تطورات الأزمة اليمنية وانعكاساتها إقليمياً ودولياً
صايل بن رباع
تشهد اليمن حالة من التوتر السياسي المتزايد، حيث تتفاعل القوى الإقليمية والدولية بشكل معقد مع الأزمة المستمرة، مؤخرًا، تراجعت الحكومة الشرعية عن تنفيذ قرارات الضغط الاقتصادي التي كانت تهدف إلى تقويض الوضع المالي لمليشيات الحوثي. وكان من بين هذه القرارات وقف نظام السويفت عن البنوك التي لم تنقل عملياتها إلى العاصمة المؤقتة عدن لتكون تحت إشراف البنك المركزي اليمني.
وجاء هذا التراجع نتيجة تهديدات الحوثيين بتصعيد عملياتهم العسكرية ضد المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى تدخل المبعوث الدولي للسلام، الذي طلب من الحكومة اليمنية الشرعية إلغاء هذه القرارات.
هذا التراجع أثار حالة من الاستياء والغضب في الشارع اليمني، حيث شعر الكثيرون بأن الحكومة خضعت للضغوطات الدولية والإقليمية، مما أدى إلى حدوث تباين واضح داخل المجلس الرئاسي.
هذا الانقسام يبدو واضحًا خلال زيارة الرئيس رشاد العليمي الحالية إلى محافظة حضرموت، حيث لم يكن معه أي من أعضاء المجلس الرئاسي من المجلس الانتقالي الجنوبي بمن فيهم فرج البحسني، ممثل حضرموت في المجلس، والذي كان يُفترض أن يرافقه.
بدلاً من ذلك، اصطحب رشاد العليمي معه عبدالله العليمي، أحد أعضاء المجلس المحسوبين على حزب الإصلاح، وعثمان مجلي من محافظة صعدة، الذي يُحسب على المؤتمر الشعبي العام.
تأتي زيارة الرئيس العليمي لحضرموت في إطار التحضير للقبول بالمخرجات المحتملة لمحادثات السلام المرتقبة في مسقط بين الحكومة الشرعية والحوثيين وبحضور المملكة العربية السعودية.
وتشير التسريبات إلى أن الحوثيين يطالبون بالحصول على حصة كبيرة من عائدات النفط في حضرموت وشبوة ومأرب، تصل إلى ما بين 60 إلى 70% من الإيرادات، بالإضافة إلى 17 مليار دولار كتعويض عن العائدات النفطية خلال السنوات العشر الماضية، والتي كانت تُودع في حساب خاص بالحكومة اليمنية في البنك الأهلي السعودي.
كما يطالب الحوثيون المملكة العربية السعودية بتعويضات مالية تصل إلى 200 مليار دولار عن الأضرار الناتجة عن الحرب وتكاليف إعادة الإعمار، في حين يزعم الحوثيون أن السعودية قد وافقت على دفع 50 مليار دولار تعويضات مقابل قبول الحوثيين بإعتبارها وسيطا في السلام وليس طرفا في الحرب على اليمن، وهو مالم تؤكده أي من الأوساط السعودية أو المستقلة، مما يبقي الأمر في طور الشائعات.
وقد سبق أن التزمت السعودية بدفع رواتب الموظفين اليمنيين لمدة عام كامل، كجزء من محاولاتها لدفع عملية السلام قُدُمًا.. إلا أن هذه التنازلات والضغوط الإقليمية خلقت مخاوف عميقة لدى الجنوبيين، الذين يرون أن حصول الحوثيين على هذه الأموال الكبيرة وإضفاء الشرعية عليهم في حكم اليمن سيكون بمثابة كارثة، خصوصًا في ظل عدم إشراك القضية الجنوبية في مفاوضات السلام المرتقبة حتى الآن برغم الوعود الدولية والإلتزامات الإقليمية.
فالجنوبيون يشعرون بالتهميش والغبن من عدم تخصيص مسار خاص لقضيتهم وعدم إشراكهم في المفاوضات الاقتصادية المخطط لها في مسقط، وقد جرى تهميشهم من محادثات تبادل الأسرى السابقة في مسقط والتي لم تنجح في أنهاء ملف الأسرى والمخفيين قسراً.
ويظهر أيضًا أن الرئيس رشاد العليمي يسعى لعزل حضرموت عن النسيج الجنوبي، من خلال تقديمه وعود للقيادة المحلية بمنحهم حكمًا محليًا واسع الصلاحيات و20% من عائدات النفط في حضرموت، وهو ما يعتبر محاولة لكسب دعم محلي حضرمي لقراراته في المحادثات الإقتصادية القادمة في مسقط.
وفي هذا السياق، يتجلى شعور القيادات الجنوبية بالقلق من الدعم السعودي للعليمي، وهو الأمر الذي يرونه يعزز سلطته في الجنوب على حساب المصالح الجنوبية.
