(الرجل الذي أبكى المستعمر بالحرب .. .فأبكته الراعية بالجبل )
وجيه القرشي
كلنا يعرف أن الإعلام يلعب دوراً كبيراً لإنجاح أي شئ يتولى مسئولية تغطيته خاصة عندما يقدم ذالك الشيء للرأي العام من خلال انجازات وأرقام وحقائق لاتحتاج للمكيجة المصطنعة كونها تشهد لصاحبها بالنجاح ولو لم يتدخل الإعلام وسيطاً لعرضها وتسويقها..ألا إن الإعلام يزيد الشيء صنفرة ولمعاناً كونه يدخل إلى كل بيت وزاوية ليصبح ذالك النجاح محسوباً للإعلام قبل أن ننسبه لصاحبه كون الإعلام عرفنا بشي لم نكن نعرفه ولم نسمع عنه من قبل وكما يمدنا بالنجاح فأنه قد يجبرنا أيضا إن نتعرف بالغث رغماً عن عدم اقتناعنا به .وهذا في حالة إن يعطي المرء الفاشل مالم يستحقه ويوسع له المساحة الإعلانية من خلال تكرار نشر وبث عمله عبرا لوسائل المختلفة وهوا لايستحق حتى نشر اسمه في صحيفة إعلانية اقل بكثير من مساحة إعلان عن بطاقة مفقودة أو متوفى مجهول الهوية …وبالجانب الأخر نجد الكثير من المواهب والخامات الأدبية والفنية والفكرية العملاقة مدفونة تحت ثراء النسيان والتجاهل.. وهي تسكب إنتاجها الفكري داخل مسودة الفقراء وتكتبه بعرقها على صفحات بيضاء محجبه لايكشف عن نقابها احد سوا كاتبها حيث تبقى أسيرة التكتيم الإعلامي داخل حقيبة صاحبها لايصل صداها لأبعد من سمع الأسرة والمقربين فقط…وقد يحظى بشي من ألتذكير الإعلامي بعد وفاته عندما يأتي الغير يفتش ماذا ترك الراحل بعد رحيله ليجد كنوزاً من الفكر والأدب مدفونة وسط صفحات من الورق لاتقدر بثمن وهذا حال الكثير ممن يعيشون بعيداً عن عدسة الإعلام…بينما أفكارهم ( تحبل وتلد )
بالموهبة التي لاتجد من يستقبلها عندما تخرج من رحم العقل فقد تعيش أسيرة الإعاقة الأبدية لايعرف عنها احد وقد ترحل وهي في مهدها …
وإذا كان الكثير منا يعرف من هوا الرجل التعاوني الذي كان قبل رحيله من بيننا يُعرف باسم ( عبد الرحمن الصريمي ) الذي عرفوه أولاً مناضلاً جسوراً وبطلاً مغوار عندما أسس مع الكثير من المناضلين لبنات البناء لثورتي 26سبتمبر..و14 أكتوبر…حيث كان يمثل في عدن احد الأعمدة الأساسية للجبهة القومية عندما كانوا يعملون بها كخلية نضالية تحت قيادة المناضل عبد العزيز عبد الولي رئيس الخلية حتى عام 1965م وتدرج إلا أن وصل مع النضال المسلح إلى مرتبة قائد فرقة صلاح الدين في التنظيم الشعبي وكان يتنقل مع الكثير من المناضلين الى مدينة تعز وبالتحديد إلى منطقة صالة حيث كانوا يتعلمون التدريبات على السلاح وحرب العصابات وغيرها من قبل مدربين مصريين لغرض العودة الى عدن وأجلاء الانجليز منها…وعندما تعرضت الثورة اليمنية بالشمال يومها لهجوم قوي عام 67 كان المناضل عبد الرحمن الصريمي قد اتجه بفرقة صلاح الدين والذي كان يقودها إلى نقيل يسلح حيث كانت تتمركز هناك القوة المعادية لثورة 26 سبتمبر وحدث حصار صنعاء وسقط الكثير من الشهداء…وفي عمران كان عبد الرحمن الصريمي أيضا قائداً لسرية المعاونة من عام 69 وحتى عام 1971م .لينتقل بعد ذالك الى تعز…
