منشور برس موقع اخباري حر
فقرات من دراسة مطولة عن الفضول الصحفي والصحيفة
اخبـار صحيفة (الفضول) كانت قصيرة جدًا، وتحمل روح النُكتة والنقد اللاذع، وقد تبنى عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول) من خلالها تعرية كل ما هو سلبي في المملكة المتوكلية اليمنية، وتوظيف أحداثًا – غالبيتها عادية واعتيادية – بما يخدم توجهه المُناهض للحكم الإمامي، أو لحكم (الأسياد) كما كان يُحب أنْ يُسميه، وكانت مصادره: مصدر مربوط، أو ما يكذبش، أو برضه مُش كذاب، وكان لديه – أيضًا – مُراسلين بأسماء مستعارة، ومُراسلين ما أنزل الله بهم من سُلطان.
أبلغه مصدره المربوط ذات عدد فضولي، بأنَّ عُكفي سقط بسبب وعورة الطريق من فوق ظهر حمار، وهو في مأمورية بإحدى قرى جبل حبشي في محافظة تعز، وبمانشيت عريض تصدر رأس الصفحة الأولى، جاء عنوان ذاك الخبر: (انقلاب عسكري شمال اليمن)؛ الأمر الذي جعل القراء يتهافتون على شراء ذلك العدد، ليكتشفوا في الأخير أنهم وقعوا ضحية مَقلب فُضولي لا ولن يُنسى.
أما خبر اكتشاف الطاقة الذرية بذمار، فقد جاء عبر مُراسل يُدعى (ولد اللعينة)، ومضمون الخبر أنَّ الدكتور مُقبل قُسامي – رئيس قسم الأبحاث البيولوجية في جامعة الملوج – استيقظ ذات صباح باحثًا عن كسرة خبز خبأها قبل نومه، وما أنْ وجد الطاقة التي وضعها فيها مملوءة بالذَرَّة، حتى أسرع من فوره إلى رئيس البلدية يُخبره باكتشافه للطاقة الذَرَّية، وأنَّه بلا صَبُوح نتيجة ذلك الاكتشاف الخطير، وقد خرج قُسامي – كما جاء في خاتمة الخبر – مَحفوفًا بالتكريم، ومحمولًا على أقدام العساكر، ولا يزال حتى اللحظة بلا صَبُوح!
ومن الأحداث المُضحكة المُبكية التي تناولتها الصحيفة، خبر قيام السلطات الإمامية الغاشمة بأخذ ضريبة رمضانية عن تجار التجزئة في مدينة تعز، نقل تفاصيلها مُراسل فضولي يُدعى (أبو لحية)، جاء في مقدمته: «إذا عرفنا أنَّه لا عمل لحكام اليمن طيلة حكمهم للبلاد غير فرض الضرائب وجبايتها، فإنَّ علينا أنْ نعرف كذلك أنَّ على كل شيء ضريبة، حتى على الصيام»!
وأضاف المُراسل: «يستعد تجار التجزئة في تعز لدفع هذه الضريبة، وليست هذه الضريبة نقودًا للحكام، أو إيجارات للعسكر، أو رشوة لأحمد حلمي، أو “حق السليط” ليحيى محمد عباس، ولكنها حُزم من الشِوَالات “الجَوَاني” على كل تاجر أنْ يأتي بها ويدفعها للحكومة، لتعبأ بها المدفع الذي تطلقه طيلة شهر رمضان؛ إيذانًا بالسحور والفجر والإفطار».
وختم أبو لحية الخبر بقوله: «وليست هذه الضريبة بجديدة، أو ذات اختراع حديث؛ بل هي عادة قديمة، وقانون من قوانين “مِشحاتة” حُكم الأسياد في كل مدن البلاد، فعلى كل بياع مُشتري أنْ يُسلم للحكومة في رمضان شِوَالًا، أو يدفع للجنود قيمة شِوَال»!
وتحت نافذة (خبابير مهمة)، عمل الفضول على نشر عدد من الأخبار القصيرة جدًا، ومنها اخترنا هذا الخبر المُعنون بـ (فتوى حارة)، مضمونه: «أصدر القاضي اليدومي فتوى شرعية شفعها برجائه الحار إلى العسكر المنفذين، يرجوهم فيها أنْ لا ينهبوا سراويل الرعية إلا بعد أنْ يغسلها الرعية بالصابون»!
ومن الأخبار القصيرة جدًا، التي نُشرت – ذات عدد فضولي – تحت نافذة (أخبار الصحافة)، اخترنا هذا الخبر: «أصيب رئيس تحرير جريدة الإيمان بنوبة شديدة من الفالج والدوسنطاريا، وقد نصحه الأطباء أنْ يلزم الفراش، ويقول الصدق لمدة ثلاثة أيام»!
كما عمل الفضول على نقل الأخبار التي قامت بعض الصحف والمجلات العربية بنشرها، وبالأخص تلك التي تناولت وضع اليمن وحُكامه، وأعاد صياغتها بأسلوبه الساخر، ومن مجلة (روز اليوسف) المصرية ترجم تفاصيل قيام القائمين على المفوضية اليمنية في القاهرة باستعارة دفتر تشريفات من مفوضية عربية مجاورة، وذلك حين قام عدد من السياسيين العرب بزيارتهم لتقديم واجب العزاء في وفاة سيف الإسلام إبراهيم بن الإمام يحيى!
(يا رب.. يا كريم)، عنوان ساخر اختاره الفضول لذلك الخبر، ولم يكتفِ بذلك، بل نعت المُعزين بـ (المُجاملين)، ووصف مشهد الاستعارة بقوله: «فلم ترى المفوضية المتوكلية من أنْ تذهب إلى مفوضية عربية أخرى، تطلب منها دفترًا لوجه الله»!
وتحت عنوان (حسنة لله)، صاغ الفضول هذا الخبر: «أذاع صوت العرب من القاهرة أنَّ أسياد اليمن قد اتصلوا بالحكومة المصرية يلتمسون منها العون لمقاومة الجراد الذي داهم المحاصيل في اليمن..»، إلى أنْ وصل: «دولة الأسياد.. لا تزال تمد يدها بعظمة للشحاذة من الناس».
– فقرات من دراسة مطولة عن الفضول الصحفي والصحيفة.
– الصورة لأحد أخبار الصحيفة، وفي أول تعليق تجدون غلاف العدد الذي نُشر فيه.
بلال الطيب
