ضع اعلانك هنا

ذيل بطول اثنين وثلاثين ألف متر للدكتاتور

ذيل بطول اثنين وثلاثين ألف متر للدكتاتور

 

عرض ريان الشيباني

 

يتذكّر ماركيز “الصحفي”، كيف أن صديقه المخرج السينمائي ميغيل ليتين، وضع ذيلاً طوله إثنان وثلاثون ألف ومائتين متر، في مؤخرة الدكتاتور العسكري التشيلي بينوشيت.

في تشيلي.. البلد الذي أنقلبت فيه طغمة الألبسة الكاكية على الرئيس المنتخب سلفادور الليندي، درج الصبيان، دائماً، على لعبة شوارعية شهيرة: صناعة حمار من الكرتون، ومن ثم يقوم صبي، وعيونه مغمضة، بوضع ذيلاً، في الفتحة المحددة.

المخرج ميغيل، وهو ابن مهاجر فلسطيني. كان مقرباً جداً من الليندي، ومغرماً بقيادته. ونجا بإعجوبة بعد أن وقع في يد الشرطة السرية لبينوشت: تعاطف معه أحد الجنود، بعد أن شاهد له أحد أفلامه. ولذا أخبر الجلاد بأن الرجل القادم، ليكون بين يديه، ليس له أية صلة بنظام الليندي. وقدم إلى هذا المكان ليشتكي من جار هشم له زجاج سيارته. صعق الجلاد: هل يوجد في هذا الوضع، من يقدم بلاغ سخيف كهذا. ولذا نهره: أخرج أخرج.

وبالفعل خرج ميغيل، ليس إلى منزل والدته، ولكن إلى أوروبا. وبعد حوالي 12 سنة، أصدر الديكتاتور قراراً بالعفو العام لحوالي 2000 منفي إجبارياً، لم يشمل ميغيل، بإعتباره من أخطر المطلوبين أمنياً. فقرر أن يصنع ذيلاً للديكتاتور، ويتركه يتخبط مثل ذيل الوزغة:

غيّر المخرج المسينمائي من شكله، وسافر إلى تشيلي بجواز مزوّر. وعلى مدى 6 أسابيع، أدار 3 فرق سينمائية، دون أن تدري المخابرات أن لبعضها علاقة ببعض، وأنها تقوم بمهمة واحدة لصناعة ذيل للدكتاتور. لقد أعتقد مساعدو الديكتاتور، أن المصورين يريدون أن يروجوا لعطر فرنسي، من خلال المناظر الأخاذة. فكان كل شيء على مايرام، أحدهم يزور الحديقة العامة، والآخر سراً إلى منازل الصفيح. كاميرا إلى الغابة، وأخرى إلى مناجم الفحم. كاميرا إلى نيرودا وأخرى إلى سلفادور.

زار ميغيل كل مكان وصوّر فيه. بما في ذلك قصر المونيدا الذي سقط فيه رفيقه الليندي، مضرجاً بدمائه. وفي لحظة، وجد نفسه على بعد أمتار قليلة من الديكتاتور، وهو يدخل إلى مكتبه مجرداً إلا من حارسين. وقبل أن ينتهي من عمله، سافر للقاء صحفية شهيرة، وأهداها السبق الصحفي، على صفحة مجلتها الأولى:

أتى ليتين.. صوّر ثم رحل.

وفي رحلة عودته، متخفياً، مجدداً إلى المنفى، كان ميغيل يجرجر 32200 متر من أشرطة الفيديو.. “ذيل الحمار الذي علقه في مؤخرة الديكتاتور إلى الأبد”، وتمّ منتجته في أربع ساعات تلفزيونية، وساعتين سينمائيتين. قالت كل شيء عن عذابات شعب، حاول الجهاز القمعي لبينوشيت أن يغطيها، فنبت له ما سبق.

في الكتاب الذي يرويه “ماركيز”، يكون ميغيل وزميل له على مقاعد الطائرة المغادرة، عندما تشككت المخابرات بوجودهما داخل البلد. ولذا تصرفوا بطريقة غريبة. أوقفوا الطائرة قبل إقلاعها، وفتشوا في هويات المسافرين مرة أخرى، ولم يجدوا شيئا.

وفوق مرتفعات الإنديز، غرباً، “قدّمت (لهما) المضيفة ذات العيون الزمردية كوكتيلاً ترحيبياً. ودون أن (يسألاها) قالت (لهما): ظنوا أن أحدهم تسلل بين الركاب في الطائرة.

(رفعا كأسيهما) في نخبها، و(قالا): نعم.. فرّ اثنان، بصحتك”.

ضع اعلانك هنا