلى تأخير إلحاق أولادهم، ذكورًا وإناثًا، في المدارس، لفترة تتراوح بين سنتين إلى ثلاث فأكثر.
وذلك حتى يصلوا لمرحلة تُمكُّنهم من الذهاب إلى أقرب مدرسة، وهي ليست قريبةً، وبخاصة لطلبة صفوف مراحل ابتدائية أولية، مع الاضطرار إلى قطعهم خط سير سريع (دائري)، وهو ما يعرضهم لخطر الحوادث المرورية.
ويطالب أهالي وسكان مثل هذه المناطق في محافظة إب منذ سنوات السلطات المحلية والجهات الحكومية المعنية بتوفير وإنشاء مدارس في مناطقهم المحرومة من المنشآت والمرافق التعليمية، لكن جهودهم ومناشداتهم تذهب أدراج الرياح بالرغم من الحصول على توجيهات تلبية لمطالبهم.
يقول المواطن علي عبدالكريم، وهو من سكان منطقة الظهار في إب، لـ”خيوط”:؛ “تابع والدي وبعض وجهاء المنطقة كثيرًا، واستخرجوا توجيهات بذلك، وكان التفاعل يحضر من المسؤولين والجهات المسؤولة، إلى درجة قيام بعض الجهات المعنية بإعلان مناقصة حول هذا المشروع”.
يناشد أهالي وسكان هذه المناطق في إب الجهات والمؤسسات الحكومية المعنية وقيادة السلطة المحلية والمنظّماتِ الحقوقيةَ والصندوقَ الاجتماعي للتنمية، بالنظر إلى معاناتهم من هذه المشكلة بعين الاعتبار، واستشعار معاناة الطلبة وأولياء أمورهم.
ثم كانت المفاجأة – وفق حديث هذا المواطن-؛ بأن صودر المشروع، بعد أن قيل إنه تمّ الذهاب به إلى منطقة أخرى، بتدخُّلات وضغوطات وقتها، ولم تتم معرفة الغريم الأساس المتسبب في مصادرة هذا المشروع خاص بمنطقة لا توجد فيها مدارس، مشيرًا إلى أنّ المنطقة عانت كثيرًا من غياب المدرسة، ولا سيّما أنّ كل المدارس المتاحة، مع عدم قربها، لا يتم الوصول إليها إلّا بعد اجتياز خط دائري رئيس، يشكّل العبور منه خطورةً حقيقيةً على أطفال في الصفوف المدرسية الأولى.
تبعات كارثية
لا يدرك الكثير التبعات الكارثية التي يتحملها سكان مثل هذه المناطق المحرومة من المنشآت التعليمية بغض النظر عن المآل الذي انحدرت إليه العملية التعليمية في اليمن بشكل عام، بفعل الحرب والصراع في البلاد منذ العام 2015.
إذ يشير علي عبدالكريم إلى جزء من هذه التبعات التي كان للأطفال النصيب الأكبر منها مع تكرر الحوادث المرورية التي كانت تؤدّي إلى حالات وفَيات وحالات إصابات في أوساط الأطفال، وخاصةً أنّ شارع “الدائري” كما يقول هذا المواطن:؛ “لم يكن فيه حركة تجارية وسكانية سابقًا، ولهذا كانت السرعة فيه أكثر مما أصبحت عليه في السنوات الأخيرة”.
ويؤكّد مواطنون من سكان منطقة حراثة القديمة في إب، أنهم اضطروا خلال الفترة الماضية إلى استغلال ثلاثة دكاكين في أحد دور أرضي لأحد المباني واستخدامها كفصول دراسية؛ ليتم تدريس الصفوف الابتدائية فيها، على فترتين؛، ثلاثة في الفترة الصباحية، وثلاثة في المسائية.
تحركات في الظلام
في السياق، يبدي (“أحمد آل قاسم)”، أحد الشخصيات والوجاهات الاجتماعية في إب، لـ”خيوط”، أسفه وحزنه عن للمعاناة المعاناة التي يعاني منها أبناء منطقته الظهار والمناطق الأآخرى في مدينة إب ومديرياتها من عدم وجود مدرسة، رغم أنها ليست منطقةً في الصحراء، ولا في الريف، وإنما داخل المدينة التي هي عاصمة المحافظة.