**الصريمي من الجيش الى التعاونيات..
وفي تعز بداء عبد الرحمن الصريمي يشق طريقاً أخر بعد إن انتقل إلى الرقابة والاقتصاد ومن هناك اُنتخب رئيساً للمجلس المحلي لقضاء الحجرية ولهيئات الحجرية ..المواسط..الشما يتين..المقاطرة.. وكان هذا عام 1977م إلى هنا عرفه البعض مناضلاًً عسكرياً وتعاونياً …
بينما ما لم يكن يعرف الكثير عن انتمائه الفكري ولم يعرفون ان الرجل كان شاعراً ويعشق الشعر حتى الثمالة وربما إن قريحته الشعرية هي من سبقت ثورته النضالية خاصة انه كان يحارب الانجليز بالرصاصة تارة وبالكلمة الشعرية تارة اخرى حيث كانت موهبته بحراً من القصائد النضالية وقد قال يومها..
في بعض أبيات إحدى قصائده الوطنية ونشرت في صحيفة صوت اليمن حيث تقول…
( قُل للذين يصنعوا المشانق
في جنوب يمني السعيد
لن يعيش الذل فيــــــــــــنا
لا ولن نحيا عبـــــيد
عذبونا اسجـــنــــونا
بين قضبا ن من حديد
لن تنالوا من جـــنو بنا
غير بركانٍ شديد
هل نسيتم ياغزاة
درسكم في بور سعيد؟؟
نعم لقد كان عبد الرحمن الصريمي شاعراً وطنياً.. عاطفياً..سياسياً..يكتب القصيدة ويعيد قرأتها مرة واحده ثم يسجلها في ذاكرته البشرية ويحفظها إلى الأبد وكأنه وثقها في ذاكرة كمبيوتر لاينظرب قط ولا يتعرض للفرمته نهائياً فيما يضع المسودة التي تمخض فكره عليها وولدت فيها القصيدة جنباً ربما يحصل عليها عند الطلب وربما تضل كما تضل المواهب التي لاتجد من يحميها من الاندثار…ونظراً لانشغاله الوطني في البداية وانشغاله التعاوني بالنهاية كان لايجد الفرصة التي تقربه نحو الإعلام كشاعر وان كان يجد الظهور قليلاً كالتعاوني..وكانت الجلسات الخاصة مع عبد الرحمن الصريمي تمثل منتدى متكامل بالشعر والأدب كونه أولا لايحتاج أن يحمل معه مخرجات فكره الشعرية داخل ( زنبيل علاقي ) لحفظ تلك القصائد الشعرية نظراً لموهبته الألاهيه بالحفظ في عقله ..وثانياً انه يحفظ للأخرين قصائد مالا يحفظها أصحابها دون الرجوع إليها نظرياً ..والصر يمي عبد الرحمن قال ببعض أبيات قصيدة مطوله باسم الراعية وهي قصيده غزلية حيث قال.
**وراعيات علي يٌمين والوين
فوق المراعي يابنات هبين
قالين حبيب قلبي مكحل العين
من يوم سرح وانأ براني البين… إلى أن يقول في قافيه اخرى من نفس القصيدة..
