محسن فضل / خيوط
مع مطلع أبريل/ نيسان وحتى نهاية مايو/ أيار 2019، شهدت محافظة الضالع توسّعًا في دائرة الصراع وتصاعد حدته بشكل غير مسبوق، أدّى إلى إحداث تغيّرات في الواقع الجغرافي للسيطرة على الأرض، لا سيما على مستوى مديرية قعطبة، التي انقسمت بين طرفي الصراع، ما تسبّب في تجزئة مصالح المواطنين في إطار المديرية نفسها، والتي تعدّ إحدى المديريات الأكثر كثافة سكانية على مستوى محافظة الضالع.
ومن أوجه معاناة المواطنين الكثيرة، تبرز ظاهرة انقسام القضاء الذي ترتب على الانقسام الجغرافي بين طرفي الحرب، وتشتت المتقاضون بين محاكم المديريات المجاورة، وما يترتب على ذلك من تكاليف مالية باهظة، وبذل الكثير من الجهد والوقت في طريق البحث عن العدالة.
انقسام المديرية
في السنوات الثلاث الأولى من عمر الحرب التي اندلعت منتصف العام 2015، لم تكن مديرية قعطبة منقسمة بين أطراف الصراع في المحافظة، بل كانت تخضع بشكل كامل لسلطة الحكومة المعترف بها دوليًّا، وأهالي المديرية يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، إلا أنّ تمدداتها وبشكل مفاجئ إلى الحدود الغربية والشمالية للمديرية، قلب حال المديرية رأسًا على عقب.
حدث ذلك خلال الأيام الأولى من أبريل/ نيسان 2019، بعد أن تقدم مسلحو جماعة أنصارالله (الحوثيين) باتجاه مناطق مديرية قعطبة، وتمكنوا من السيطرة على عدة مواقع استراتيجية في جبال العود شمالًا ومنطقة الفاخر غربًا. فأسهم في انقسام المديرية جغرافيًّا، وعلى ضوء ذلك تجزأت مصالح المواطنين في مختلف المجالات، أبرزها في مجال القضاء، الذي شكّل انقسامه عقبة حقيقية أمام المواطنين الذين خضعوا جغرافيًّا لسيطرة الجماعة، وصار من المحال عليهم الوصول إلى مدينة قعطبة، المركز الإداري للمديرية التي تخضع لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا.
وتشكّل المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين، والتي تتبع إداريًّا مديرية قعطبة، نحو 40 في المئة من مساحة المديرية، وتتمثل في المناطق التالية: عزلة الشرنمة السفلى، عزلة الوحْج، ونسبة كبيرة من عزلة بلاد اليوبي، وكذلك عزلة الأعشور، وعدد من القرى الواقعة شمال منطقة مريس، وتتركز هذه العزل والقرى من حيث موقعها الجغرافي في شمال وغرب مديرية قعطبة.
حلول ناقصة
مع حدوث الانقسام الجغرافي بين أطراف الصراع في إطار الحدود الإدارية لمديرية قعطبة، اقتضى الأمر البحث عن حلول لمواطني المديرية الذين تحولت مناطقهم لسيطرة جماعة أنصارالله، لكون هؤلاء المواطنين صاروا في معزل عن مدينة قعطبة، المركز الإداري للمديرية لوقوعه تحت سيطرة الحكومة الشرعية، وفي مقدمة هذه الحلول البحث عن حل فيما يتعلق بالقضاء للآلاف من المواطنين الذين أصبحوا تحت سيطرة الجماعة للتقاضي والفصل في قضايا المواطنين المتخاصمين.
ولمعالجة الأمر المتعلق بخدمة القضاء، اتخذت سلطة الأمر الواقع قرارًا بإلحاق المناطق والعزل الخاضعة لسلطتها من مديرية قعطبة، بمحكمة مديرية دمت الابتدائية، وعقب ذلك القرار، توجه المئات من المواطنين المتخاصمين من أبناء تلك المناطق إلى محكمة دمت الابتدائية للتقاضي بحثًا عن العدالة والإنصاف.
لعل قرار إلحاق المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في مديرية قعطبة قضائيًّا بمحكمة دمت، يعد حلًّا من وجهة نظر السلطة المسيطرة، إلا أنه من وجهة نظر معظم المواطنين المتقاضين، لم يراعِ ظروفهم الاقتصادية، ولا البُعد الجغرافي، وهو ما يعد بالنسبة لهم حلًّا ناقصًا غُيّبت فيه مصلحة المواطنين المتقاضين من ناحية إنسانية.
