الكاتب انس الخليدي…
السؤال يبدو بسيط، لكنه يفضح عمق الأزمة البنيوية التي تختبئ خلف الضجيج. فالهجمة المنظمة عليه ليست خلاف سياسي ولا حتى سجال طبيعي بل ردة فعل عصبية لمنظومة اعتادت تحديد من يحق له الظهور ومن يجب أن يبقى في الظل، ومن يعيش ومن يموت، وبمجرد استقبال اجتماعي طبيعي من قبائل الحجرية ومن مختلف أبناء مديريات تعز بعودة صهيب بينهم كان كافي جدًا لإشعال ماكينة التحريض المنظمة لكل هذا الحقد الممنهج ليس لأن صهيب خطر بل لأنهم يدركون أن أي حضور مستقل خارج هندستهم الحزبية يهدم جدار احتكارهم المتآكل.
المراقب جيدًا لطريقة تفكير المنظومة في تعز سيجد بلا شك أنها لا تخاف الأفراد ولكنها تخاف اللحظة التي تفقد فيها القدرة على صياغة مفهوم الشرعية الاجتماعية، وصهيب ظهر كإمتداد لبيئته ومجتمعه وليس امتداد للمنظومة أو الحزب، وهذا وحده يشكل تهديد لمشروع يقوم منذ سنوات على نزع الجذور وتكريس نفوذ منبت لا يستند إلى المجتمع التعزي، لذلك لم يترددوا في وصفه تهديد أمني على تعز وعلى اليمن ونظامها الجمهوري ههههه كما فعلوا مع كل صوت كان يمكن أن يعيد ترتيب الوعي العام خاصة في مدينة تعز التي يتحول فيها الوعي إلى موجهات وطنية تلتف خلفها اليمن كلها.
المنظومة التي غطت عقد من الانفلات والجرائم والتصفية داخل تعز، تفهم جيدًا أن بروز شخصية تعزية محترمة يفتح الباب أمام الأسئلة التي حاولوا دفنها، من عطل العدالة؟! ومن صنع شبكات العنف؟ ومن حول المدينة من ساحة مقاومة وطنية إلى إقطاعية حزبية يحرسها التخويف والاتهامات؟! ومن فرغ الدولة في تعز والمؤسسات من معناها الوطني! والخلاصة وبدون إطالة أن هذه الهستيريا حول شاب مدني على مشارف الأربعين من عمره أنهى دراسة الماجستير في القانون ويحضر للدكتوراة، ليست خوف منه ولكنها خوف من لحظة الانكشاف الكبير، فالمدينة بكل ما حملته من مأساة ووجع وخوف وخذلان وإنيهار باتت اليوم تبحث بإلحاح وحاجة شديدة عن نقاط ثقة جديدة خارج قبضة الحزب، نقاط تشعر المجتمع التعزي بأن تعز مدينتهم وحقهم ومعهم ولهم وليست ملكية خاصة بجهة تدير حضورهم وتقرر حجمهم، وهذا تحديدًا هو التهديد الوجودي الوحيد لهذه المنظومة، أن تعود تعز إلى نفسها ودورها الوطني التاريخي، فوصف ما يحصل اليوم من جنون البحث عن خصوم للهروب من العدالة ومطالب الناس هو في الحقيقة ارتجاف حقيقي من فكرة أن مدينة أنهكتها الفوضى وريحة الدم المستباح قد بدأت تستعيد وعيها وتعيد تعريف نفوذها من داخل مجتمعها وليس من مقر الحزب أو خزائن الأجهزة المنظمة أو غرف التحريض الممنهجة، ولعل أكثر ما يخشونه هو استيقاظ المدينة حتى من الأرياف.
منشور برس موقع اخباري حر