على الصعيد الإعلامي، يتعرض الأداء السعودي لانتقادات حادة من قبل الناشطين الجنوبيين، الذين يصفون السعودية بأنها عاجزة عن مواجهة الضغوط الحوثية والدولية التي تتجاهل القضية الجنوبية.
وبرغم أن الجنوبيين يدركون حاجة السعودية للتهدئة في اليمن وسط الأوضاع المعقدة في المنطقة، وخاصة في ظل استمرار الصراع في غزة وإحتمالات توسع الصراع في المنطقة وما تشهده دول المنطقة من توترات في السودان وسوريا والعراق، ورغبة المملكة في تنفيذ التزاماتها في الاتفاق السعودي الايراني الموقع برعاية صينية والذي أدى لنوع من الإستقرار الحذر في المنطقة وسمح للملكة في التركيز على برنامجها الإنمائي المتمثل برؤية 2030.
بعيداً عن الصراع العربي الإيراني وأكبر تجلياته في الحرب اليمنية، إلا أنهم قلقون من أن يؤدي الضغط السعودي على الحكومة الشرعية إلى تآكل الموقف التفاوضي للحكومة الشرعية.
ولا تبدي القيادات الجنوبية حنكة ولا قدرة على فرض إرادتها أوتعزيز موقفها السياسي ولا تفصح عن موقفها بشكل واضح،
بعكس بعض القوى اليمنية التي تتحرك بقوة على الساحة الدولية برغم ضعف موقفها السياسي والعسكري على الساحة المحلية اليمنية.
وهنا أعني تحديداَ حزب التجمع اليمني للإصلاح والذي يستمر في نسج علاقات قوية حول العالم تجلت بوضوح بعد زيارة قيادات إصلاحية للحزب الشيوعي الصيني مؤخرا وقد إستقبلوا بحفاوة صينية برغم العداء التاريخي بين الأحزاب الشيوعية والإسلامية.
من ناحية أخرى، يعوّل الجنوبيون على دعم دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يعتبرونها حليفًا استراتيجيًا، لتعزيز مطالبهم المشروعة في مواجهة التحديات وحربهم المستمرة ضد الإرهاب، سواء كان ذلك الإرهاب السني من جماعات القاعدة وداعش والإخوان المسلمين، أو الإرهاب الشيعي الذي يمثله الحوثيون.
وقد أثبت الجنوبيون كفاءتهم في مواجهة الإرهاب، ما حظي بإشادة دولية وإقليمية، إلا أن الموقف الدولي يبدو متهاونًا تجاه الحوثيين، وهو ما يثير استياءً جنوبيًا واسعًا.
تجدر الإشارة إلى أن الوضع الدولي إزاء الحوثيين يبدو متسامحًا إلى حد كبير، حيث لا تولي الأمم المتحدة الاهتمام الكافي لتصرفاتهم في البحر الأحمر وباب المندب، ولا للقصف الذي تعرضت له سفن تجارية دولية وصلت ل 177 سفينة حتى يوليو الحالي. كما أن الأمم المتحدة تسعى لفرض شرعية الحوثيين من خلال محادثات السلام.
وهو ما يعكس التدخلات الأممية التي تدعم الرؤية الصينية الإيرانية للحل في اليمن، بما يتماشى مع رغبات أمريكية وبريطانية بإبقاء الحوثيين كعامل تهديد لدول المنطقة لدفعهم لتوقيع معاهدات حماية وتعاون طويلة الأجل تضمن بقاء الدور الغربي الفاعل في منطقة تعد الأهم لإمدادات الطاقة في العالم ، وبما يخدم مصالح الولايات المتحدة في صراعها مع الصين حول السيطرة على الأسواق العالمية.
في هذا السياق، تتطلع دول المنطقة إلى الانتخابات الأمريكية القادمة، التي من المحتمل أن تؤثر نتائجها على السياسة الأمريكية الحالية في ضل الإدارة الديمقراطية المتساهلة في الدفاع عن المصالح المشتركة للمنطقة، وهو ما أدى بدول الشرق الأوسط إلى إعادة النظر في تحالفاتها والتوجه نحو الصين ودول مجموعة البريكس، إلى جانب تعزيز علاقاتها مع لاعبين إقليميين مثل الهند وتركيا وإسرائيل، وأيضًا إيران.
يبقى الوضع في اليمن معلقًا حتى تتضح معالم خارطة الطريق الأممية للسلام، وستعتمد النتائج على رغبة الأطراف اليمنية والدول الفاعلة في إيجاد حل للأزمة.
ويعتقد البعض أن الديمقراطيين قد يسعون لإستثمار أي تقدم إيجابي في محادثات السلام اليمنية في وقت معين لتعزيز موقفهم في الانتخابات المقبلة، وهو ما قد ينتج طبخة سلام غير ناضجة وغير منصفة تؤدي لاحقًا إلى وضع هش للسلام في اليمن، ما يهدد بمزيد من التعقيد في المستقبل.
31 يوليو 2024