الـتّـمْـكِـيـن :
عبدالله عبده المخلافي
نزعة لدى الإسلاميين في استغلال الآية (٤١) من سورة الحج .. التي تشيع في ادبياتهم .. وهي قوله تعالى: { الذين إنْ مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتَوُا الزّكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}والإشكالية ليست في الآية الكريمة بالطبع ، إنما هي في طريقة توظيفها وتأويلها بما يرضي مقاصدهم الدنيوية …
يقرأ الإسلاميون بشغف شديد الكتيب :(بروتكولات حكماء صهيون ) بدعوى التعرف على تكتيكات العدو الصهيوني وفضحه … ولكن هذه القراءة تستبطن ما لا يمكن البوح به ، وهو تعلم تلك التكتيكات … ولا ننسى أن اليهود أنفسهم ينكرون كتاب بروتكولات حكماء صهيون ، ويقولون: إنّ خصومهم هم من دسوا عليهم الكتاب.
تعبّر البروتكولات عن نزعة التمكين ، حيث إن خلاصتها خدمة اليهودي لليهودي ، ومعاداة الآخر ، أي ما تسميه البروتكولات بِـ (الأمّي) ..
إذن تستبطن حركات الإسلام السياسي – لا فرق بين حزب الله الشيعي والإخوان المسلمين المنتمين للإسلام السني – هدفاً واحداً هو: تمكين الجماعة وليس خدمة وطن … حتى ولو كانت البروتكولات مدسوسة فإنها برعت في وصف واقع الحال اليهودي الصهيوني … سأضرب مثلاً هنا: هناك كتابٌ كبيرٌ عبارة عن دليلٍ إرشادي للمنظمات الدولية المانحة التي تقدم خدماتها للجميع ، مثل : الصليب الأحمر ، ويحتوى الكتاب الدليل على ما يزيد عن (3000) منظمة مانحة ، ليس من بينها غير منظمتين إسرائليتين فقط ، خدماتها موجهة لليهود فقط !.
إسرائيل استثناءاً ليست دولة مانحة..
الإسلاميون بالمثل أياديهم قصيرة لا تصل إلى ما هو وطني عام ؛ لان نظرية التمكين تعنى فقط بتعزيز مكانة الجماعة ، وافتراض أن الآخر هو بالضرورة خصم لا يستحق …
هذه النظرية مناقضة تماماً لجوهر الإسلام ورسالته ، ووصلت إلى الإسلاميين من النموذج اليهودي الصهيوني … إذ تلاحظ أنّ كل التنظيم يتنادى لخدمة أحد أفراده من الشباب ؛ لينجح في الدراسة ، الزواج ، التوظيف ، السكن المريح ، وما إلى ذلك.
حاول أنت غير الإسلامي أنْ تتوظف في أحد مؤسساتهم ، ستجد أنّ الأمر صعبٌ جداً ، ولا نقول مستحيل.
فنزعة التمكين هذه تتعارض تماماً مع الوطنية ، وهي نزعة فاسدة تندرج تحت المحسوبية ، تحت استغلال الدين ، وتأويل النّص لصالح الجماعة ، أولوية ذوي القربى ، بحيث تتحول من العلاقات الأسرية إلى العلاقة الحزبية ، وهذه النزعة هي سبب فشلهم في تقديم نموذج وطني من ناحية ، ونجاحهم في استقطاب المنتفعين من ناحية أخرى …
وقد يقول قائل: إنّهم قد حققوا نوعاً من النجاح الوطني في: تركيا ، وماليزيا مثلاً .. هذا هو الاستثناء الذي يثبت القاعدة. نحن في الواقع أمام تجارب غير عربية ، ولا بد من مناقشة ذلك في مقالٍ تالٍ…
يجب التفريق بين (حزب إسلامي) وحزب (أخوان مسلمين ) ليس على صعيد السياسة والايدلوجيا فحسب بل والثقافة المحلية أيضا والهوية القومية … حزب أردوغان لا يسمي نفسه إسلاميا لأنه يعرف حساسية هذه التسمية . إنه حزب تختلط فيه القومية مع العقيدة … لاحظنا مثلا في الانتخابات التركية أن حزب العدالة خاض الانتخابات متحالفا مع الحزب القومي . لابد هنا من معرفة مفهوم الإسلام بالنسبة للمواطن التركي … إنه يعني مجد تركيا وإمبراطورتيها وهويتها القومية وتاريخها العريق في حركة الإسلام ودولته . خذ ماليزيا أيضا حيث يشكل المسلمون 60 % من الشعب ،، والإسلام بالنسبة لهم ليس مجرد دين وعقيدة إنما بنية ثقافية وحضارية لهيمنة الأغلبية الصغيرة المسلمة فهي ليست أغلبية مطلقة كما هو الحال في أغلب الدول العربية … الاتحاد الماليزي حركته دوافع هوياتها مسلمة ولذلك تقبلوا استقلال سنغافورة غير المسلمة … بالنسبة لليمن والجزائر ومصر والخليج حيث يشكل المسلمون فيها نسبا تتراوح بين 90 و100% . أحزاب الإخوان المسلمين في الحالة العربية ليست ناطقة باسم الإسلام ولا الإسلام فيها كثقافة مهدد بهويات غربية ولا هويات أقلية كما في ماليزيا وتركيا … ولذلك فإن الإخوان المسلمين العرب يراهنون على لعبة السلطة لا غير وليس على الهوية الحضارية لشعوبهم … يمكن للوعي المصري – مثلا – أن يطمئن على عقيدته الإسلامية وهويته مهما كان من يحكمه ولكن هذا الشعور ليس بنفس القوة في تركيا أو ماليزيا. حزب أردوغان لا يحظى بتأييد إسلاميين فحسب بل و (علمانيين) أيضا ذوي نزعات قومية ، والإسلام جزء من مكونات هذه القومية … يجب أن ننتبه أيضا إلى الإخفاقات التي حدثت في تركيا منذ عصر أتاتورك حتى قبل ظهور القوميين الإسلاميين … الإخوان في المشرق العربي معجبون جدا باردوغان فهو قريب منهم أو هو قريب منهم ولا نقول معهم في كل شيء … كما أنه يمنحهم أمرا طالما ما افتقدوه وهو النجاح في التجربة والتنمية وكأن لسان حالهم يقول (أنظروا إلى تركيا وماليزيا ونجاحاتهما في ظل أحزاب “إسلامية” ).. هذا الكلام بالطبع ساعد الإسلاميين كثيرا للفوز في الانتخابات في مصر والمغرب وتونس وغزة مستفيدين من الوعي الخاص بتجربة العدالة والتنمية التركي … ولكن هذه الرؤية ضيقة لأنها تسقط من حسابها البعدين القومي والثقافي للأمة لصالح شعار (الحاكمية لله) وهو شعار لم يرفعه أردوغان ولا مهاتير محمد … لن يحقق الإخوان نجاحا في الدول العربية بسبب مقاصدهم وبعدهم عن مطالب الناس ونظرتهم إلى الديمقراطية فهي مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة ولكنها ليست في صلب بنيتهم الحزبية وأيدولوجيتهم … خلاصة القول أن متغير النظرة إلى الإسلام في المجتمعات المسلمة هو الذي يحدد من ناحية طبيعة الحزب الإسلامي ويحدد من ناحية أخرى طبيعة النظرة المجتمعية له بل ويحدد مع ذلك نجاحه وإخفاقه وشعاراته وبرامجه وعلاقته بالشعب .
عبدالله عبده ناجي المخلافي ( ابوأثيل )