وراعيات على الربا وإلا هواب
على منيف وفوق سفوح شرجب
والابسات المخمل المذهب
من العزب منكن ومن مخطب؟؟..ولم ينسى الشاعر المناضل عبد الرحمن الصريمي كيف عمل وكيف كان يعمل الجهل بأهله في عهد ألإمامه ويقارنه بالعلم والتقدم وان لم تحضرني هنا احلي ما قيل في القصيدة من أبيات ترثي الفتات الريفية التي تضل خلف الغنم والمواشي لاتعرف من العلم حتى اسمه حيث قال ببعض أبياتها وان لم تكن هي الأروع نظراً لعدم تذكري سوى لبعضها حيث يقول…زميلتك بالطب والمصانع
وأنتي دوام بعد المواشي ضائع
وأبوك مريض فوق الفراش ينازع
وأخوك زلج عمره فقير يشارع.. وللأسف الشديد ليس هناك من مرجع للقصائد الغزيرة كماً.. وعياراً.. وثقلاً.. وان كان هناك قله ممن يخفض له تلك القصائد بذاكرتهم وربما توجد بعض المسودات لدا أبنائه الذي نتمنى منهم طباعتها ولو بطريقة الأقراص المضغوطة حفاظا عليها من الاندثار والضياع …ونظراً لأن المصداقية بالكلمة الشعرية كانت قديماً هي من تُصدر جواز المرور الشرعي للشاعر بأن يمر لكي يوصل إلى منابع الشعر الحقيقي بنفسه دون ان يتخطى رقاب من سبقوه بالنجاح بطريقة مد سُلام الوساطة فوق رؤوس الكبار..وهذا مايجعل المناضل الشاعر عبد الرحمن الصريمي يكتب إشعاره الوطنية..الثورية..الغزلية..العاطفية..عندما تتمخض أفكاره بلوعة الكلمة الصادقة المعبرة ..لكن لا يمد بها بعد ولادتها لمن يوثقها له عبر إصدارات..أو تسجيل صوتي ..على حساب جهات معينة كما هوا حاصل اليوم لبعض الشعراء وهوا الاستثناء الايجابي لحاضرنا الأدبي..لكن الصريمي بعد ان كانت قريحته الشعرية هي من تجبره أن يقول الشعر..كان يقوله أمام جلسات وتجمعات فرائحية أومناسباتيه ومن ثم لم تجد مسودته التي كتبها مكاناً للحفظ سوا داخل ( كرتونه ) المخصص لإنتاجه الفكري والمعرض للتفتيش والضياع من قبل ..
شقاوة أطفاله عندما كانوا في مرحلة الطفولة والصبا وكما هوا حال كل الأطفال الذين لا يفرقون بين (شعر القصيدة وشَعر الرأس ) أو عندما يحرص قليلاً لحفظ مسودة القصيدة فيكون مكانها حقيبة زمان الشراعية ( رحلة سعيدة ) بين ملابسه وكما قال لنا ذات مرة قبل وفاته عندما كان يسمع ويقراء ما يأتي به بعض الشباب من ( دبش شعري ) ويسمونه شعراً بل يجد طريقه للتوثيق وهذا ما جعله يتحسر على إنتاجه الفكري الذي لم يوثقه وراءا الفرق الكبير بين شعرا لامس وشعر اليوم…حينها اتذكر عندما أطلق نهده عالية أخرجها من عمق أعماقه وقال بلهجته الشعبية ( رعى الله أيام زمان يانسب كان الهاجس يقفزللراس حتى لو كنت بالحمام أحيانا ) وقال لنا يومها ( اتذكروانا كنت امشي وشاهدت احدي الرعاة بعد غنمها بالجبل وأنا طالع ألنقيل ليوقفني هاجس الشعر موزعا نظرات تفكري نحو الراعية ونحو الأفق البعيد الذي يلهمني لقول قصيدة اربطها بما أشاهده إمامي وهي الراعية التي أجبرتني أن ابكي معاناتها ولم أجد بجيبي ساعتها سوى مذكرة هي التي قادتني للطلوع إلى مدينة التربة لتقديمها للقيادة وما كان مني سوى أن قلبتها وكتبت خلفها ماجاشت به قريحة الشعر ساعتها وقلت فيها ..( وراعية لتســـــــــهنيش راحة
دهرك زلج طيبة زلج سماحة
دامي القدم مابين جبل وضاحة
وانتي مع الرعية مع الشراحة
رحم الله الشاعر المناضل…والتعاوني الفاضل …الذي رحل وترك رصيد حافل بالانجازات ….عبد الرحمن الصريمي