يوضح آل قاسم أنّ جهودًا كبيرةً بُذلَت من أهالي المنطقة، في متابعة الجهات الرسمية المختصة، وخاصة أنّ الحاجة ماسة إلى مدرسة، في المرحلة الابتدائية على الأقل، لكن كل تلك الجهود كانت تتعثّر، رغم ما كان يتم من تجاوب مبدئيّ لمطالبهم.
كان قد تم تحديد أرضية تابعة للأوقاف لتكون مكانًا لبناء المدرسة، قبل عدة سنوات، غير أنّ “تحركات في الظلام” -وفق وصف أحمد- حالت دون ذلك، بعد أن تم تأجير قطعة الأرض تلك لأحد المشائخالمشايخ القبَليين، بطريقة سريعة ومفاجئة، قيل لهم وقتها إنّها بدعم من مسؤول حكومي بارز ونافذ.
وبيَّن آل قاسم أنّ المتابعة خفّت خلال السنوات الثماني الماضية، والسبب الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، من حرب وحصار، وهذ وهذا كان له تأثيره السلبي على مختلف الجوانب، إلى درجة انقطاع الرواتب الشهرية لموظفي التربية والتعليم وعدد من القطاعات الأخرى، حيث يأمل في بتجاوز هذه الظروف، لكي يحصلوا يحصلون على مطلبهم المشروع.
انعدام الإمكانيات
ويناشد أهالي وسكان هذه المناطق في إب الجهات والمؤسسات الحكومية المعنية وقيادةَ السلطة المحلية والمنظّماتِ الحقوقيةَ والصندوقَ الاجتماعي للتنمية، بالنظر إلى معاناتهم من هذه المشكلة بعين الاعتبار، واستشعار معاناة الطلبة وأولياء أمورهم.
يقول رضوان قَمْلان، أحد أعضاء الهيئة التعليمية بالمدرسة، لـ”خيوط”، إنّ الوضع صعب في الدكاكين الثلاثة التي يدرُس فيها الطلبة، في كلتا الفترتين الصباحية والمسائية، مؤكدًا عدم توفر أي أجواء أو ظروف تعليمية مناسبة داخل الفصول/ الدكاكين، فإلى جانب كونها ضيّقةً في مساحاتها، فإنها لا تزال بحاجة إلى إصلاحات، في الأرضية والجدران والإضاءة.
فضلًا عن النقص في الكادر التدريسي، رغم أنّ بعض المعلّمين الموجودين حاليًّا متطوّعون، بمعنى أنّهم ليسوا موظّفين رسميّين، وأن الكادر التعليمي يتسلّم مبالغَ شحيحةً، من الإسهامات المجتمعية، بمتوسط يتراوح بين 20 و25 ألف ريال للفرد الواحد.
يتطرق قبلان إلى عدم وجود أدنى مقوّمات العملية التعليمية لممارسة مهنة التدريس، إذ إأنّ هناك مشاكل عديدة لا تتوقف عند حدود الفصول الدكاكينية، وذلك بالنظر لعدم وجود ساحة مكان يقام عليه الطابور الصباحي، والذي يُقَام في زاوية ضيقة، بالقرب من طريق مرور المركبات والناس، الواقع أمام الفصول/ الدكاكين تمامًا.
إضافة إلى أنّ منصة الطابور والإذاعة تكون أمام أحد الفصول، وهذا يعني أنّ من عليه/ عليها فقرة إذاعية، من الطلبة، يقطع الطريق من مكان الطابور إلى المنصة، وقد أدّى هذا إلى تعرّض طالبة لحادث خطير من دراجة نارية كانت مسرعةً، وتم يومها إيقاف الإذاعة أو إلغاؤها، والاهتمام بإسعافها سريعًا.
ويناشد في ختام حديثه، اللجهات المسؤولة، بأن يستشعروا المسؤولية الملقاة على عواتقهم، ويعملوا -جادِّين مجتهدين- على توفير مدرسة للمنطقة، ومثل هذه المناطق المحرومة في إب، ولو بالبحث عن تمويل خارجي، بواسطة الصندوق الاجتماعي للتنمية أو غيره، أو حتى عن طريق بعض المؤسسات التجارية ورجال الأعمال، إذ تقتضي الضرورة حشد مختلف الجهود المتاحة للتخفيف من معاناة هذه المناطق وسكانها وأطفالها من عدم وجود مدارس ومرافق تعليمية.
•••د. صادق وجيه الدين
المادة خاص بمنصة خيوط