قرار تحويل مناطق مديرية قعطبة الخاضعة لسيطرة الحوثيين للتقاضي في محكمة دمت الابتدائية، قد ضاعف من حجم المعاناة التي يعيشها المواطنون جراء الحرب المستمرة في المنطقة.
معاناة قائمة
يقول المواطن أحمد علي: “إنّ قرار تحويل مناطق مديرية قعطبة الخاضعة لسيطرة الحوثيين للتقاضي في محكمة دمت الابتدائية، قد ضاعف من حجم المعاناة التي يعيشها المواطنون جراء الحرب المستمرة في المنطقة”.
وأضاف: “إنّ المواطن من أبناء عزل بلاد اليوبي والوحج والشرنمة السفلى التابعتين لمديرية قعطبة، ممن يمتلك قضية منظورة أمام محكمة دمت، يضطر أن يسافر قبل موعد الجلسة بيوم، وذلك لبعد المسافة ووعورة الطريق، وحتى يتسنى له حضور الجلسة في اليوم التالي في الوقت المحدد”.
ويصف أحمد أنّ المواطنين المتقاضين من أبناء قعطبة يدفعون مبالغ كبيرة للسفر إلى مدينة دمت، والإقامة في الفنادق والمصاريف اليومية، فضلًا عمّا يتم إنفاقه من تكاليف للتقاضي داخل مبنى المحكمة من أجور المحامين ومتابعة وتصوير، مشيرًا إلى أنّ تصوير محضر الجلسة الواحدة يكلف المواطن المتقاضي نحو خمسة آلاف ريال.
ويختتم أحمد حديثه بالقول: “نحن نواجه صعوبة حقيقية في التقاضي بمحكمة دمت، ولا نعلم إلى متى سيستمر هذا الوضع الذي أنهكنا بالفعل، مبينًا أنه إلى جانب كل هذه الصعوبات، يحدث أحيانًا أنّ المواطن القادم من مديرية قعطبة للتقاضي في محكمة دمت، وبعد أن يكون قد خسر الكثير من المال والجهد، يتفاجأ عند وصوله إلى المحكمة لحضور الجلسة المعلنة، أنّ الجلسة قد تأجلت إلى الأسبوع القادم دون علمه المسبق بذلك، وهذا قد حدث معي شخصيًّا، وشعرت حينها أنه لا يوجد من يشعر بمعاناتنا”.
حلول بديلة
وفي سياق متصل، قال أحد المختصين في القضاء، مفضلًا عدم ذكر اسمه، إنّ إلحاق مناطق مديرية قعطبة الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) قضائيًّا ضمن الاختصاص القضائي لمحكمة دمت الابتدائية جاء لظروف استثنائية تعيشها المحافظة، كما أنه يمثل حلًّا أنسب خلال المرحلة الراهنة، ويعد أهون بكثير من فتح محكمة موازية بنفس الاسم لمحكمة قعطبة.
وأضاف: “إنّ افتتاح محكمة موازية تحمل نفس الاسم، سيسبّب تعارضًا في الأحكام القضائية وازدواجًا في العمل القضائي، ومثل هذا سينعكس سلبًا على جسد السلطة القضائية وعلى وحدتها وتماسكها التي حافظت عليهما طوال السنوات الخمس الماضية، رغم الانقسامات الحاصلة فيما يخص الجوانب الأخرى وفي مقدمتها الواقع الجغرافي على مستوى المحافظة والجانب السياسي على مستوى البلاد ككل”.
ويرى أنّه من أجل تخفيف العبء على المواطنين القادمين من مناطق مديرية قعطبة للتقاضي في محكمة دمت، يمكن أن يُعيّن أحد قضاة محكمة دمت مختصًّا للنظر في القضايا الواردة من تلك المناطق على أن ينقل عمله إلى المكان الأقرب والأنسب للمتقاضين، وهذا بلا شك سيخدم المواطنين المتقاضين من أهالي المناطق المعنية بالأمر، وفي ذات الوقت سيحافظ على وحدة السلطة القضائية ويتفادى أيّ نتائج تنجم عن إنشاء محكمة موازية بنفس الاسم، مؤكدًا أنّ عدد القضايا المنظورة في محكمة دمت من المناطق التابعة لمديرية قعطبة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، كثيرة وتستدعي لفت النظر والبحث عن حل لمثل هذه المشكلة التي تؤرق الجميع.
(تعاون نشر مع مواطنة)
•••
محسن فضل
المادة خاص بمنصة خيوط