ضع اعلانك هنا

باحميد ..سفير لليمن ام ناشط خيري للتنظيم؟ …

كوالمبور / خاص

يثير استقبال قيادات “جمعية الوصول الإنساني”، التي كانت تُعرف سابقاً باسم جمعية الإصلاح ، داخل مبنى السفارة اليمنية في ماليزيا، من قبل السفير اليمني عادل باحميد بحفاوة، جملةً واسعة من علامات الاستفهام حول حدود العمل الدبلوماسي وسبب انزلاقه إلى مساحات حزبية ضيقة لا تمتّ بصلة إلى وظيفة الدولة ولا إلى أبجديات التمثيل الرسمي. فالمشهد لم يكن لقاءً بروتوكولياً عابراً، بل بدا أشبه بتكريسٍ واضح لسلطة تيار حزبي على مؤسسة سيادية يُفترض أنها تمثل اليمن بكامل أطيافه لا فصيلاً سياسياً بعينه.

يجب الإشارة إلى ان تغيير الجمعية لاسمها لا يلغي حقيقتها التنظيمية. فالجمعية، مهما بدلت شعاراتها، لا تزال الذراع الرئيس لحزب الإصلاح، الأمر الذي يجعل استقبال قياداتها داخل السفارة خرقاً مباشراً لمبدأ الحياد، وانتهاكاً صريحاً لمفهوم العمل الدبلوماسي، وتشويهاً خطراً لصورة الدولة التي يفترض أن تكون فوق الانتماءات والولاءات. فالسفارة ليست ملحقاً حزبياً، ولا منصة للترويج لواجهات تنظيمية تعمل تحت غطاء إنساني، بل مؤسسة سيادية تمثل الوطن لا التنظيم.

وتتعمق خطورة المشهد حين نضع هذا اللقاء في سياق ممارسات سابقة للسفير نفسه. فالسفير عادل باحميد لم يكتفِ بتوفير الغطاء الرسمي لجمعيات حزبية ك”انسان” وغيرها الكثير لا يحضرني إسمها، بل أدار شخصياً “مبادرة رياحين” التابعة له، وهي مبادرة تنتمي للخط التنظيمي ذاته، مستخدماً إمكانيات السفارة وفعالياتها للترويج لها، بل وذهب أبعد من ذلك حين قدّم الحساب الرسمي للسفارة كقناة لاستقبال التبرعات المالية باسم اليمنيين في فعاليات خاصة نظمها بإدارة السفارة رسميا باسم “مبادرة رياحين”. وهذا السلوك لا يمثل مجرد تجاوز إداري، بل يُعدّ فعلاً بالغ الخطورة، يتعارض مع القانون، ويضرب مفهوم الدبلوماسية في عمقه، ويحوّل السفارة إلى منصة جباية حزبية تفتقر للشرعية والشفافية وتخدم مبادرات شخصية ذات طابع تنظيمي.

استخدام مؤسسة الدولة بحجم سفارة كوعاء لجمع التبرعات، ومنح المبادرات التنظيمية شرعية رسمية عبر السفارة، يمثل إقحاماً متعمداً للبعثة الدبلوماسية في نشاط خارج مهامها، ويمثل إضراراً مباشراً بهيبة اليمن أمام الدولة المستضيفة، ويجعل السفارة تبدو كما لو كانت فرعاً إدارياً لحزب، لا ممثلاً لدولة. وهذا الخلط الكارثي بين الصفة الدبلوماسية والانتماء الحزبي يطيح بأساس الثقة التي ينبغي أن تبنى عليها خدمة الجالية، ويشوّه صورة اليمنيين ويضعف موقع الدولة القانوني والأخلاقي.

السفارة جهاز سياسي وقنصلي، وليست جمعية خيرية، ولا مكتب خدمات حزبية، ولا صندوقاً لجمع التبرعات. وعندما يتحول السفير إلى ناشط تنظيمي، وتتحول السفارة إلى منصّة لأنشطة حزبية مموّهة، فإن ذلك يعني شللاً كاملاً في وظيفة التمثيل الرسمي، وانحداراً في قيمة الدولة، وانكشافاً خطيراً أمام الدولة المضيفة التي تراقب هذه السلوكيات وتدرك تماماً ما وراءها.

العمل الإنساني مشروع ونبيل، لكن توظيفه كغطاء حزبي وتمريره عبر مؤسسات الدولة يمثل اعتداءً على القانون، وإساءة لنزاهة العمل الإنساني نفسه، ويكشف عن رغبة في تحويل السفارة إلى أداة تنظيمية تخدم فصيلاً سياسياً على حساب بقية اليمنيين.

المشكلة ليست في وجود مثل هذه الجمعيات في ماليزيا، ولا في “مبادرة رياحين”، ولكن في منح هذه الكيانات شرعية رسمية داخل مؤسسة سيادية، وفي تحويل السفارة من ممثل للدولة إلى ممثل لتيار سياسي. وهذا الانحراف الخطير يستدعي مراجعة جادة وإعادة ضبط عاجلة، لأن استمرار هذا النهج سيقود إلى تآكل هيبة الدولة وتحوّل مؤسساتها الخارجية إلى ذراع حزبية، وهو أمر لا يمكن القبول به ولا السكوت عنه.

الدولة ليست حزباً، والدبلوماسية ليست مبادرة خيرية، والسفارة ليست فرعاً لجمعية مهما تغيّر اسمها أو تبدّلت لافتاتها. وهذه الحقيقة يجب أن تُستعاد قبل أن تُبتلع ما تبقى من هيبة المؤسسات الرسمية…

ضع اعلانك هنا