منشور برس موقع اخباري حر
هل الرقص اللحجي ليس رقصاً؟
سألني صديق يعيش في بلد أوروبي، مندهشاً هل بالفعل الرقص اللحجي ليس رقصاً؟
فبعد ان طلبت مدرسة الكلاس من الدارسين في القاعة ان يعرض كل شخص شيء من ثقافته في الرقص. واختار صديقي الرقص اللحجي مستبعداً رقصة البرع، لأستخدام الراقصين السلاح الأبيض، تحسباً من أي انطباع حول ثقافتنا اليمنية بأنها تتسم بالعنف
وبينما شغل فيديو للرقص اللحجي. متصوراً أنه يضعهم أمام واحدة من رقصاتنا الفولكلورية، كان الجميع ينتظر ان تبدأ الرقصة.
انتهى العرض وصُعق من سؤالهم: أين الرقص؟ المدرسة والآخرين في الكلاس يتساءلون باستغراب عن الرقصة التي يشاهدونها. ولم يكونوا أقل مفاجأة منه حين أخبرهم: هي تلك الرقصة. فيما اتفق الجميع أنهم لم يروا أي رقصة، إنما مجرد هرولة للمؤدين سرحةً وإياباً.
هل بالفعل ليست رقصة؟ سألني صديقي دون أن يخفي حيرته، وكنت سأحتار بجانبه لولا أني وضعت نفسي في مكانهم، وفق مفهومهم للرقص، بوصفه حركة جسد منتظمة تشكلها مجموعة عناصر. فالأمر لا يتعلق بذائقة أو اعجاب. أو تقليل من المضمون البدائي للرقص وعناصره البسيطة. فكثير من الرقصات البدائية تتضمن عناصر رقص مختلفة.
ولست بصدد الحديث عن الرقصات اليمنية التي تتضمن عناصراً أوسع رغم محدوديتها. اتذكر ما كتبه مانزوني ببعد استشراقي، اثناء رؤيته رقصة “الفنطسية” في ذمار، واصفاً الرقص الشرقي بالنزواتية لما توحيه حركة الرقصات من إيحاءات غريزية، وهو ما يطفح في الرقص الشرقي. لكن من منظوره الغربي شاهد رقصة تتسم بحركات الأذرع واهتزازات الجسد التي تتخذ في المجالس الخاصة إيحاءً غرائزياً، يتسم بالإغراء، وقارنه بالرقص الغربي التي، حد تعبيره، تتسم باتساق في حركات الجسد وطابع تعبيري أوسع، خلافاً للشرقي النزواتي.
لكن صديقي واجه تساؤلاً تدميرياً لمفهومه، ومفهومنا التقليدي عن الرقص. وأجبته بأنها بالفعل ليست رقصة، على الأقل، بناء للمُتعارف عليه حول طبيعة الرقص.
واذا اخذنا فولكلور عربي، مثل الدبكة، رغم محدودية عناصرها، وسهولة أداءها بالنسبة للأداء الجماعي، خلافاً للحركات التي يقوم بها مؤدي أو أكثر رئيسي، من منظومة خطوات وقفزات مختلفة. هذا نجده في البرع. من منظومة حركات تتسم بالقفز والدوران.
وحديثي يتسم بالانطباع العام، وليس نابعاً من خبير بالرقصات، خصوصاً وأني رجل لم أجد أي رقصة، بما في ذلك الرقص اللحجي. واتذكر اني حين شاركت شاباً رقصة الدبكة أفسدت على الفتاة بجانبي رقصتها. وعندما كنت أقرأ روايات تتحدث عن احتفال الصالونات، أو حتى تلك الاجتماعية، اشعر بالتحسر لأني لم أكن لأنجح مثل أولئك الشباب الوسيمين، الذين تحب الفتيات ان تحظى بالرقص معهم.
قلت لصديقي: لا عليك انها مجرد رقصة ستترك انطباعاً عن أننا مجتمع ليس لديه رقصات.
لكن هناك في موروثنا الكثير من الرقصات، صحيح أنها غير مُدهشة. لكن رغم قربنا من إفريقيا وأيضاً من الهند، فإننا لم نجد مثلهم الرقص. وقد يشعرنا هذا الانطباع بتقليل ثقافي، وهو ما شعرت به قائلاً لصديقي بأن تصرفهم لم يكن لائقاً، وكان بمقدورهم إبداء شيء غير الصراحة بتقبل الواقع الذي أتينا منه، كما هو.
مع هذا أجد انه من الجيد كسر تعظيمنا لأنفسنا، والتعاطي مع حقيقة الأشياء كما هي، بمعزل عن التصورات الخادعة، بأننا نبهر العالم. كما يحدث اليوم ونحن نبهر شريحة واسعة في العالم العربي وحول العالم، بجعل خطوط الملاحة على بحر العرب والبحر الأحمر، صورة فانتازية أخرى عن واقعنا السحري.
جمال حسن
