يلعنوا امريكا ويتجهوا نحو روسيا والصين، العرب ليست مشكلتهم في الارتباطات الخارجية وانما في خيار الارتباط لذا فان شعار الاستقلال شعار وهمي وفي ظل التطورات المتلاحقة على مستوى العالم يصبح سرابا فالاعتماد المتبادل وهيمنة الشركات الكبرى صار خيار حاسم وحالة التمرد التي تبديها بعض الدول يحاصر اقتصادها ويربطها باقتصاد دول أخرى يساعد الهيمنة الداخلية والايدولوجيات على الاستمرار في انتهاك حق الشعوب في الانفتاح على العالم.
الصين تاتي كتنين جائع لا همّ له إلا اشباع معدته وبالتالي يقدم الطعم ويعيث في الموارد الفساد ولا احد ينتبه لنتائج افعاله وافريقيا عينة واضحة اما الروس فلديهم طموحات هزيلة ويلعبون في الصراعات الجيواستراتيجية بما يحدّ من فاعلية امريكا من محاصرة روسيا في مجالها الحيوي إلا ان الروس تحكمها نخبة مهمومة بمصالحها لذلك فهي على استعداد ان تتنازل في اللحظة المناسبة بما يحمي مصالحها ويحفظ لهيبة روسيا ماء وجهها.
يمثل الاتحاد الاروبي نموذجا لاقامة علاقة متوازنة مع الآخر لها وجه انساني وفي الجوهر حماية المصالح بادوات ناعمة وسلاسل ذهبية حاذقة.
ويأتي الامريكي بفجاجته ليحدد معالم مصالحه بوضوح تام وبتحدي متهور ويحمل معه شعارات حقوق الانسان والديمقراطية ويدافع عنها بقناعة لانها عملية فيما يخص خدمة المشروع الخاص وهي الوجه الآخر التي تساعد الرأسمالية على بناء قوتها، وهذا لا يعني ان الامريكي لديه اصرار على الليبرالية السياسية فالليبرالية الاقتصادية هي الاصل وفي حالة تم تمريرها فإن لديه قناعة انها لا محالة ستفرز ليبرالية سياسية مع الوقت.
الامريكي تاجر جشع ببدلة انيقة ويمتلك خطاب انساني لكنه يتعامل بصرامة وشدة في مواجهة من يتحدى مصالحه وقد يلجأ الى القوة كأي قبيلي للحصول على الغنائم طالما ولديه الامكانية، ولا فرق في مسألة تبرير فعله، فقط الفرق ان القبيلي كيان ضعيف وهزيل وخطابه ساذج وامريكا تمتلك اثقل كقوة عبر تاريخ الانسان.
الامريكي بالامكان التوافق معه عبر تسويات عملية مشكلته انه لا يلتزم بعهوده اذا تغير الواقع لان القيمة لديه يحددها الواقع العملي وتحولاته لذا يخاف منه الجميع إلا انه قادر على الايفاء بالتزاماته في حالة تمكن الطرف الآخر من ضبط واقعه في مسارات متحيزة للمصالح الوطنية وفق المنظور المنسجم مع التحولات العالمية وفي هذه الحالة يصبح الامريكي امام طرف قادر على فهم لغته لذا يحترمه ويتعامل معه بندية حتى لو كانت قوته محدودة مقارنة بالقوة الامريكية.
امريكا والاتحاد الاروبي كتلة تاريخية تتحكم بالعالم حتى الصين لا تجرؤ على تحدي مصالحهما وتم ربط الصين بعلاقات معقدة سيجعلها قادم الايام قوة مضافة للرأسمالي العالمية مثلها مثل روسيا والتنافس الحالي هو على المواقع في المنظومة الرأسمالية وتحتل امريكا دور المنظم المتعقل بتهور الباحث عن الربح والذي يريد الكل داخل المنظومة على ان يكون هو سيدها.
بالنسبة لواقعنا اليمني عندما نرسم التحالفات فإن اللعب بالتقنيات التي كونها القرن العشرين لم تعدّ مجدية، موقعنا الاجيواستراتيجي حاجة غربية اكثر مما هو حاجة صينية او روسية لكن روسيا والصين تبحث عن وجود لها لكنها لن تبذل الكثير امام منافسها الغربي بجناحيه الاوربي والامريكي لذا قد تقدم تنازلات في اليمن لتكسب في اماكن اخرى والمسألة لها علاقة بالخليج ودور السعودية وهما اقرب الى المنظومة الغربية.
ربما ايران لها رغبة جامحة في تحويل اليمن الى كيان مرتبك ممتلئ بالفوضى وجعله ورقة في مائدتها المستديرة عند تفواضها مع الغرب او السعودية لذا تبذل جهد معتبر لكنها في لحظة ما قد تقدم حلفائها ضحية على مذبح مصالحها.
الخلاصة: ان اليمن تحتاج الى بناء تحالف قوي وعميق مع الخليج والغرب دون ان تترك الاوراق الاخرى في لعبة المصالح، الاهم في الامر ان تكون المصلحة الوطنية هي الاصل وليس مصالح النخب المتنازعة، وفي لحظة ما قد تحتاج اليمن الى التضحية ببعض الاطراف الانتهازية التي تجعل من اليمن ورقة تفاوضية وتمد يدها للقوى التي اليمن خيار استراتيجي في مصالحها لان دول كهذه ستمد لنا العون بما يمدنا بالامن والاستقرار باعتباره خيار لمصالحهم!!!
نجيب غلاب