ضع اعلانك هنا

عالم الاجتماع المصري د. سعد الدين إبراهيم.. وداعاً

عيبان محمد السامعي

غيَّب الموت، اليوم، عالم الاجتماع المصري الدكتور سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية بعد حياة حافلة بالعطاء السوسيولوجي والنضال السياسي.

لقد كان الدكتور سعد الدين إبراهيم صاحب سيرة معرفية عطرة وبصيرة أكاديمية استثنائية ثاقبة في ظروف يطغى فيها النفعي على الإنساني، والشكلي على ما هو جوهري وهادف.

والفقيد من الأكاديميين السوسيولوجيين العرب القلائل الذين أقاموا حالة تناغم هارموني بين التنظير السوسيولوجي والممارسة النضالية.
إذ كان غزير الإنتاج المعرفي والعلمي، فمؤلفاته التي كتبها باللغة العربية تربو عن 40 كتاباً، فضلاً عن عشرات من المؤلفات والبحوث المكتوبة باللغات الأجنبية.

كان الفقيد ينقّب ويفكك ويشِّرح بمبضع النقد السوسيولوجي واقع المجتمعات العربية، فدرس الأقليات والجماعات الاجتماعية في العالم العربي، واهتم بتحليل واستشراف مسارات التحولات السياسية والاجتماعية، وانغمس في تناول قضايا الدولة والمجتمع والديمقراطية والمواطنة والمجتمع المدني ونظم التعليم وبنى الثقافة والاستبداد والعنف السياسي … إلخ.

وإلى ذلك فللفقيد صولاتٌ وجولاتٌ في مضمار النضال السياسي، فقد كان من أبرز المعارضين السياسيين للحكم الاستبدادي في مصر والعالم العربي طيلة ستة عقود.

وقف بشراسة ضد مشروع توريث السلطة في العالم العربي الذي كان قد بدأ خطواته الأولى مع بشار الأسد حين تسلم السلطة بعد وفاة أبيه، وكان المشروع التوريثي حينها يمد أذرعه إلى مصر وليبيا واليمن وغيرها.

ومن الامور المشهودة قيام الفقيد في يوليو من العام 2000 بنشر مقالة سياسية ناقدة لهذا المشروع التوريثي في مجلة “المجلة” بعنوان: “الجملوكيات العربية: مساهمة العرب لعلم السياسة في القرن الـ “20، وقد تحدث فيها عن مخاطر المشروع التوريثي الذي يلغي الطابع الجمهوري للنظم السياسية العربية، ويحوّلها إلى ما أسماه بالنظم “الجملوكية”، وهو مصطلح صكّه الفقيد ليشير إلى الحالة الهجينة بين الجمهورية والمَلكية!

بعد ساعات من نشر المقالة، فوجئ الفقيد بمائتي رجل أمن مصري يحاصرون منزله، ويقبضون عليه، ومن ثمّ تمت محاكمته وأودع السجن لثلاث سنوات.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تعرض الفقيد لاعتقالات ومحاكمات ومطاردات ونفي إلى الخارج في مراحل مختلفة من حياته بسبب آرائه السياسية الناقدة للاستبداد.

ومع ذلك لم ينل هذا التنكيل والتعسف من عزيمة الدكتور سعد الدين إبراهيم وصلابة مواقفه المناهضة للاستبداد والقهر والحرمان.

ظل الدكتور سعد الدين إبراهيم طوال حياته يتدفق معرفةً وعطاءً حتى أيامه الأخيرة، ففي الفترة الأخيرة كان يشرف على مشروع بناء مدرسة تعليمية ثانوية نموذجية في قريته بدين بالمنصورة، لخدمة الطلاب، بعد أن كان قد تبرع بأرضية بمساحة 1800 متر، وكان الراحل يعتزم على افتتاح المدرسة في أكتوبر المقبل إلا أن الموت وقف حائلاً دون تحقيق أمنيته الأخيرة.

المجد لاسمه والخلود الأبدي لتراثه الفكري السوسيولوجي النيّر.

من صفحة الكاتب على فيسبوك

ضع اعلانك هنا