هذا أنا، تقريبًا
ضياف البراق
يتعاطى كميات كبيرة من القات الرديء على مدار الساعة، ومثل مَوقِد وليمة يدخّن سيجارته الرخيصة. يكذب على أي إنسان يمرُّ به، ويكذب على نفسه بأكثر من ذلك.. حيث هنالك الكثير من الأكاذيب اللذيذة التي يحتاجها كل إنسان كي لا يتحطم من داخله أو يموت كمدًا قبل منتصف عمره..
وهنالك أيضًا الكثير من المرارات الخطيرة التي يحتاجها المرء ليصبحَ قويًا وعميقًا في مواجهة العواصف التي تدخل إلى الأعماق الفارغة وتسكُبُ فيها الخرابَ..
يلتف على الأشياء دون فائدة كأنه جَمَل مَعْصَرة. كالفكرة المتوحشة يكبر في عزلته، وينكمش إلى الصفر عندما يبكي من الحب. هو الذي إذا ابتسمَ ضاحكًا يُحدِث شروخًا كبيرة على صدره وجدران غرفته. والآن هو يَضحك من مستقبله ويهزأ بتلك اللحظات القادمة من وراء الغيوم القديمة. يكره الخُطَى السريعة وينتمي إلى عذوبة الدمعة المكبوتة في صدر المرأة المعلّقة على جدار الضياع. ولن ينتمي إلى شيء بعد ذلك.
يسقُط في حُفُرة ويصعد منها ثم يسقُط في جرح كبير أو خيبة. هو السقوط بعد السقوط والصدمة فوق الصدمة. ولكنه يُفضِّل السباحة في الخواء والارتطام باليأس المُباغِت. مع الشمعة يذوب في الحنين، ويزرع في الرماد سَمْفونية الأمل.
إذا عانقتْهُ الدهشةُ عَبْرَ المصادفة ينسى البداية والنهاية والخلود ويذوب دون انسكابٍ غبي.
في صمته يتكلم بصوتٍ عالٍ، ومن كلامه العشوائي يفرُّ الصمتُ ويبكي عذابًا. تراه عندما يمشي كأنه يبحث عن مقبرة شاسعة لنفسه فقط. وأحيانًا تراه ولا يكون هو.
شيطان في أَوْجِ نشوته. يشرب بئرًا في اليوم ويبول حتى تغرق المدينة. يتخبط هنا وهناك، يُغنِّي ويرقُص على أي أرض. في الضوء لا يرى أحدًا، وفي الظلام لا يرى سوى الألم الواضح. يهذي مع الكتُب ويتوجّع من تفاصيلها الصغيرة. يلهو مع الفرح بين الحشائش اليابسة. يتقيأ المسافاتِ الطويلة بقرف شديد كما لو كانت جُثثًا متعفِّنة. يمضي مُهروِلًا ولا يعرف إلى أين ولماذا. رأسه دائمًا ثقيل مثل سَطْل كبير مملوء بالماء والطين. حتى ظِلّه يبدو ثقيلَ المشي على الرصيف. عدمية هذا الصعلوك الخفيف تنطبق عليها جميع الأوصاف الثقيلة المعنى.
سخيف غالبًا.
كان شامخًا وراء القصائد الكاذبة وصار اليومَ عاريًا أمامَ القذائف الصادقة. حاليًا ليس لديه كلام، لا أسئلة ولا أجوبة، وإنما لديه من الغموض الغريب ما يكفي لبث الرعب في كل مكان.
ضبابيته الرشيقة لا تُطاق. يتعذّب من وطنه المشنوق بين قالَ وقِيْلَ. النظر إلى كل شيء من نافذة الفلسفة وحدها أشبه بالرقص على إصبع واحدة حول زجاجة فارغة. ها هو يحاول الطلوع قليلًا من أعماق الفلسفة ويصطدم بالريح والغبار. يبقى مع ذلك يحاول ويتأمّل.
يُغلِق البابَ على وجهه، ويعطي قفاه إلى النافذة، وينام مُعلّقًا للسقف من قلبه الذابِل.
وأظنّه بارعًا في تفكيك طلاسم الزمن، خطيرًا في تحطيم التراكُمَات النفسية، كثيرَ الخوصِ في شهوة الألوان الذائبة في الجهات المفتوحة.
هو الشكّاك بلا تطرُّف، الراقص على حبال الهاوية بلا انتظار.
مخدته كلمة وفراشه نَهر. يعشق تلك الحياة التي تنبت تحت خشبة المسرح الهامدة. ويعشق ذلك الكتاب الذي تكتبه الأشواك في قَدَم طفلٍ ضائع.
مؤمن وساخر من إيمانه، كافر ولا يثق حتى بهذا.
بحر يستلقي بكامله على ظهر سفينة.
عُشْبٌ يتعرّى على خَد صحراء.
وردة تصرُخ بين الزجاج والبرق.
موت ينشر الموسيقى الدافئة حول ثلج الحياة.
وقد يبقى هكذا إلى آخر ارتعاشة.