لم يكن التدخل الإمارتي الآتي في إطار التحالف العربي إحتلالاً ولن يكون، فاليمن أكبر من أن يتم احتلالها، كما أن طبيعة حضور الدور الإمارتي مرسومٌ كما يفترض في حدود خطة التحالف الداعم للشرعية وفِي سياق مهمته المحددة بدعم الشرعية واستعادة مؤسسات الدولة.
واجب الدفاع عن اليمن لم يكن الدافع الاول والأساسي لإشراك الإمارات في تحالف دعم الشرعية كما قال أحد المسؤولين الكبار في دولة الإمارات وإنما لهم ولشركائهم في التحالف ما يستوجب مشاركتهم وبقائهم في اليمن.
ولولا
حالة القبول الشعبي في المناطق التي تم السيطرة عليها في ظل القيادة والإدارة الإمارتية ما كان له أن يحقق كل هذا الاستقرار أو يصل الى ما وصل إليه والذي شعر به المواطن على الأرض أكثر من أي منطقة أخرى، وهذا القبول الشعبي نابع من رصيد تاريخي جسده الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله والذي حظي بحب واحترام كل اليمنيين شمالاً وجنوباً متأصلاً بمختلف توجهاتهم الأيدلوجية والفكرية والسياسية .
لكن هذا الرصيد الشعبي بات عرضة للإستنزاف اليومي والتآكل عبر سلسلة من الممارسات الطائشة والخاطئة والمدروسة ربما، وكذا الأخطاء التي تقع من ورثة الشيخ زايد وأجهزتهم السياسية والإعلامية والعسكرية وأدواتهم المحلية في الميدان.
وقبل انتقاد ممارسات الإخوة الإمارتيين على تجاوزاتهم؛ لابد من الإقرار بتراخي مسؤلية منظومة الشرعية بكافة مكوناتها، تجاه خلو المجال أمام الاشقاء، في مقابل تلاشي حضور الشرعية، وعجزها عن تفعيل حضور سلطات الدولة، في المناطق المحررة، وتفعيل مؤسساتها.
ما كان للشرعية بتكويناتها الرسمية والحزبية، أن تتجاهل أو تتغافل عن طبيعة الحضور الداعم لها، وميزان المصالح والمطامع للقوى الدولية والاقليمية في اليمن. ولا أن تطيل في الصمت، تجاه وقوع الاشقاء من الامارات في تجاوزات، وأخطاء قد يصل بعضها إلى مستوى الإخلال الفادح بطبيعة الدور المناط بهم، ضمن مكون التحالف، وفقاً لطلب التدخل، الذي تواجد استجابةً له بضوء أخضر من الأمم المتحدة، والدول الراعية.
فلولا هذا التغافل والتراخي من الشرعية ومكوناتها، لما وصلت الأمور في المناطق المحررة إلى درجة السيطرة للقيادات الاماراتية، والتي قد تبلغ في بعض صورها الى مستوى الهيمنة على حساب الشرعية، وخارج وجهة مهمة التحالف الداعم للشرعية أساساً.
كانت الإشكالات التي شهدتها زيارة رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر لمحافظة سقطرى، هي القشة التي قصمت ظهر بعير الشرعية، والذي لم يعد بمقدوره احتمال المزيد. حيث وجدت قيادة الشرعية فرصتها لفتح ملف تجاوزات الإمارات بحقها، ولو بشكل جزئي، لكنه كان كافياً لإبراز مدى إخلال الإمارات لدورها ضمن منظومة التحالف.
كما تعزز موقف قيادة الشرعية اليمنية بردة الفعل الشعبية، التي تولدت لدى جموع المواطنين اليمنيين في شمال اليمن وجنوبه، والمكونات السياسية والاجتماعية، التي عبّرت بقوة عن مشاعر الرفض والامتعاض، لما اعتبروه مساساً بسيادة بلدهم ويمنية جزر أرخبيل سقطرى .
وهو ما استدعى تحركاً جديّاً من المملكة العربية السعودية، التي بادرت إلى احتواء الموقف، وضغطت على الأطراف اليمنية والإماراتية للتقارب، واحتواء التوتر، تكلل ذلك بإرسال قوات سعودية، للجزيرة وسحب مجاميع من القوات الإماراتية، وعقد لقاء جمع الرئيس هادي بالقيادة الإماراتية.
كانت حالة الأمل التي ظهرت لدى اليمنيين بقرب الحل، وانهاء مظاهر التوترات عقب التطورات الاخيرة كبيرة، خاصةً مع إعلان انطلاق معركة الحديدة، لكن سرعان من تبددت الآمال في نفوس اليمنيين بتعثر عملية تحرير الحديدة، وما تلاها من عودة الأزمة مجدداً مع أشقائهم الإماراتيين.
فهاهي الإشكالات تعاود من جديد في جزيرة سقطرى، وعادت الإمارات لممارساتها السابقة والمخلّة لدورها في إطار التحالف عبر التحريض على محافظ محافظة سقطرى ومجلسها المحلي، وتجاوزها لهم في أنشطة كثيرة تخص المحافظة، وذلك بتعطيل وإيقاف المشاريع الخدمية الممولة من قبلها، واستقدامها للعمالة الأسيوية، وإدخالها لأفواج من السياح الأجانب عبر شركات إماراتية دون موافقة السلطات اليمنية، ودفعها لأطراف محسوبة عليها للإصطدام بأجهزة الشرعية في سقطرى وتعز، تشجيعاً لمظاهر التمرد والإنقسام بين اليمنيين.
وعليه؛ إذا لم تبادر قيادة الشرعية للتحرك من جديد، فإن الأمور قد تخرج مجدداً عن السيطرة، وقد تصل إلى مستوى أكبر من ذي قبل. حيث لم يعد أمام الشرعية اليمنية وأطرافها من خيار سوى اللجوء إلى فتح كامل الملف الخاص بتجاوزات الإمارات وآثاره على مهمة التحالف على كل المستويات.
لابد من مكاشفة الأطراف الخليجية، والتحول في مناقشتها وتحديد طبيعة تواجدها وحدوده، والإتفاق على أسسس جديدة للشراكة وتوازن المصالح. دون ذلك؛ فإن الجميع سيغرق في مستنقع الصراعات المتجددة في اليمن، والذي ستكون دول الخليج هي الخاسر الأكبر فيها والمسؤلة عن كل تبعاتها.
أسعد عمر