الكاتب/ احمد السلامي
يحسب للحزب الاشتراكي اليمني الذي حكم جنوب اليمن، كامتداد للجبهة القومية، بين 1967 و1990، سعيه لترسيخ المساواة بين فئات وطبقات المجتمع، وتطبيقها عمليًا بمنع احتكار كافة الامتيازات والفرص، ومنها المنح الدراسية إلى الخارج، والالتحاق بالوظائف، والعمل في كافة أجهزة ومؤسسات الدولة، والترقي فيها، دون تفرقة بين المواطنين، ودون وساطات أو رشاوي ومحسوبيات.
وذلك ما أثار حنق البعض، واعتراض من ظلت نفوسهم تحدثهم أنهم طبقة أعلى من غيرهم، إذ لم تطب لهم تلك المساواة التي جعلت أبناءهم يدرسون في جامعات موسكو وكييف رفقة طلاب غيرهم من أبناء عامة الشعب، ومن لهم أصول فلاحية أو ينحدرون من طبقة اجتماعية عرفت بكونها مهمشة أو بسيطة، نتيجة استمرار التركيبة الاقطاعية والسلاطينية قبل الثورة والتحرير في تأطير فئات بعينها في مربع التهميش، وحرمانها من فرص النهوض بوعيها.
وكانت العنصرية وممانعة المساواة بين المواطنين في جنوب اليمن بعد عام 1967 تظهر في تعبيرات متنوعة، بينها عدم تكيف بقايا الإقطاعيين وموظفي السلطنات مع الوضع الثوري الجديد الذي وإن كانت له بعض الأخطاء، مثل تأميم ما لا يستحق التأميم وتجفيف منابع البرجوازية الوطنية و “تطفيش” أصحاب رؤوس الأموال، إلا أنه مّل مرحلة سياسية مدنية حديثة أثبتت أن مفاهيم المواطنة والمساواة والعدالة قابلة للتطبيق عندما تقف خلفها إرادة سياسية صادقة وفكر طليعي ناضج وقادر على تحليل الواقع وإشكالياته ونقاط تخلفه.
ومن التعبيرات العنصرية التي أظهرت رفض المساواة بين المواطنين في جنوب ما بعد الاستقلال عن الاحتلال البريطاني، أتذكر مما رواه لي أحد الأصدقاء من أبناء شبوة أن شاعرًا شعبيًا عبّر في أبيات له عن الامتعاض من مساواة أبناء القبائل بمن هم دونهم، حسب فهمه وتصوره الطبقي، ومن تلك الأبيات (العنصرية) قول الشاعر:”اليومْ يا مولى الشموسْ الشارقةْ ردّْ القبيلي عادتهْ والجارْ جارْما لا قدْ الذّرّهْ كَلَتْ راسْ الحنشْفحْنا وصلنا لا عملْ زب الحمار”والقائل هنا يطلب من ربه أن يحفظ ويرد لكل شخص مقامه ومكانته، بحيث يبقى (القبيلي) في مكانةٍ أسمى وأرفع من الطبقة الأدنى منه حسب تصوره لنفسه.
حيث يشبه غيره بالذّرّة (النملة)، وأن المساواة فعلُ يشبه قيام نملة بالتهام رأس ثعبان، وفي تصوير مجازي ساخر، ينوه إلى استحالة المساواة، وأنها إن حصلت ستكون شبيهة باستقواء النملة، وهي أضعف المخلوقات، على الحنش/الثعبان، وذلك لا يجوز حسب الشاعر، وإن حدث ففي ذلك تهديد وانحدار للأنا الجمعية للقبيلة، حيث تحضر أنا الجماعة في الخطاب عندما يقول” فحنا وصلنا” ويقصد أن المساواة إن حدثت فإننا نكون قد وصلنا إلى … وبقية شطر البيت استعارة لتعبير شعبي ساخر ودارج في المخيلة الشعبية اليمنية شمالًا وجنوبًا، يرى في كل ما هو غريب وخارج عن المألوف وصول إلى حافة الغرائبية.
والطبقية والعنصرية في اليمن ظلّت عصية على التفكيك أو التأثر الجذري بالتحولات البطيئة في الحياة السياسية والاجتماعية، وإن كانت القوانين تنظر إلى المواطنين باعتبارهم محل مساواة، إلا أن الواقع يقول غير ذلك، ولا يزال ينتج تفضيلاته التي تحاول مأسسة وتحزيب الطبقية والعنصرية والتخلف ورفدها بكيانات مسلحة لتحميها وتبرر لها.
ويشير الواقع الراهن في اليمن إلى أن الاستعداد والقابلية لإحياء سلوك مجتمع ما قبل الدولة يتوفر لدى كافة الجهات، في مؤشر على الإخفاق والهشاشة وعدم الجاهزية لتثبيت شكل راسخ للدولة الحديثة، ناهيك عن الإيمان بها والعمل الجاد في سبيل توفير الشروط اللازمة لاستحضارها.لهذا السبب وصل الجميع إلى مرحلة …. الحمار!!