ملاحظات عن الدين والتطرف والإرهاب
عبدالله عبده ناجي المخلافي (ابوأثيل )
الملاحظة الأولى : ثمة تساؤل عن العلاقة بين الدين والإرهاب باعتبار أن أول الإرهاب تطرف. ولنكن أكثر تحديدا ونطرح التساؤل بالنسبة للإسلام خصوصا .. من الملاحظ قبل ذلك أن التطرف في الدين أمر قد عرفته كل الأديان وعرفته على المستويين التاريخي ( قديما وحديثا) – والجغرافي أي اتساع أماكن المتطرفين المعتقدين للدين نفسه أو لعدة أديان. على الصعيد الإسلامي نجد من حيث الأصول أن هذا التطرف منبوذ راجع نص الآيتين القرآنية المتشابهتين
قال تعالى ( يأهل الكتاب لاتغلوا في دينكم ولاتقولوا على الله إلا الحق …… ) النساء 171 وقال تعالى ( قل يأهل الكتاب لاتغلوا في دينكم غير الحق ولاتتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل واضلوا كثيرٱ وضلوا عن سواء السبيل ) المائدة 77
الأولى موجهة نحو المسيحيين والثانية لليهود. وفي الحالتين دعوة لتجنب التطرف أو الغلو في الدين .. وبما أن القرآن هو كتاب للمسلمين فإنه يرشدهم بطريق غير مباشر لتجنب الغلو لأنه من فعل أصحاب الديانتين السابقتين للإسلام – ويؤكد القرآن أن هذا الغلو في ممارسة المعتقد وليس في جوهر الدين وبالتالي يدعو القرآن إلى وسطية أو اعتدال وهذا نقرأه في قوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا …….) البقرة (143). أضف إلى ذلك حديث للنبي (ص) منسوب إلى أبي هريرة يؤكد عليه المدونان البخاري ومسلم ( إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسدوا وقاربوا وأبشروا ، وأستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ).. هذه النصوص الداعية إلى نبذ التطرف وبالتالي الإرهاب لا تحل الإشكالية الراهنة بل تزيد السؤال تعقيدا : لماذا إذن يتطرف مسلمون إذا كان دينهم لا يدعو للتطرف أصلا ؟؟ الإجابة ببساطة ليست دينية إنما سياسية واجتماعية أو عرقية أي دنيوية يتم تبريرها بمسوغات تتعلق بالدين و المقدس و من هنا تحدث عمليتان في ذهنية المتطرف أولها يتعلق بتأويل النص الرافض للتطرف وقراءته بالمعنى الذي يتفق مع مقصده. والعملية الثانية الاستناد على نص آخر في القرآن أو الحديث النبوي يتفق مع مقاصده .. إذن القضية تتعلق بكيفية قراءة النص بل وبالشروح الكلاسيكية والسياسية للنص حيث تصبح هذه الشروح – وبالرغم من بشريتها – جزء من الدين نفسه كما أشار إلى ذلك نصر حامد أبو زيد في أطروحاته حول الخطاب الديني..
الملاحظة الثانية أن الدين عنصر ضاغط أو هو محرك نفسي قوي .. إنه منظومة متكاملة من القيم والأخلاق – هو الكينونة والملاذ ، هو شبكة وجود الفرد لأنه مولود على أساس رابطة دينية ويعيش على ثقافة دينية طالما أنه جزء من مجتمع هذا الدين .. تتحدث الآية ( 3 من سورة الجن) عن الدين بأنه الأمر الجدي قال تعالى ( وإنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) ثم تأتي آيات أخرى بأن ما عداه لعب ولهو ( 32 الأنعام ، 70 الأنعام ، 51 الأعراف ، 64 العنكبوت ) وغيرها.
من هناك يلجأ المتطرف للدين – ليس هناك تطرف خارج سياق (الدين) كما يعتقده الناس حتى التطرف اللاديني تحركه عواطف متعلقة بكراهية دين الآخر ، فالسلاموفوبيا مثلا كظاهرة غربية مثلا لا تحركها عواطف مسيحية بل مخاوف غير متدينة أصلا أو حتى ملحدة ..
تقودنا الملاحظة الثانية إلى معضلتين يبدو أنه لا حل لهما : استغلال الدين وسيكولوجية الدين .. هناك من يعرف أن الدين مهم جدا ولابد من ربط العنصري والسياسي بهذا الدين لترويج العنصري والسياسي الدنيوي وسط معتقدي الدين .. لا يمكن لمستغل الدين أن يبوح بمقصده الحقيقي طالما أنه أمر مشين – عنصري أو طائفي مثلا – بهذا المعنى لا فرق بين أنصار الله والإصلاح والسلفيين في اليمن فالكل يتخذ من الدين أي (الأمر الجاد والمقدس) أرضية يقف عليها ويبقى الاختلاف بعد ذلك في النسخة الدينية التي يتبناها ، وعلى الملابسات الظرفية التي تعكس سلوكه الاستغلالي للدين . وبخصوص السيكولوجية فهي تمثل الاستجابة لدى المتقبلين للنزعات الدينية السياسية و ولكن هذه الاستجابة تتعرض للضعف ، وكلما ضاقت دائرة الأرضية الدينية كلما مالت الجماعة إلى العنف .. وهكذا فإن الممارسات العنيفة للجماعات الدينية ليست تعبيرا – في آخر التحليل – عن قوتهم إنما عن خوفهم من المستقبل .
نتحدث كثيرا في نقاط ضعف في المكون المعرفي للأمة في مجالات العلم والإدارة والتعليم والتنمية .. نحن أمة – في راهنها – نصيبها قليل من العقل و الفكر وليس من المحير أن تكون معرفتنا بالدين ملتوية كما معرفتنا بالعلم الطبيعي والإنساني ملتوية ومتخلفة .. هناك فهم للدين غريب ومتعسر بل وجاهل .. هذه الأزمة لابد أن تصنع أجنة مشوهة عنيفة ومتطرفة .. لا أحد يملك حق الفهم الصحيح للدين ، ولا أحد يملك حق دعوة الناس للتخلي عن الدين .. الأزمة ليست في الدين ذاته بل في الفهم الفقير للدين وهذا الفهم لا تزيله إلا ثورة على العقل العربي أو حتى قل المسلم ككل .. المشروع أكبر من مجرد معالجات تتم على مستوى التربية الدينية والإعلام الديني أو نقد المسجد. ومالم تحدث هذه الثورة في العقل سيظل التطرف والإرهاب شاخصين في واقعنا .