ضع اعلانك هنا

غسان كنفاني العائد.. التحرير ليس مستحيلاً

 

غسان كنفاني العائد.. التحرير ليس مستحيلاً

على الطريق :: طلال سلمان

أؤمن بأن النسيان فضيلة. الثمانون تساعدني كي أتغاضى عن ذاكرتي. اأن أكون مُطمئناً إلى أن الماضي مضى حقاً. كان عليَّ أن أفرح وأحتفل، غير أنني أرى الأمل أبعد من السماء. ثم أنني مستسلمٌ لأوان المغادرة.

 

فجأة، أعود صبياً، أرشح طفولة واشتهاءً. إنها لمعجزة أن تكون فلسطين، ولا أحد سواها أبداً، تدُلّني على إصبعي وتأمرني بأن أشهره إلى فلسطين.

 

وفجأة، بعد خمسين عاماً، يعود إلينا غسان كنفاني، مُتوجاً بضوء لمساحات وجودنا، يضيءُ لنا مسارات وافرة العطاء. وها نحن هنا، نعود إلى شجاعة البدء. فكل يوم بداية. المستقبل يلدنا ونلده. فأهلاً يا صاحب الجراح والآلام، والانتصار لم يعد مستحيلاً.

 

عرفنا غسان كنفاني ماضياً، ولكنه لم يمضِ. خمسون عاماً، كان فيها حاضراً، لمن يتنبه إلى أن فلسطين ولّادة. وأن القبضة تتوالد، وأنَ الدم بكر، وأن اليأس خيانة، والتخلي جريمة. لم يعد صحيحاً يا صديقنا غسان، أن الأبطال يموتون دون أن يسمعهم أحد، كما جاء في “رجال الشمس”. أعتذر منك. أنا أخالفك الرأي. لقد سمعناه وسمعناهم.

 

فلسطين منعت النسيان عن جيل يخضب أرضاً وشغفاً وأملاً. غريب أن الشهادة مؤلمة ولكنها لا تستدر البكاء، بل تُحرّض القبضات وتحفظ مفاتيح بوابات العودة، وتصوّب العقل والطلقة، لتصيب، ولا يؤلمها أن تُصاب.

 

لهذا، إني أصدّقك يا غسان: بلى، “عائد إلى حيفا”. عائد إلى جان دارك في مسقط رأسك. من هناك ارتحلت إلى المنافي: بلغت لبنان شاباً، سوريا بعد ذلك، الكويت على مرمى عمل، إلى الكويت، والقرع على الخزانات والموت على الطرقات الجريحة. ثم عودة إلى بيروت وانتساب إلى الثورة وانتصاب قلم وبندقية، ورسم أفق بعيد تصل إليه بعينيك.

 

سيرتُك لا تُكتب كما تُكتب الأسماء في بطاقات الهوية. أنت أفصحت عن انتمائك بطبيعية ولغة وأداء وصدق وعطاء. الصحافة كانت منصة عمل وأفق مُنال. 18 كتاباً، ليست من حبر بل من حصاد الآلام والآمال. مئات المقالات في الثقافة والسياسة وفي رسم معالم الطريق. وكان الطريق من العواصم العربية إلى فلسطين محفوفاً بالشرطة والمخابرات ولصوص العقائد واشتهاءات القادة. كتبتَ حريتك في أزمنة الحصار والنفاق و”الفتك الأخوي”. يا للعار!

 

كتبتَ في السياسة ولم تكن ضالاً ولا مُضللاً. من أين لك هذه الجرأة التي وضعت اسمك،

ضع اعلانك هنا